ترامب ـ زيلينسكي: لقاء ديبلوماسي غير مسبوق من خارج الصندوق
01 آذار 2025
09:45
Article Content
ربما، لا بل بالتأكيد، قد تكون المرة الأولى التي يشهد فيها ملايين الأشخاص توبيخ رئيس دولة لنظيره أمام عدسات الكاميرات، كما لو أن رب عمل يوبّخ موظفاً صغيراً يعمل لديه، ما جعل المتابعون يشعرون بالخجل مع كل مرة أُعيد فيها شريط اللقاء على شاشات التلفزة.
ما حدث بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام كاميرات التلفزة، هو حدث ديبلوماسي غير مسبوق. فعادة ما كانت اللقاءات بين الرؤساء الألد عداوة، مصافحة وابتسامة أمام عداسات الكاميرات، ليتحول الأمر بعد ذلك إلى مشادات عنيفة داخل الغرف المغلقة.
ما حصل، يدفع إلى الاعتقاد بأن اي رئيس دولة يتلقى دعوة لزياة البيت الابيض، عليه أن يتريث قبل تلبية الدعوة، ومراجعة ملفاته، لئلا يقع المحظور.
مزحة صغيرة، لكنها كانت ثقيلة عند باب البيت الابيض، مهدت للمشادة العنيفة، وذلك عندما سخر ترامب من ثياب زيلينسكي.
فخلال استقبال ضيفه، مساء أمس الجمعة، بادر ترامب ضيفه فور خروجه من السيارة، قائلاً بلهجة ساخرة: "انظروا إليه بكامل أناقته.. ثياب جميلة"، في إشارة إلى ارتداء زيلينسكي ثياباً غير رسمية، علماً أنه ومنذ اندلاع الحرب في بلاده، دأب الرئيس الأوكراني على الظهور بثياب ذات طابع عسكري.
لكن الأمر لم يتوقّف هنا، فعندما جلس الرجلان لتلقي أسئلة الصحافيين، بادر أحد المراسلين زيلينسكي بلهجة استفزازية سائلاً: "لماذا لا ترتدي بزة رسمية، أليس لديك واحدة، الأميركيون ينزعجون عندما يأتي ضيف لأرفع مكان في البلاد بثياب غير رسمية".
فما كان من زيلينسكي إلا أن أجاب أنه سيرتدي بزة عندما تنتهي الحرب في بلاده، فحالياً لديهم ما يكفي من المشاكل. إلا أن الصحافي قاطعه مؤكداً أن الأميركيين لديهم مشاكل أيضاً، لكنهم يرتدون البزات حين يأتون إلى أرفع الأماكن الرسمية.
وكان مصدران مطلعان أكدا أن أحد العوامل الصغيرة التي أثارت غضب ترامب هو حقيقة أن زيلينسكي لم يرتدِ بزة، حسبما نقل موقع "أكسيوس". وأضافا أن مستشاري ترامب أخبروا فريق زيلينسكي في مناسبات عدة، أنه يُفضل أن يتخلى عن لباسه العسكري عند زيارة البيت الأبيض.
هذا في الشكل، أما في المضمون، فإن الأمر أبعد من ذلك، فالعلاقات بين واشنطن وكييف اتخذت منحىً متوتراً خلال الفترة الماضية، لاسيما بعد الاتصال الهاتفي بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، فضلاً عن القمة التي عُقدت بين وفدي البلدين في السعودية في 18 شباط الماضي، حيث أبدى زيلينسكي علناً، انزعاجه من هذا الاتصال واللقاء على السواء، معتبراً أنه لا يجوز مناقشة أي أمر يتعلق ببلاده من دون حضور ممثلين عنها.
التوتر خلال اللقاء مساء الجمعة، بدأ يتسرب إلى الأجواء قبل أن ينفجر الاحتقان بين الرجلين، وذلك عندما صب نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس الزيت على النار، طالباً بطريقة صلفة من زيلينسكي شكر ترامب على كل المساعدة التي قدمها لبلاده ولا يزال.
وبدأت المشادات بكلمة جي دي فانس عن الدبلوماسية، فرد عليه الرئيس الأوكراني: "أي نوع من الدبلوماسية تتحدث عنه؟"، ما أغضب نائب ترامب الذي رد: "هل تعتقد أنه من الاحترام أن تأتي إلى البيت الأبيض وتهاجم الإدارة التي تحاول منع تدمير بلدك؟ أعتقد أنه من غير اللائق أن تأتي إلى المكتب البيضاوي لمحاولة التقاضي في هذا الأمر أمام وسائل الإعلام الأميركية".
