كمال جنبلاط.. في ذكراك تحية لنهجك التحرري
12 آذار 2025
13:55
آخر تحديث:12 آذار 202514:10
Article Content
كتب القيادي في الحزب الشيوعي موريس نهرا في ذكرى استشهاد المعلم كمال جنبلاط:
لم يكن اغتيال القائد كمال جنبلاط في ١٦ آذار ١٩٧٧ مجرد حادث إجرامي حصل صدفةً. بل إنه لا ينفصل عن مسارٍ فكري وسياسي نضالي لبناني وعربي كان متمثلاً بدوره. فهو ليس مجرد زعيم سياسي أو درزي كما يحاول البعض أن يصنفه، بل كان في مجمل دوره قائداً ومفكراً لبنانياً وعربياً يرى بعمق الترابط القائم بين الوضع في لبنان وفي البلدان العربية ومع مسار التطور العالمي والإنساني.
وانطلاقاً من ذلك كان دوره ونشاطه على رأس الحركة الوطنية اللبنانية والجبهة المشاركة للثورة الفلسطينية بأبعاده التحررية لبنانياً وفلسطينياً وعربياً، هو المستهدف باغتياله.
لقد كان جنبلاط مدركاً بعمق واقع بلدنا ومنطقتنا العربية وتاريخها وأنها إلى جانب تقسيمها وتقاسمها، تركت السيطرة العثمانية والدول الاستعمارية الأوروبية في دولها وأنظمتها مخلّفات ماضوية تعرقل وتبطئ عملية تقدّمها وتحرّرها وتوحُّدها، وبخاصة الألغام الموقوتة المتمثلة بمشكلة الأقليات الدينية والطائفية والإتنية.. ولم يكن ابقاؤها مجرد هفوة أو صدفة، فالدول الأوروبية المسيطرة التي رسمت حدود الكيانات العربية وأنظمتها السياسية كانت دولها في أوروبا تتبنى في أنظمتها الديموقراطية والعلمانية، التي يؤدي تطبيقها إلى إزالة التمييز والفوارق بين أقليات وأكثريات. فينتفي شعور الأكثريات بالغطرسة والتسلط والأقليات بالغبن والتهميش، وتصبح الكفاءة والنزاهة هي المعيار.
وكان غرس إسرائيل في أرض فلسطين بقوة السلاح والمجازر والدعم الاستعماري، لتكون من جهة قاعدة أمامية للاستعمار في منطقة مهمة بثرواتها النفطية وغيرها، وبموقعها الجغرافي بين ثلاث قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، ومن جهة أخرى كعامل تحريض للأقليات باستخدام إسرائيل كأقلية دينية صهيونية استطاعت إقامة كيانها وتوسُّعها، والانتصار على جيوش عربية بدعم الغرب الأميركي المفتوح. والقصد من دورها هذا تشجيع الأقليات لتحذو حذوها، وإثارة التناقضات والفوضى داخل البلدان العربية، وبخاصة المحيطة بالكيان الصهيوني وتفتيت هذه البلدان لتصبح اسرائيل في شرق أوسط جديد هي القوة المسيطرة فيه والشريك الأقوى في استغلال ثرواته.. وليست المجازر المرتكبة في سوريا والإعتداءات الحربية لإسرائيل في الجنوب السوري سوى دليل قاطع على ذلك.
لقد كان جنبلاط على رأس الحركة الوطنية اللبنانية مدركاً الأخطار المذكورة، وهادفاً من خلال برنامجها للإصلاح المرحلي لبناء لبنان سيد عربي ديموقراطي علماني، لإزالة الطائفية وانقساماتها العمودية، لترسيخ وحدة داخلية صلبة تسد المنافذ التي تدخل منها إسرائيل وأصابع الخارج.. وإن تحقيق ذلك هو ضرورة وطنية لبنانية للاستقرار، ولحماية لبنان وجعله وطناً حصيناً، وهو يُكسب لبنان موقعاً عربياً طليعياً كمثال لحل مشكلة الأقليات في المنطقة في ظل العروبة الديموقراطية العلمانية.. وكان جنبلاط في الوقت نفسه على انسجامٍ سياسي ونضالي في موقعه في رئاسة الجبهة المشاركة للثورة الفلسطينية دعماً لقضية فلسطين وحقوق شعبها تاريخياً وقضية التحرر الوطني لبنانياً وعربياً.
وقد جسد في دوره هذا الترابط والجمع في مواجهة خطر عدوانية إسرائيل وحروبها على لبنان والبلدان العربية من جهة، وخطرها في تحريض الأقليات لإثارة اضطرابات وتقسيم للبنان وللبلدان العربية من جهة أخرى. وإن حرب إسرائيل الوحشية لإبادة أهل غزة وتدمير قرى جنوب لبنان، إلى كونها نازية جديدة هي تكرار للمثال الوحشي لما قامت به العصابات الأوروبية في غزوها القارة الأميركية المكتشفة وإبادتها حوالي مئة مليون إنسان من الهنود الحمر، وهم السكان الأصليون، ليستغلوا هذه الأرض الجديدة المروية بدماء سكانها الأصليين، وليبنوا سلطاتهم عليها.
أليست شهية الرئيس دونالد ترامب لشراء قطاع غزة دليلاً على وحشية الرأسمال وشهيته للربح اللامحدود ولو على دم الناس وتجريدهم من أرضهم ووطنهم؟ أوليس دور أصابع إسرائيل وتدخلها المكشوف في طائفة الموحدين الدروز، استغلالاً للوضع في سوريا حالياً، ومحاولة حرف ما يمكن من هذه الطائفة الكريمة عن تاريخها ومسارها الوطني العربي، وعن فكر ونهج قادتها التاريخيين سلطان باشا الأطرش وكمال جنبلاط، ورؤية شكيب إرسلان.. وهل ينسى الناس تخلّي إسرائيل عن عملائها وأعوانها عندما تفرغ من استخدامهم، كما فعلت عام 2000 بانسحابها العاجل وتركها العميل أنطوان لحد وجماعته يواجهون مصيرهم؟
وليس خافياً أيضاً خداع الصهاينة المحتلّين وخبثهم في إبلاغ المقاتلين الاشتراكيين في مدينة عاليه بأن يذهبوا في الخامسة من صباح يوم محدد في أوائل أيلول ١٩٨٣ ليستلموا موقعاً للمحتلين سينسحبون منه في رأس الجبل.. فإذا بالاشتراكيين عندما وصلوا إلى الموقع المذكور بالتوقيت المحدد يصطدمون بمقاتلي القوات المتمترسين في المبنى نفسه. فكانت مجزرة كبيرة، شكّلت صاعق تفجير حرب الجبل، التي انتصر فيها الاشتراكيون والقوى الوطنية الحليفة.
تحية إجلالٍ ووفاء لروح الشهيد الكبير كمال جنبلاط ونهجه التحرري.
الخلود لشهداء مقاومة الاحتلال الصهيوني ولإقامة لبنان عربي ديمقراطي علماني.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.