Advertise here

عن الشيخ صالح عبد الخالق... رجل العلم والدين والفن والسياسة الراقية

29 آب 2019 20:41:00 - آخر تحديث: 20 تموز 2020 18:32:44

شيّع الجبل الاربعاء وجها من وجوه طائفة الموحدين الدروز الكبار، هو الشيخ صالح عبد الخالق، عن عمر تجاوز التسعين عاما. رجل علم ودين وفن واصلاح وسياسة راقية، تجسّدت خدمة عامة، وعلاقات مع الزّعماء والكبار، تميزت بالترفع والثقة والحضور المحبب، والحديث العذب الرّصين. فكان له موقعه الذي اختاره بنفسه ووهب كل عمره من ستينات القرن الماضي وحتى ساعاته الاخيرة قبيل وفاته.
 هو الشيخ ابن الشيخ، والده الرحوم الشيخ ابو صالح يوسف عبد الخالق، شيخ عصره في النصف الاول من القرن الماضي، عالما، باحثا، منقبا، صاحب ذاكرة وحضور، ندر مثله في عصره. من مآثره ان لبعثة من الاونيسكو زارت لبنان وكان لها لقاء في المختارة مع مجموعة من رجال العلم والدين، وبحث في الفكر اليوناني القديم، واذا بالشيخ ابو صالح المدعو من قبل المغفور لها الست نظيرة جنبلاط، يكشف لرئيس البعثة حقائق يجهلها وغير مطلع عليها، فيعجب من سعة وعمق اطلاع الشيخ، فأبدى رغبة بالعودة الى مصادره للتحقق كرئيس للبعثة.
وبعد عودته وتدقيقه تبيّن انّ مصادر الشيخ هي الصّحيحة، فيراسله بفخر واعتزاز واحترام عميق لعلمه الغزير المغلف بالتواضع والبساطة. وهذا سمت الموحدين العارفين، الشيوخ الكبار.
هذا الارث التوحيدي ورثه الشيخ صالح عن والده رحمهما الله، الى جانب ارث الفن والخط، يرسم بالكلمات لوحات من تيار الآيات ما فيها من نفسه، رقة وشفافية وصفاء. تنساب الحروف والحركات والألوان، فيرى كل ناظر اليها ما يراه المرء في المرآة ، الجمال الذي يكاد يلمسه ويغرف من فيض سحره إنه الفن الأصيل. لقد ترك كل من الشيخ صالح ووالده ارثا من الفن والجمال والابداع الى جانب العمر المديد الزاخر بالمحبة والتضحية، الايدي المنبسطة للخير والعون، والدار المرحبة بكل زائر، ضيفا كان او صاحب حاجة، وابواب الخدمة كانت من مراجعها مكان ترحب وإصغاء وتلبية له. وهنا تتكامل النية الطيبة والارادة الرّاقية العفوية مع سمو القصد.
أما أبرز محطات الشيخ فكانت مع المعلم الشهيد كمال جنبلاط. لقد كان بين المعلم والشيخ علاقة وثيقة واحترام متبادل، ومسيرة رافقه فيها بكل ما فيها حتّى استشهاده. علاقة تجاوزت الولاء السّياسي الى ما كان بينهما من غوص في أعماق الفلسفة والترات التوحيدي الانساني. فكان ينسخ بخطه الجميل التراث النادر من الحكمة القديمة، التي كانت في نظرهما تشوهّها الطباعة، ليكون الحسّ الانساني بين حروفها ومعانيها، فكان خط الشيخ صالح، ونَفَسَه الروحي، الى جانب صفاء الباحث فيها ودوره الفكري المتألق وهو المعلم.
وتستمر الرسالة مع الوليد، منذ استشهاد المعلم وحتى الأمس، رفيقا، صديقا، وحكيما، يلجأ اليه في الملمّات، حيث الصّدق، والشّرف، والأمانة، والرّأي الحر المترفع. ليكون يوم رحيله جسدا، يوم حزن وأسى انما بالرضى والصبر، انها ارادة الله، ولا بدّ في النهاية من محطة يطفأ فيها سراج الجسد، ويُضاء في الذات الشريفة نور الحق.
هذه بعض من مآثر المرحوم الشيخ صالح عبد الخالق، الذي مضى الى خالقه بالأمس، أما ذكره فلن يُنسى، لأن محبّيه وعارفيه وأصدقاؤه وإخوانه الشيوخ، قد واكبوه يصنع حاضره وغده الذي يبقى على الزمن، فكأنه القائل: 
"فاصنع لنفسك قبل موتك ذكرها            فالذكر للانسان عمر ثانٍ"