ودعا ترامب زيلينسكي، بعد المشادة الحادة، إلى تقديم "تنازلات"، في حين قال الأخير إنه لا يريد أن يفعل ذلك مع "القاتل"، في إشارة إلى الرئيس الروسي.
وكان ترامب قال للصحافيين أثناء ترحيبه بزيلينسكي في المكتب البيضاوي: "لا اتفاق بدون تنازلات، لكنني آمل ألا تكون كبيرة كما يعتقد البعض". ورد زيلينسكي إن أوكرانيا لن تقدم على "مساومات مع قاتل (في إشارة إلى الرئيس الروسي) على أراضينا (...) من بدأ الحرب، عليه أن يتحمّل الثمن".
واستمرت الأجواء المشحونة واشتعل النقاش عندما قال زيلينسكي: "هناك كثير من الضغوط علينا، وقد تصل إليكم، قد تشعرون بها في المستقبل"، فقاطعه ترامب رافعاً إصبعه في وجه زيلينسكي: "لا تخبرنا بما سنشعر به... أنت لست في وضع يسمح لك بإملاء ذلك"، وكرر ترامب: "أنت لست في وضع يسمح لك بإملاء ما سنشعر به... أنت الآن لست في وضع جيد، نحن نحاول حل مشكلة"، وأضاف محذراً: "إما أن تتوصل إلى اتفاق، وإما أننا سنترك، وإذا تركنا، فستقاتل وحدك حتى النهاية". وتابع: "أنتم تقللون من احترام بلدنا. أعلم أنكم لن تكسبوا" الحرب ضد روسيا.
لم يمر اللقاء الذي كان منتظراً بين الرجلين كما كان متوقعاً، بعد الأجواء المشحونة التي طبعته إثر المشادة والانتقادات لزيلينسكي أمام الصحافيين من كل من ترامب ونائبه، الأمر الذي اعتبره مسؤول أوكراني "استفزازاً متعمداً".
وبحسب موقع "أكسيوس" الإخباري الأميركي، فإن ترامب وكبار مساعديه تشاوروا فيما بينهم بعد المشادة الكلامية مع زيلينسكي، قبل أن يتخذ الرئيس الأميركي القرار بأنه يتعين على الرئيس الأوكراني "الذهاب في حال سبيله".
وأوضح الموقع نفسه، أنه حتى تلك اللحظة، كان مازال مقرراً أن يتناول زيلينسكي وترامب وجبة غداء وعقد لقاء صحافي مشترك. لكن كل ذلك تبخر بعدما خرج وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو، ومستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز، من "المكتب البيضاوي ليتوجها نحو القاعة التي كان يجلس فيها زيلينسكي ليخبراه بضرورة المغادرة".
وعلى وقع التطورات السلبية، انتهت زيارة زيلينسكي إلى البيت الأبيض من دون التوقيع على صفقة المعادن النادرة، ومن دون حصوله على أي ضمانات بمواصلة تلقي بلاده للدعم الأميركي.
وعقب ذلك، كتب ترامب في منشور على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال"، إن زيلينسكي "ليس مستعداً للسلام"، معتبراً أن الرئيس الأوكراني "قلل من احترام" الولايات المتحدة في المكتب البيضاوي. وأضاف أن زيلنيسكي "يمكنه العودة عندما يكون مستعداً للسلام".
المشادة الكلامية بين ترامب وزيلينسكي، أخافت الحلفاء الأوروبيين الذين يخشون أن يشجع ذلك بوتين كمكافأة. ونقل موقع "بلومبرغ" عن مسؤولين أوروبيين، قولهم أن "كارثة البيت الابيض كانت كميناً، وإن أوروبا ستحاول لملمة شتاتها بشكل جماعي".
الرئيس الفرنسي السابق فراسوا هولاند قال في مقابلة أجرتها معه صحيفة "لوموند": "ترامب لم يعد حليفًا لنا". وأضاف أن زيارة الرئيس ايمانويل ماكرون إلى واشنطن قبل أيام، "لم تحقق نتائج مرضية، وأن ترامب أحدث قطيعة عميقة مع الأوروبيين".
واوضح أنه "يمكن قياس هذا الطلاق من خلال ثلاثة أحداث رئيسية: التخلي عن أوكرانيا، ورغبة ترامب بإجراء حوار مباشر مع بوتين، الذي يُعتبر تهديدًا وجوديًا"، وأخيرًا، انضمام الولايات المتحدة إلى روسيا وكوريا الشمالية في الأمم المتحدة للتصويت ضد قرار قدمه الأوروبيون دعمًا لأوكرانيا، معتبراً أن ترامب لم يعد حليفًا، وهدفه الحقيقي هو أوروبا وليس الصين كما يقول، لذلك".
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.