الإعلام والحريّة مسؤولية
28 شباط 2025
13:45
Article Content
"اذا أردت أن تقتـل إنساناً، فلا تطلـق عليه رصاصة، بـل أطلق عليه إشاعة". تجسِّد هذه المقولة القديمة حال لبنان اليوم، باستخدام وسائل الإعلام المتعدّدة، لا سيما وسائل التواصل الاجتماعي لإطلاق الإشاعات الهدّامة، سواء عن حسن نية أو عن سوء نية. فالإشاعة من أكثر أسلحة الحرب النفسية فتكاً وبشاعة. الإشاعة خبر مدسوس وينتقــل عبر وسائل الإعلام دون أن يرافقـه أي دليـل أو برهان، ويهدف الى تحطيم المعنويات بشكل عام لشخص او لجماعة ما. الاعلام سيف ذو حدين أو وجهين، الاعلام الملتزم والاعلام الهدام، ولكلٍ منهما خبراؤه وأخصائيوه، وجاءت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم لتضفي على الموضوع اشكاليات جمة، وتزيد الأمور تأزماً وتعقيدا، بعد ان أصبح كل إنسان صحافياً من بيته، وبعد ان اصبح العديد من ذوي العقد النفسية والفكرية يعيثون في العالم فساداً ورياءً وتضليلا، فكثير يختبئ خلف هاتفه المحمول، منصّباً نفسه باحثاً أو مفكراً، والعياذ بالله من امثالهم، مُعتقداً بانه يستطيع فعل اي شيء دون حسيب او رقيب، ما يطرح إشكالية الحاجة الى وضع ضوابط للاعلام على جميع أنواعه، عبر إصدار التشريعات والمواثيق اللازمة والحديثة، مع احترامنا لحرية إبداء الرأي وحريّة التعبير والحريات الفردية على تنوعها، هذه الحريات التي يجب ان تكون ملتزمة ومسؤولة، وغير مضرّة بالآخرين، وفي الأساس تحت سقف القانون. كذلك يجب ان تخضع للقيم الإنسانية وللضمير الحي النظيف، الذي لا تلوثه الشوائب والغرضيات والأنانيات. ونؤكد هنا بانه غير مسموح شتم الآخرين كلما خطر لأحد التافهين خاطر، غير مسموح تناول كرامات الناس يمنة وشمالا، واتهامها بالسرقة والفساد دون حجج وبراهين مثبتة بالوثائق، غير مسموح هذا الفلتان الفاضح والتفلت من كل الضوابط والأعراف، انها حالة الفوضى المدمرة للمجتمعات.
يعاني الإعلام في لبنان العديد من المشاكل ومن الثغرات والسلبيات، وتتمثّل أولى السلبيات في إرتهانه للسياسسة والمال، فلكل وسيلة إعلامية مرجعيتها الحزبية والطائفية، وبذلك فهي مُلزمة بتنفيذ سياسة هذا الحزب او تلك الطائفة. ما يجعل عمل الوسائل صورة عن المجتمع اللبناني، تخاصٍم متى تخاصموا وتهادٍن متى تصالحوا، انها مولدات للتحريض الطائفي والمذهبي ووسائط تجييش للجماهير. وقد اصبح جمهور الوسيلة الإعلامية عبدَ ما تبثّه من أخبارٍ وافكار، دون ان يكلف نفسه عناء التحليل أو التأكّد من صحة المعلومة او عدمها. وما يزيد من مساوئ الموضوع هو تصديق الناس كل ما يُبثّ على وسيلتهم المفضّلة والمحبّبة، والتي لا يتابعون سواها، وبالتحديد وسائل الاعلام المرئية.
اما السلبية الأخرى فهي الإعلامي أو الصحافي، الذي تغريه الشهرة فيسخِّر كل طاقاته ومعرفته لتحقيق اهداف الوسيلة، التي يعمل فيها، وليس لتطوير المادة الإعلامية وإعطاء الخبر الصادق، حيث يصبح مرتهناً لما يُملى عليه قوله او تقديمه، بعيداً عن المهنيّة والموضوعية والتجرّد. وتجدرر الملاحظة هنا بان الصحافي ليس بالضرورة ان يكون محايداً لكن يجب عليه ان يكون موضوعياً في تناول الخبر. وبناءً عليه فعلى كل صحافي وقبل نشر أي خبر إخضاعه لاختبار سقراط، الذي نادى به منذ آلاف السنين، وهو اختبار "مصفاة المثلّث" المؤلف من ثلاث مصافي هي: مصفاة الحقيقة ومصفاة الخير ومصفاة الفائدة، وما ابعدنا وللأسف في لبنان عن هذا المفهوم الإنساني الرفيع.
وانتقالاً للقوانين الناظمة للاعلام فهي إما قديمة أو مشوّهة، وإما يتم تفسيرها وتطبيقها بطرق مختلفة وبما يتناسب مع سياسة كل وسيلة إعلامية. وهذا أيضاً من العوامل السلبية المؤثرة بتطوير الإعلام. وقد جرى العديد من المحاولات لتحديث القوانين، ولحد الآن لم تصل الى النتيجة المطلوبة. بالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي فقد نظم قانون الإعلام المرئي والمسموع وسائل الإعلام الإذاعية، وليس وسائل الإعلام على الإنترنت. أما بخصوص الرقابة الإعلامية فلا يستقيم عمل الدولة دون وجود مؤسسات رقابية نزيهة وفاعلة، وما يميز مؤسساتنا الرقابية هو ضعفها وعدم فعاليتها، وعدم قدرتها على حل المشاكل وتقويم الإعوجاج، ويعود ذلك لجملة من الأسباب، في مقدمتها التدخلات السياسية وكثرة الثغرات الموجودة في قانون الإعلام والتي بحاجة الى إصلاح أو تعديل.
مع بداية عهدٍ جديد من الأوجب البدء بورشة الإصلاح، ونعني هنا وزارة الإعلام، وينقسم الإصلاح الى قسمين، الأول تطبيق القوانين الموجودة والصالحة، وإصدار المراسيم التطبيقية لتلك التي ليس لها مراسيم، والقسم الثاني وضع قوانين جديدة وتعديل القديم عند الحاجة، بما يتناسب مع تطور الإعلام ووسائله. والأهم من ذلك تفعيل دور القضاء، والمحاسبة لكل أولئك الذين يشوهون الإعلام ودوره، والذين يدّعون المعرفة والثقافة، والحرص على المحتوى الإعلامي النظيف زوراّ وبهتاناً، وهم اقرب ما يكونون الى الآلة المعبأة حقداً وجهلاً وشرا. كما يجب ان تنصّب الجهود على تفعيل دور المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع والإلكتروني، ورفده بالطاقات الشابة والكفوءة. والتزام وسائل الإعلام الجدي بميثاق الشرف الإعلامي لمعالجة الأخبار بموضوعية وبعيداً عن الحسابات السياسية والطائفية. وفي الختام علينا جميعاً الإرتقاء فوق كل الأنانيات والمصالح الشخصية وتحمّل المسؤولية الأخلاقية والأدبية، في كتاباتنا وفي مشاركتنا على وسائل الإعلام بكافة أنواعها وبكل شفافية وصدق.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.