Advertise here

تحليل إسرائيلي: حرب الظلال ضد إيران خرجت إلى العلن وما سيأتي مرتبط بنصرالله وترامب!

31 آب 2019 09:36:00 - آخر تحديث: 31 آب 2019 09:44:57

"تستطيعون الذهاب إلى النوم، الرد لن يحدث اليوم"، هذا ما نقلته أول أمس الصحف اللبنانية عن حسن نصر الله خلال حديثه في "مجلس مغلق" مع رجال دين. "نحن لم نكن ولا مرة مستعجلين" قال الأمين العام لحزب الله. "رداً على أحداث القنيطرة (اغتيال ناشط حزب الله جهاد مغنية والجنرال الإيراني في 2015) احتجنا إلى عشرة أيام للرد".

ثمة شك في أن الجيش الإسرائيلي أخذ هذا الكلام بحرفيته. حالة التأهب لامتصاص ضربة مستمرة في قيادة الجبهة الداخلية، والدوريات العسكرية على طول الحدود مع لبنان وسورية قُلصت، بهدف الحد من الأهداف المحتملة المعرضة للهجوم من جانب حزب الله. رئيس الأركان أفيف كوخافي يعرف الوضع معرفة شخصية، فقد كان قائد المنطقة في أيام حالة التأهب في "شمس شتائية"، وأيام "أحداث القنيطرة" التي يتحدث عنها نصر الله. في نهايتها رد حزب الله على موت مغنية والجنرال [الإيراني] بإطلاق صواريخ كورنيت قتلت في سفوح مزارع شبعا قائد سرية وجندياً في لواء غفعاتي. يمكن أن نأمل بأن الدروس استُخلصت منذ ذلك الحين، وأن القيادة التي اكتوت أيضاً في حادثة موقع "نوريت" في الجليل الغربي في 2004، حريصة هذه المرة على أن تتخذ  القوات غير التابعة مباشرة للفرق على الحدود الخطوات الوقائية المطلوبة.

الافتراض لا يزال على حاله: سيحدث رد. ونصرالله ملزم بأن يشير إليه مرة أُخرى. لقد قرر ذلك منذ اللحظة التي أعلن فيها أن إسرائيل هاجمت في لبنان (وفي بيروت نفسها)- ولأول مرة من الجو، وبصورة واضحة- خرقت وقف إطلاق النار المستمر منذ 13 عاماً، منذ انتهاء حرب لبنان الثانية. من جهة أُخرى، الاستخبارات العسكرية أمان لا تعتقد أن المنطقة على عتبة حرب. بحسب التقدير الذي يستند أيضاً إلى تصريحات نصر الله ونائبه، نعيم قاسم، حزب الله يبحث عن رد مدروس، ومتلائم، سيسجَّل في كتب التاريخ، لكنه لن يؤدي إلى تدهور.

في الخلفية، يبقى حساب مفتوح مع لاعب مركزي آخر، هو الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. في ليلة السبت - الأحد وقع هجومان. سبق العملية في بيروت هجوم سلاح الجو على خلية تابعة للحرس الثوري جنوبي دمشق والقتيلان اللذان سقطا في القصف هما عنصران من حزب الله، كانا في مهمة بتكليف من سليماني، وفي طريقهما إلى إطلاق طائرة مسيّرة مفخخة على الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان.

بالإضافة إلى النيران، تجري أيضاً معركة على الرواية. نصر الله في خطابه شدد على المس بعناصره في سورية، وحاول أن يعرض الهجوم في بيروت كهجوم على رصيد هامشي، لاعتبارات إسرائيلية غير واضحة. اعتباراً من الأمس تنتهج المؤسسة الأمنية مساراً معاكساً. فقد كشف الجيش لأول مرة تفصيلات واسعة عن "مشروع الصواريخ الدقيقة" لحزب الله بمساعدة إيران. وهذا هو الجهد لتحسين دقة جزء من الصواريخ التي لدى الحزب بحيث تصل إلى معدل إصابة الهدف على بعد عشرة أمتار أو أقل. لقد حاول الإيرانيون وشركاؤهم في لبنان تحقيق ذلك بواسطة تهريب السلاح الذي أُحبط، في أغلبيته، ومؤخراً من خلال إقامة خط إنتاج في الأراضي اللبنانية.
في الجيش الإسرائيلي يقدرون أن الحزب يملك بضعة عشرات من الصواريخ ذات مستوى عال من الدقة. صواريخ أُخرى كثيرة ضُربت خلال محاولات التهريب، ومواقع إنتاج للصواريخ كُشفت وأخليت، وفي ليل السبت ضُرب مكوّن حيوي في موقع إنتاج جديد في بيروت، قبل وقت قصير من نقله إلى موقع آمن تحت الأرض. وهذه هي الرسالة التي تريد إسرائيل تمريرها: نصر الله بنى مع الإيرانيين منظومة قتال سرية، تحت أنظار سكان لبنان وحكومته. وبإصراره على ذلك يعرّض كل اللبنانيين للخطر.

وتيرة الأحداث في الشمال، بما فيها الهجومان المنسوبان إلى إسرائيل ضد ميليشيات شيعية في العراق، تُخرج حرب الظلال التي تدور منذ سنوات بين القدس وطهران، من العتمة إلى منطقة مكشوفة ومضاءة نسبياً. لكن ما سيجري لاحقاً سيتأثر أيضاً بالخطوة الاستراتيجية الكبيرة التي تجري في هذه الأيام، أي محاولة استئناف المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن مستقبل الاتفاق النووي. أيضاً نصر الله وأيضاً سليماني، يخضعان لاعتبارات استراتيجية أوسع بكثير. من الصعب أن نصدق أن إيران تريد حرباً مع إسرائيل، بينما تلوح في الأفق فرصة حقيقية لاستئناف المفاوضات المباشرة مع واشنطن. أيضاً روسيا، من جهتها، لها مصلحة واضحة في كبح التصعيد، لأنه يمكن أن يعرّض استقرار نظام الأسد في سورية للخطر.

