قدرٌ لا يخطئ المواعيد: اعتقال المتهم باغتيال كمال جنبلاط
10 آذار 2025
10:55
Article Content
في لحظةٍ بدت وكأنها امتدادٌ لعدالةٍ طال انتظارها، لحظةٌ تجمّعت فيها خيوط الزمن لتعيد رسم مشهدٍ لم يغب عن ذاكرة اللبنانيين، أعلن الأمن العام السوري اعتقال اللواء إبراهيم حويجي، رئيس المخابرات العامة السابق، والمتهم الأساسي في اغتيال كمال جنبلاط عام ١٩٧٧. لم يكن الخبر عابرًا، بل كان أشبه بريحٍ بعثت الغبار عن جرحٍ لم يلتئم، وأيقظت في القلوب دهشةً وحيرة، بين التساؤل والحنين إلى عدالةٍ لطالما بدت بعيدة المنال.
" الله أكبر"… كلمتان فقط كتب بهما وليد جنبلاط تعليقًا على هذا الخبر. لم تكن مجرد تغريدة، بل صرخةٌ احتوت أربعين عامًا من الألم والانتظار. عاصفةٌ من التفاعل اجتاحت وسائل التواصل، وكأنها شهقةُ تاريخٍ عاد ليتنفس، ولو للحظةٍ عابرة.
عدالة بطيئة.. لكنها تأتي
للحظة، خُيّل للبعض أن القدر هو من قرر أن يعيد فتح هذا الملف قبل أيام من الذكرى السنوية لاستشهاد كمال جنبلاط. وكأن الزمن، ببطئه القاتل، رفض أن يطوي الصفحة دون أن يترك توقيعه في دفتر الحقيقة.
لكن المصادفات لا تتوقف هنا، ففي ٨ كانون الأول الماضي، وبعد يومٍين من ذكرى ميلاد كمال جنبلاط، بدأ سقوط نظام بشار الأسد فعليًا، بعدما فقد السيطرة السياسية والعسكرية على دمشق. النظام الذي اغتال جنبلاط الأب، وجد نفسه في ذلك اليوم يتهاوى، وكأن عجلة الزمن تدور رغم كل شيء، تُسقط الطغاة واحدًا تلو الآخر، وتحفر في التاريخ بصمتٍ لا يخلو من الانتقام الرمزي. فهل يكون هذا الاعتقال أول قطرةٍ في غيث الحساب؟
اغتيالٌ لم يُنسَ.. والجريمة لا تموت
في ١٦ آذار ١٩٧٧، على طريق بعقلين – المختارة، توقّف الزمن على حاجز أمني نصبته المخابرات السورية. لم يكن ثمة شكٌ في النوايا، لم تكن ثمة فرصةٌ للنجاة. لحظاتٌ، وانطلقت الرصاصات التي لم تقتل رجلًا فقط، بل حاولت اغتيال فكرٍ، وإخماد صوتٍ لطالما صدح بالحرية والكرامة. كانت تلك اللحظة نقطةً فاصلة في تاريخ لبنان، إعدامًا سياسيًا بقرارٍ لم يكن يحتاج إلى توقيع، فدمشق كانت الحبر، والحاجز كان الورقة، والرصاص هو الختم الأخير.
ظلت الحقيقة مدفونة، تحت ركام التواطؤ والصمت والخوف، لكن ذاكرة الشعوب ليست ورقةً في أرشيف النسيان. واليوم، بعد ما يقارب نصف قرن، يُعتقل الرجل الذي قيل إنه شارك في تنفيذ الجريمة. فهل هي عدالة الأرض التي تأخرت، لكنها لم تضِع؟ أم أن للتاريخ حساباته التي لا تخطئ مهما طال الأمد؟
وبشر القاتل بالقتل؟
في لبنان، كثيرًا ما كانت العدالة انتقائيةً، مسيّسةً، تُستخدم حينًا وتُغيب حينًا آخر. لكن هذا الاعتقال، رغم تأخره، يبدو كأنّه اعترافٌ غير مباشر بجريمةٍ حاول القتلة طمسها. ليس مجرد توقيفٍ لضابط مخابرات، بل صفعةٌ لنظامٍ بنى سلطته على الاغتيال والتصفية، ولم يدرك أن عجلة الزمن تدور، ولو ببطءٍ قاسٍ.
ربما يكون هذا الحدث شرارةً في مشهدٍ أكبر، حيث تتهاوى حصون الطغاة، وتهتز عروشٌ لطالما ظن أصحابها أنها محصّنة. فبعد سقوط الأسد سياسيًا، واعتقال أحد رجاله الأمنيين، هل بدأ الحساب حقًا؟ أم أن الأيام القادمة تخبئ فصولًا أخرى من هذه الرواية التي لم تُكتب نهايتها بعد؟
الدكتور وسام صافي - عميد مهندس متقاعد
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.