كمال جنبلاط انتصر… ونحن شهود النصر!
12 آذار 2025
19:28
آخر تحديث:12 آذار 202519:37
Article Content
عندما نبحث عن رجال صنعوا التاريخ، نجد أن كمال جنبلاط يتصدر القائمة، إذ أنّه لم يكن مجرد سياسي أو زعيم طائفي، بل كان فكرة تتحدى الواقع، ورؤية تسبق زمانها، وحلمًا لم ينكسر حتى عندما اغتيل في 16 آذار 1977. فكان يعتبر أنّ كل ثورة تمرّ في ثلاث مراحل: التبشير بها، النضال من أجلها، ثم الانتصار أو الفشل. لكن الثورة الحقيقية هي التي لا تموت حتى لو اغتيل أصحابها.
هكذا كان جنبلاط يرى التغيير، وكأنّه كان يدرك أن طريقه سيكون محفوفًا بالمخاطر، فلم يكن مجرّد زعيم طائفي يسعى إلى تكريس نفوذه، بل كان رجلا أمميًا يؤمن بوحدة الإنسان بعيدًا عن الحواجز المصطنعة. لهذا، لم تكن معركته محصورة بلبنان، بل امتدت إلى فلسطين، وسوريا، والعالم العربي بأسره.
آمن جنبلاط بأن السياسة ليست هدفًا في حد ذاتها، بل أداة لإصلاح المجتمع وتحرير الإنسان من الخوف والجوع والجهل. كان خصمًا للطبقيّة والطائفيّة، ودعا إلى العدالة والمساواة في بلد يقدّس الانقسامات. وقف مع الفلاحين، نادى بإصلاحات جذرية، وكان صوته مدويا ضد الفساد والاستبداد، ما جعله عدوا لمن أرادوا إبقاء لبنان في دائرة المصالح الضيقة.
في 16 آذار 1977، اغتيل كمال جنبلاط، المفكّر والسياسي اللبناني، في كمين غادر، وفي محاولة لإسكات صوته، ليكون أحد أبرز ضحايا ماكينة الاغتيال السورية التي استهدفت كل من خرج عن وصايتها. لكن القتلة لم يدركوا أن جنبلاط لم يكن مجرّد جسد، بل فكرة، والأفكار لا تموت. وكأنّه كان يتنبأ بمصيره حين قال: "إذا كان قدري أن أموت من أجل قضية عادلة، فأنا مستعد لذلك".
لم يكن جنبلاط مجرد زعيم درزي أو قائد حزب، بل كان رمزا لمشروع سياسي عابر للطوائف، يواجه هيمنة الأنظمة القمعيّة، وعلى رأسها نظام حافظ الأسد. اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود على اغتياله، يتهاوى النظام السوري الذي اغتاله، وكأن الفكرة التي اغتيل من أجلها تأبى أن تموت.
لم يكن اغتيال كمال جنبلاط مجرد عمليّة تصفية سياسيّة، بل كان رسالة واضحة لكل من يحاول الوقوف بوجه نظام الأسد. أراد النظام السوري أن يؤكّد أن لا مكان للأحرار في المنطقة، وأن أي مشروع سياسي خارج عن إرادته سيكون مصيره الدم. ولكن ما لم يدركه الأسد الأب حينها، هو أن الأفكار لا تُغتال، وستتحول دماء جنبلاط إلى نار تلتهم أركان النظام نفسه.
وبين اغتيال كمال جنبلاط وبدء الانتفاضة السورية عام 2011، هناك فكرة تعود إلى الحياة! عندما اندلعت الثورة السورية، بدا وكأن روح كمال جنبلاط قد بُعثت من جديد. فالسوريون الذين خرجوا إلى الشوارع مطالبين بالحرية والكرامة كانوا يرفعون نفس الشعارات التي نادى بها جنبلاط قبل عقود. النظام الذي اغتال جنبلاط تحت ذريعة الحفاظ على "الاستقرار"، وجد نفسه في مواجهة انتفاضة شعبية تهدد بقاءه.
ربما لم يكن كمال جنبلاط حاضرا ليرى سقوط النظام السوري، لكن إرثه السياسي لا يزال حيا. فلقد أثبتت الأحداث أن الأنظمة الديكتاتوريّة مهما بلغت سطوتها، مصيرها الزوال أمام فكرة الحرية. وسوريا اليوم، التي دفعت ثمنًا باهظًا في مواجهة هذا النظام، تسير نحو مستقبل قد يكون متأخّرا، لكنّه حتمي.
بعد أكثر من أربعة عقود على رحيله، لا يزال كمال جنبلاط حيًا في ذاكرة لبنان. كلماته تُستعاد، ورؤيته لا تزال تصلح نموذجا لإنقاذ وطن مزقته الطائفية والمصالح، إذ كان يرى لبنان كيانا يتسع للجميع، لا حكرا على طائفة أو حزب.
قد يكون جسد كمال جنبلاط قد غاب، لكن صوته لم يخفت، ولا يزال يسألنا: متى سيولد الحلم من جديد؟
ربما يكون الجواب في كلماته: "وحدها الشعوب التي تملك الوعي الكافي تستطيع أن تصنع قدرها."
موعدنا مع الوفاء، مع النصر، مع الحقيقة التي لا تموت. كونوا معنا في 16 اذار، لأن كمال جنبلاط انتصر… ونحن شهود النصر!
*عضو مجلس قيادة الحزب التقدمي الإشتراكي
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.