بالنسبة إلى حزب الله، يبدو أن ميزان الردع بينه وبين إسرائيل، الموجود منذ 2006، لا يزال على حاله. الطرفان يعرفان قدرة التدمير المتبادلة التي ستتسبب بها حرب ثالثه في لبنان، وثمة شك في أن تكون منطوية على فائدة استراتيجية بالنسبة إليهما. يتخوف حزب الله من تفوق إسرائيل الاستخباراتي والجوي. وإسرائيل تدرك المخاطر غير المسبوقة التي تتربص بجبهتها الداخلية نتيجة صواريخ حزب الله.
بنيامين نتنياهو بحكم منصبه كوزير للدفاع، مسؤول عن إحباط المخاطر الناشئة على طول الحدود من هجمات الطائرات المسيّرة، وحتى ضرب مكوّن حيوي في خط إنتاج الصواريخ الدقيقة لحزب الله في لبنان. وكرئيس للحكومة، هو منغمس في محاولة فك أسرار نوايا صديقه، رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب. الإيرانيون ينظرون إلى إمكان عقد قمة بين ترامب والرئيس حسن روحاني كتوجّه واقعي أيضاً للتطورات في المدى القريب. وهذا السيناريو يثير تشاؤماً كبيراً في أوساط رئيس الحكومة.

ما وُصف هذا الأسبوع كأول حرب للطائرات المسيّرة، بعد العمليات في بيروت وبالقرب من دمشق، يخترق حدود حرب الظلال، التي تُسمى أيضاً المعركة بين الحروب. اللواء في الاحتياط عاموس يادلين والعميد في الاحتياط أساف أوريون، في معهد دراسات الأمن القومي، كتبا هذا الأسبوع "المبدأ الذي يوجّه المعركة بين الحروب هو الامتناع من التصعيد، وإدارة عمليات تحت عتبة الحرب، وذلك من خلال تقليص إحساس العدو الضاغط للقيام برد تصعيدي. عمليات هجومية متباعدة من أجل إتاحة الفرصة للخصم كي يهدأ، والمحافظة على البقاء بعيداً عن الأضواء، وهو ما يسمح للعدو الذي تعرّض للهجوم بهامش من الإنكار، ويقلص الضغوط السياسية والعامة الضاغطة عليه كي يرد".
بحسب كلامهما: "الهجوم في سورية جرى الحديث عنه بكثرة، على ما يبدو، لتبرير المبادرة إلى شن هجوم فتاك لإحباط هجوم. هذه الحجة تبرر إعلاناً غير واضح وجافاً، وليس إعلاناً تلفزيونياً من رئيس الحكومة في هضبة الجولان، وإلى جانبه رئيس الأركان وظهره إلى سورية. نصر الله اعتبر هذا الكلام تباهياً، وتغريدات استفزازية للناطق بلسان الجيش ضد سليماني تتجاوز أيضاً ما هو مطلوب".
يشير يادلين وأوريون إلى أن نصر الله حذّر في خطابه من أن حزبه لن يقبل بعد اليوم وجود طائرات إسرائيلية من دون طيار في سماء لبنان، وسيعمل على إسقاطها.

كما لاحظ الكاتبان توتراً متزايداً مع الولايات المتحدة" العمليات التي تدخل ضمن نطاق حرب بين الحروب تخلق نوعين من التوترات: توتر محتمل لدى الرئيس ترامب في موضوع النووي الإيراني الذي يمكن أن يرى في عمليات إسرائيل إزعاجاً مقصوداً لجهود الدفع قدماً بالمفاوضات. وإلى جانب ذلك، بحسب التقارير، نشبت بين إسرائيل والمؤسسة الأمنية الأميركية، في الأساس في قيادة المنطقة الوسطى، في ضوء الخطر الذي تشكله عمليات إسرائيل في العراق على القوات الأميركية في المنطقة ، وعلى علاقاتها مع حكومة العراق".

وضع الإيرانيين ليس أفضل. فقد كتب كل من المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية د.شمعون شابيرا والكولونيل ميخائيل سيغل في مركز القدس للشؤون العامة والسياسية هذا الأسبوع أن الهجمات الكثيرة على أهداف إيرانية في أنحاء الشرق الأوسط أدت إلى بروز "نقاش داخلي مكثف في إيران بشأن عدم النجاح المستمر- تحديداً في الجبهة الأكثر أهمية في مواجهة إسرائيل- لبناء قدرات هجومية وسيطرة عسكرية مهمة على طول الحدود. وذلك بخلاف النجاحات الإيرانية في إدارة المعركة ضد السعودية من الأراضي اليمنية، والهجمات المتكررة على أهداف استراتيجية في السعودية وفي اتحاد الإمارات".

بحسب كلامهما، "تشعر إيران بأن إسرائيل تغيّر وتوسع حدود المعركة التي تخوضها ضدها وضد حلفائها في المنطقة وتقترب من حدودها، على خلفية الهجمات في العراق، والخشية من أن تصبح إسرائيل جزءاً من قوة شرطة في مياه الخليج الفارسي. حتى الآن نجحت إيران في إدارة المعركة ضد إسرائيل وخصومها الإقليميين بعيداً عن حدودها. الآن هي مضطرة إلى إعادة تنسيق سياستها الأمنية في ضوء اقتراب المعركة منها."

(*) "هآرتس"، نقلاً مؤسسة الدراسات الفلسطينية