المُغريات السياسية السامة.. جنوب سوريا مُربع الخطر الكبير
08 آذار 2025
06:35
Article Content
لا يمكن فهم خلفيات الاسترخاء العربي والدولي حول ما يُحاك لسوريا، ولجنوبها على وجه التحديد، ذلك أن المُغريات المالية والسياسية الناعمة للمجموعات التي لم تنسجم مع الإدارة الجديدة لسوريا؛ فاقت كل التوقعات، بينما التهديدات العسكرية الخشنة من قبل إسرائيل؛ ظهرت علناً على سطح الأحداث، وقد تنحو الأمور بإتجاهات أكثر خطورة، نظراً للإمكانيات الهائلة المتوافرة عند جيش الاحتلال وأذرعه، بما في ذلك توافر وسائل القتل والاغتيال الشنيعة.
تتلاقى حدود الأردن وفلسطين المحتلة وجنوب لبنان، عند المربع المستهدف في جنوب سوريا، ومنه قد تتمدَّد "كوريدورات" بالغة الحيوية نحو الشرق، ونحو الشمال الشرقي، وربما نحو الجنوب، ويمكن من خلالها أن تتفلَّت الأمور الى شاكلة غير متوقعة، ذلك أن الغموض الاستراتيجي الذي يحيط بالعقيدة الصهيونية؛ قد يتظهَّر على صور غير مألوفة، او غير متوقعة، وهذه العقيدة بخلفياتها الشريرة؛ لا تحمل أي مُقيدات، لا سيما لناحية الجغرافيا والحدود.
وما يزيد من إثارة المخاوف؛ بعض التجاهل العربي لما يجري في المُربع المذكور. فالقمة العربية التي انعقدت في القاهرة لم تتناول الملف لا من قريب ولا من بعيد، والقوى الدولية الكبرى تتفرَّج على ما يجري، بإنتظار إعادة التموضُع وفقاً لما تقتضيه المصلحة، أو أنها سلَّمت بمقاربة جديدة عنوانها "المهم خرجت ايران وليس مهم مَن سيملئ الفراغ"، واستقلال الجنوب السوري عن دمشق وارتباطه سياسياً وأمنياً بإسرائيل؛ قد يكون الحلقة الأخطر في مسيرة المؤامرة التي انطلقت من وعد بلفور البريطاني في العام 1917.
يتصرَّف بعض المعنيين كأن الموضوع المطروح شأن درزي خاص، وعلى الوطنيين والعروبيين في سوريا ولبنان أن يتدبروا الأمر، بينما الغالبية الساحقة من الموحدين المسلمين الدروز – لا سيما في سوريا – تعاني من أوضاع معيشية بالغة الصعوبة، وسُبُل العيش غير متوافرة، وتفاقمت الأزمة أكثر فأكثر بعد سقوط نظام الأسد، حيث توقفت الرواتب بالكامل عن شريحة واسعة من المتقاعدين والعسكريين الذين كانوا يخدمون مع الدولة في ظل نظامها البائد، باعتبارها واقع حال استمرّ إلى ما يزيد عن نصف قرن، وغالبية هؤلاء لم ينصاعوا لأوامر قادة النظام السابق الذين طلبوا منهم قتال أبناء جلدتهم في الوطن، وساهموا مساهمة فعالة في نجاح الثورة عليه.
يتحدث عدد من المتابعين من أهالي محافظة السويداء عن مغريات كبيرة مُدهشة تُقدّم لبعض الذين يبدون استعداداً للشروع في تنفيذ المُخطط التقسيمي الإسرائيلي، والمبالغ المالية التي تُدفع خيالية، بينما المناعة القومية والوطنية عند الغالبية الساحقة من الدروز تأبى تقبُّل هذه المغريات السامة، وتفضِّل التمسّك بوحدة سوريا وبتاريخ الموحدين الذين قدَّموا تضحيات لا تُحصى من أجل العروبة والإسلام، منذ أيام قتالهم المُستميت مع القائد صلاح الدين الأيوبي الذي حرّر القدس منذ ما يزيد عن 800 عام، مروراً بدورهم الى جانب سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى في العام 1925، وجردة المواقف العروبية تطول وتطول.
ويتبادل المتابعون لما يجري أحاديث عن موافقة من قوات حلف الناتو المتمركزة في بعض القواعد على الأراضي السورية – خصوصاً في قاعدة التنف – على ما يجري، وفي أن المخطط المرسوم يتضمّن تمويلاً لإنشاء جيش للدولة الدرزية المزعومة مؤلف من مئة ألف مقاتل، ومجهز بأحدث الأسلحة، كما تشمل المؤامرة إنشاء مجالس عسكرية موازية ومتعاونة مع هؤلاء من أبناء محافظة درعا ومحافظة القنيطرة الجنوبيتين السوريتين، والدعاية تقول أن إدارة الرئيس أحمد الشرع لم تتمكن من السيطرة على المحافظتين بعد. وقد يكون جزء من هذه الترويجات البغيضة غير صحيح، وهي من ضمن الحرب النفسية التي تُشنّ على أبناء المنطقة بواسطة بعض الأبواق المخفية، أو الظاهرة.
يؤكد قادة "جبل الدروز" بما فيهم مشايخ مدينة جرمانا شرق دمشق؛ أنهم متمسكون بإنتمائهم لسوريا العربية الموحدة مهما تعاظمت الضغوطات، ومهما كانت الظروف المعيشية قاسية. وبصرف النظر عن التجاوزات التي قام بها بعض المحسوبين على الإدارة السورية الجديدة في دمشق. والمُغريات السياسية والمالية والعسكرية السامة التي يغدقها العدو وبعض عملائه على ضعفاء النفوس، أو على الذين يعانون من الفقر والعَوَز؛ لن تتمكن من تغيير الوقائع الثابتة، ولن يتحوَّل الدروز الى متآمرين على الوحدة السورية وعلى القضية العربية. ويعرف هؤلاء أن هدف إسرائيل ليس الدفاع عن الدروز الذين ذاقوا الويلات منذ قيامها، وعانوا الكثير بسبب تشبثهم بأرضهم وعدم النزوح منها كما فعل بعض الآخرين؛ بل هدفها استخدامهم دروع لحماية الكيان الغاصب، وإنتاج توترات أهلية بين المكونات العربية، تجرّ المآسي عليهم، ولا يعرف أحد كيف تنتهي.
خطر انفصال الجنوب، أو إقامة "دولة درزية"، لا يقتصر على وحدة سوريا فقط؛ بل سيهدِّد الأمن القومي العربي برمته، وسيؤدي إلى اهتزاز الاستقرار على البوابة الشمالية للخليج العربي. ومقاومة المشروع التآمري ليست مهمة درزية فحسب؛ بل هي مهمة عربية شاملة، والخطاب التكفيري يساهم في تفاقُم المشكلة ولا يساهم بالحل.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.