بعد الحديث عن الفصلين السادس والسابع: ما مضمون كلٍّ منهما؟
27 شباط 2025
14:08
Article Content
مثلما تحتوي الكتب على فصول متسلسلة تروي قصة واحدة، فإن ميثاق الأمم المتحدة يتضمن فصولًا تعكس رؤية المنظمة الدولية للحفاظ على السلام والأمن العالمي. ومن أبرز هذه الفصول، الفصلين السادس والسابع، اللذين يشكلان العمود الفقري لاتخاذ مجلس الأمن قراراته، ضمن هدف مشترك هو الحفاظ على السلام والاستقرار الدولي، لكن الطرق التي يعتمدانها لتحقيق هذا الهدف تختلف بشكل جذري في الفصلين، وبعد طرح هذا الموضوع في الآونة الأخيرة في لبنان، ما هو الفرق بين الفصلين السادس والسابع؟
الفصل السادس: حل المنازعات حلاً سلميًا
الفصل السادس من الميثاق، المعروف بـ"التسوية السلمية للمنازعات"، يركز على الحلول الدبلوماسية والسلمية للنزاعات، يعتمد هذا الفصل على وسائل مثل الوساطة، التحكيم، المفاوضات، والاتفاقات الإقليمية. الهدف هنا هو منع التصعيد والعنف، والوصول إلى حلول تفاوضية تحفظ حقوق جميع الأطراف. هذا الفصل يعكس الروح الأصلية للأمم المتحدة، التي تسعى إلى منع النزاعات قبل تفاقمها، وتشجيع الحوار كأداة رئيسية لحل الخلافات.
من الأمثلة البارزة على تطبيق الفصل السادس، جهود الأمم المتحدة في الوساطة بين دولتي الهند وباكستان حول نزاع كشمير مثلا، أو محاولاتها لتسوية النزاعات في مناطق مثل قبرص وجنوب السودان. هذه الجهود تعتمد على التفاوض والضغط الدبلوماسي، من دون اللجوء إلى القوة.
وأيضاً، اعتماد الفصل السادس حصل عام 2024 حين تبنى المجلس قراراً يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة بعد مرور أكثر من 5 أشهر على الحرب الإسرائيلية، واعتُمد القرار بموافقة 14 من أعضاء المجلس الـ15، بامتناع من الولايات المتحدة عن التصويت، بحيث طالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان، ودعا إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
الفصل السادس ونصف: قوات حفظ السلام
رغم النص على استخدام القوة في الفصل السابع، فإن الأمم المتحدة لا تمتلك قوة عسكرية خاصة بها. هذا التناقض أدى إلى إنشاء قوات حفظ السلام، التي تعمل تحت مظلة ما يُعرف بـ"الفصل السادس ونصف". هذه القوات، مثل اليونيفيل في لبنان أو المونوسكو في الكونغو، تجمع بين الوسائل السلمية وإمكانية اللجوء إلى القوة إذا تطلب الأمر. مهمتها الرئيسية هي مراقبة وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، ودعم عمليات بناء السلام.
الفصل السابع: الإجراءات القسرية لمواجهة التهديدات
عندما تفشل الحلول السلمية، يأتي الفصل السابع كخيار أخير. هذا الفصل يمنح مجلس الأمن سلطة اتخاذ إجراءات قسرية، بما في ذلك فرض عقوبات دبلوماسية أو اقتصادية، وحتى استخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر، إذ أن الفصل السابع يعطي مجلس الأمن صلاحيات واسعة لمواجهة التهديدات التي تعرض السلام العالمي للخطر، مثل حالات العدوان أو الإخلال بالاستقرار الدولي.
من أبرز حالات تطبيق الفصل السابع، فرض عقوبات على العراق بعد غزوه للكويت عام 1990، والتدخل العسكري في ليبيا عام 2011 بموجب القرار 1973. ومع ذلك، فإن استخدام القوة العسكرية بموجب الفصل السابع يبقى إجراءً استثنائيًا، وغالبًا ما يتم تفعيله فقط عندما تكون التهديدات للسلام خطيرة ولا يمكن احتواؤها بالوسائل السلمية، بحسب ميثاق الأمم المتحدة.
لبنان والفصل السابع: بين الشائعات والواقع
في الآونة الأخيرة، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي دعوات من ناشطين وسياسيين لوضع لبنان تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وزعمت بعض الشائعات أن الولايات المتحدة أمهلت الحكومة اللبنانية شهراً واحداً لنشر الجيش اللبناني ونزع سلاح حزب الله والسلاح الفلسطيني، وإلا سيتم إدراج لبنان تحت الفصل السابع، وإرسال قوات دولية لتنفيذ القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة في حال امتنعت الحكومة اللبنانية عن تطبيق القوانين الدولية.
بالرغم من أن هذا الأمر تم نفيه بشكل قاطع من قبل وزير الخارجية والمغتربين اللبناني يوسف رجي، الذي أكد أنه لم يسمع من أي طرف عن هذا الموضوع، بالرغم من اجتماعه مع مسؤولين في الإدارة الأميركية. إلا أن ناشطون تداولوا هذا الخبر وكأنه مؤكّدا، ولكن من الناحية القانونية، فإن إدراج أي بلد تحت الفصل السابع يتطلب وجود تهديد حقيقي للسلم والأمن الدوليين، مما يسمح باتخاذ إجراءات قسرية، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية. كما أن أي قرار في هذا الصدد يجب أن يحظى بموافقة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، دون استخدام أي منها لحق "الفيتو". إذ بعض الرافضين لهذا الإجراء يعتبرون أنه قد يؤدي إلى عواقب اقتصادية قاسية، مثل تجميد أصول الدولة أو منع التعامل المالي معها، مما قد يفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية في البلد.
ومن ناحية أخرى، يرى مؤيدو هذا الإجراء أنه قد يحقق استقراراً في لبنان من خلال فرض القوة الدولية، وإنهاء الصراعات الداخلية والتهديدات الخارجية. كما أنه قد يحمي المدنيين من الانتهاكات ويجبر الأطراف المتنازعة على اللجوء إلى الحلول السياسية.
الخلاصة من ذلك، هو أن العبرة الحقيقية لتحقيق السلام لا تكمن فقط في القوة أو النصوص القانونية، بل في الإرادة السياسية واحترام القانون الدولي من قبل الأطراف كافة. وفي حالة لبنان، أيضاً، يجب أن تراعي بلا شك القرارات كافة السيادة الوطنية ومصالح الشعب اللبناني، بدلاً من تعميق الانقسامات أو خدمة أجندات خارجية.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.