كمال جنبلاط أيقونة للحرية ضد الظلم
13 آذار 2025
12:42
Article Content
في ذكرى اغتيال المعلم كمال جنبلاط، تتعانق اللحظة التاريخية مع التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة، محدثةً تناقضًا بين الماضي والحاضر، بين الذكرى والأمل. هذا العام، ومع مرور عقود على اغتياله، نجد أنفسنا في مواجهة التحولات الجذرية التي تحدث في سوريا والمنطقة العربية ككل. سقوط نظام الأسد وظهور بوادر القبض على منفذي الاغتيال، هو بمثابة استحضار للذاكرة السياسية، ليس فقط لمجزرة شخصية بحق رجل عظيم، بل أيضًا لعصر بأكمله شهد فيه لبنان والمنطقة بأسرها تحولات عميقة ومؤلمة.
لقد كان كمال جنبلاط أكثر من مجرد زعيم سياسي، كان في جوهره مفكرًا ورائدًا لفلسفة التحرر الاجتماعي. حملت رؤيته للمستقبل طموحًا كبيرًا في خلق مجتمع يساوي بين أفراده، يعترف بقيمة الإنسان في ظل العدالة والمساواة. في ذات الوقت، كان نقده للنظم الاستبدادية، وخاصة النظام السوري، جريئًا إلى حد التجاوز؛ كان يرى أن أي محاولة لتهميش الشعب اللبناني وإضعاف سيادته هي بداية الطريق نحو استعباده. وعلى الرغم من أننا نعيش اليوم في فترة تختلف ظروفها السياسية، إلا أن ما خلفه جنبلاط من إرث يتجاوز الحدود الضيقة للأيديولوجيا الحزبية، ليصب في تيار البحث عن حرية الإنسان وانتصار العدالة.
وفي هذه اللحظة الفارقة، حيث تتناغم ذكرى اغتياله مع نهاية عصر الأسد، يتبادر إلى ذهننا التساؤل: هل حقًا نجد العدالة في اللحظة التي ننتظر فيها المحاسبة على اغتياله؟ في الفكر الفلسفي، تتواجد فكرة أن العدالة هي ليس مجرد تصحيح للأخطاء الماضية، بل أيضًا خلق توازن جديد يضمن عدم تكرار تلك الأخطاء. فالمعلم كمال جنبلاط لم يكن مجرد ضحية لمؤامرة، بل كان رمزا للمسار الذي يتحدى الخوف ويتقدم نحو فضاء سياسي مليء بالمبادئ والمثل العليا. اغتياله كان بمثابة محاولة لتدمير هذا الفكر، لكنه فشل في ذلك بشكل مدهش، حيث تمكنت أفكاره من تجاوز حدود الزمن والواقع، وأصبح جنبلاط أيقونة للحرية والمقاومة ضد الظلم.
كما أن سقوط النظام السوري يفتح أبوابًا جديدة لفهم تاريخ المنطقة بطريقة فلسفية أعمق. هل كان النظام السوري قوة تعبير عن السلطة القمعية التي تزداد سطوتها مع الزمن؟ وهل يمكن للسقوط الحتمي لهذه القوى الاستبدادية أن يصبح فجرًا جديدًا للمنطقة، يعيد الروح إلى الأفكار التي نادى بها جنبلاط؟ في هذه اللحظات من المراجعة والتحليل، تتجلى الحقيقة المعقدة: أن العدالة ليست مجرد جزاء للمجرم، بل إعادة تشكيل للمجتمع ذاته، وإعادة بناء لهيكله السياسي والاجتماعي بما يتماشى مع المبادئ الإنسانية الأساسية التي نادى بها جنبلاط طوال حياته.
وعليه، فإن ذكرى اغتياله ليست مجرد احتفالية بمرور الزمن، بل هي دعوة للعودة إلى الجذور الفلسفية التي شكلت شخصيته ونضاله. نحن اليوم، في لحظة تقاطع مفصلية، بحاجة إلى أن نتأمل في إرثه، في عمق فكره، ونستلهم منه القوة للمضي قدمًا في معركة أوسع وأشمل ضد كل ما من شأنه أن يهدد كرامة الإنسان وسيادته. فإن التاريخ لا ينتهي بموت الزعماء، بل يتجدد في كل لحظة نحاول فيها فهمه واستيعاب عبره من أجل بناء غدٍ أفضل.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.