كمال جنبلاط ما احوجنا إليك!
06 آذار 2025
09:54
Article Content
لذكرى إستشهاد كمال جنبلاط هذا العام رمزية خاصة بعد سقوط النظام السوري الذي إغتال المعلّم وحكم لبنان وسورية بقبضة من حديد.
كمال جنبلاط رفض دخول الجيش السوري إلى لبنان الذي ضرب مشروع الحركة الوطنية للإصلاح السياسي وفوت على اللبنانيين فرصة تاريخية للإصلاح المنشود.
ورغم ذلك وفي أربعين المعلم زار وليد جنبلاط دمشق بكلّ شجاعة وصافح الرئيس حافظ الأسد قاتل والده، واضعاً المصلحة الوطنية والقومية فوق كل اعتبار وفاتحاً صفحة جديدة من العلاقات مع النظام المذكور.
وفي يوم كمال جنبلاط اللبناني والعربي والعالمي في قصر الأونيسكو استماح وليد جنبلاط الحاضرين عذراً كي يذرف دمعةٍ صغيرة على شخصٍ عزيز قريب، دمعة حبسها "كي يبقى الرجال رجالاً والمبادئ مبادئ."
اغتيل كمال جنبلاط لأنّهُ وقف بوجهِ نظام حافظ الأسد وتجرأ على قول لا! رافضاً المساومة على حساب سيادة وطنهِ وحقوق شعبهِ في الإصلاح والتغيير والعبور بلبنان إلى دولة القانون والمؤسسات التي تحترم الإنسان كقيمة فكرية وروحية بحد ذاته.
اغتيل لأنهُ رفضَ أن يدخل السجن السوري العربي الكبير، كونهُ من دعاة الوحدّة العربية في إطارها الديمقراطي الحافظ لتنوّع وخصوصية كل بلد عربي، وضد الوحدة الإندماجية القسرية الإرتجالية الغير علمية.
إغتيل لأنّهُ رفض أن يتخلّى عن المقاومة الفلسطينية، قائلاً: "إن طبقت برنامج الحركة الوطنية للإصلاح السياسي فسيذكرني التاريخ بسطرين وإن تخليت عن المقاومة الفلسطينية فسيلعنني التاريخ ألف مرة."
إغتيل لأنهُ كان وطنياً لبنانياً مع وحدة لبنان وسيادتهِ واستقلالهِ في إطارهِ العربي وضد مشاريع التفتيت والتقسيم وإنشاء الكانتونات الطائفية والمذهبية.
إغتيل لأنّهُ كان وطنياً لا طائفياً عربياً لا إنعزالياً ديمقراطياً لا دكتاتورياً إشتراكياً لا رأسمالياً تقدمياً لا رجعياً مؤمناً لا كافراً.
إغتيل لأنّهُ كان منسجماً مع نفسهِ صادقاً فيما يقوله وصاحب مدرسة أخلاقية رائدة لا تشوبها شائبة تقرن الغاية الشريفة بالوسيلة الشريفة بعيداً عن "المكيافيلية" الهدّامة.
إغتيل لأنّهُ كان ثورة على الظلم والطغيان والهدر والفساد والتطاول على حقوق الإنسان.
إغتيل لأنّهُ أطلق ثورة في عالم الإنسان والمجتمع والدولة ثورة حقيقية تنبع من أعماق الذات التي هي محض خير وحق ومحبة وجمال.
وتجدر الإشارة إلى أن كمال جنبلاط الذي لقب بغاندي العرب خاض غمار الحرب اللبنانية مرغماً في العام ١٩٧٥، لعدم إيمانه بالعنف لأن الدم يجر الدم والفكر في مفهومهِ لا يواجه بغير الفكر. وكذلك تجدر الإشارة إلى إن ميليشيا الحزب التقدّمي الإشتراكي كانت آخر ميليشيا دخلت معترك الحرب من موقع الدفاع عن النفس.
وعندما استطاع كمال جنبلاط إستقطاب الجماهير من كل لبنان، شمالاً وجنوباً بقاعاً وجبلاً امتداداً إلى العاصمة بيروت، خلف مشروع وطني عربي ديمقراطي لا طائفي مناصرٍ للقضية الفلسطينية ومعادٍ لإسرائيل والحركة الصهيونية تم تفجير الحرب اللبنانية لإعاقة هذا المشروع لا بل لألحاق الهزيمةِ بهِ. وقد رأينا بأم العين كيف بعد كمال جنبلاط تراجع المشروع الوطني لمصلحة المشاريع الطائفية والمذهبية وتدنى المستوى الأخلاقي في البلد وانتشر الهدر والفساد في لبنان بشكل غير مسبوق...
إجتاح جيش الأسد لبنان ووصل جنوباً إلى الأولي فقط لعدم إغضاب إسرائيل، وذلك بضوء أخضر اميركي فضرب الحركة الوطنية اللبنانية وتآمر على الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وأمسك بالقرار الوطني الفلسطيني المستقل إلى حد بعيد، وبالملف الفلسطيني كي يكون ورقةً رابحةً بيد حاكم الشام الذي رفع سقف المواجهة مع إسرائيل في العلن وساوم خلف الكواليس على حساب القضية القومية. كان نظام دمشق ارنباً في الجولان واسداً على شعب لبنان.
دخل الجيش السوري لبنان عنوة على دم كمال جنبلاط وخرج منهُ لاحقاً في العام ٢٠٠٥ على دم رفيق الحريري بعد اندلاع ثورة الأرز التي كان لوليد جنبلاط شرف قيادتها.
إغتيل لأنّهُ تعدّى من خلال حزبهِ النطاق الطائفي الضيق إلى رحاب الوطن الأوسع واستطاع أن يستقطب حولهُ شريحةً واسعةً من العمّال والفلاحين والمحرومين والمثقفين من كل أنحاء لبنان.
إغتيل لأنّهُ كان صاحب قرار وطني لبناني عربي مستقل فلم يرتهن يوماً في حياتهِ لأية دولة خارجية عربية أو أجنبية. ولم يكن تابعاً لدمشق أو بغداد أو القاهرة أو الرياض أو واشنطن أو موسكو أو باريس أو لندن....
كمال حنبلاط ثار على الطبقية والإقطاع وكل أنواع التمييز العنصري والإستغلال، وتمسك بالإشتراكية الإنسانية ضد الطبقية، وبجوهر الأديان وبالحقيقة الواحدة الكامنة فيها ونبذ الطائفية بكل أشكالها.
أخيراً، نحمد الله أن هذا النظام الأسدي الإستبدادي اللعين الذي حكم على مدى أكثر من خمسة عقود وتاجر بالإشتراكية والعروبة وفلسطين قد سقط في حياة وليد جنبلاط الذي عانى منه الكثير.
كمال جنبلاط عاش كبيراً في حياتهِ وماتَ كبيراً في إستشهادهِ.
كمال جنبلاط إنتصر لأنّهُ مات مظلوماً وكان على حق.
ما أحوج لبنان والعرب والعالم إليه، وإلى فكرهِ النيّر ورسالتهِ الخالدة.!
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.