ثلاث لاءاتٍ عربيّة بوجه ترامب: هل سيعزف عن خطته؟
20 شباط 2025
14:25
Article Content
في تصريحات أثارت جدلاً واسعاً، طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب فكرة شراء غزة أو نقل سكانها إلى دول عربية مجاورة، أي الأردن ومصر ما خلق انتفاضة عربية واسعة تساندها بعزم كبير المملكة العربية السعودية بقرار موحّد يتضمّن ٣ لاءات بوجه الولايات المتحدة الأميركية والعدو الإسرائيلي وهي "لا للتهجير، لا للتوطين، لا للوطن البديل" تأكيدا على أن الدول العربيّة كافة ترفض تصفية القضية الفلسطينية.
إن هذا الطرح الذي وصفه المحلل السياسي الدكتور خالد العزي بأنه "مشكلة بحد ذاتها"، في حديث لجريدة "الأنباء" الالكترونية، يعكس سياسة ترامب الذي "لا يتصرف كرئيس دولة بقدر ما يتصرف كرئيس لشركة عالمية يتعامل من خلالها مع الأرض والبشر كسلع قابلة للشراء والبيع" بحسب العزي، بل هو نهج يعكس فلسفة ترامب التي تتسم بنوع جديد من الليبرالية حول العالم وهي 'الليبرالية المتوحشة، والتي تتعامل مع القضايا السياسية بعقلية الصفقات التجارية، بدون مراعاة للتعقيدات التاريخية والسياسية والإنسانية".
يشير العزي إلى أن ترامب، في فترة رئاسته الحالية، يفتقر إلى التشاور مع فريق عمله، على عكس الفرق السابقة التي كانت تتناقش معه حتى لو أدى ذلك إلى خروج بعض الأعضاء من الإدارة. أما الفريق الحالي، فيبدو أنه يوافق على قرارات ترامب خوفاً من فقدان مواقعهم في الإدارة، مما يؤدي حتماً إلى ارتكاب أخطاء كبيرة بدون وجود رقابة أو تصحيح حقيقي. يقول العزّي أن "هذه النزعة الفردية في صنع القرار جعلت ترامب يقدم مبادرات مثيرة للجدل بدون دراسة كافية، مثل فكرة شراء غزة أو ترحيل سكانها، والتي لم تلقَ أي تأييد من الدولة العميقة في الولايات المتحدة، إلى تصرفاته بشأن كندا أو غرين لاند وغيرها من القضايا والملفات في العالم".
الدولة العميقة، كما يوضح العزي، هي التي تحكم أميركا فعلياً، وليس الرئيس أو الأحزاب السياسية. فترامب، رغم هامش الحرية الذي يتمتع به، لم يستطع تجاوز حدود هذه الدولة العميقة، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا حساسة مثل القضية الفلسطينية. فطرح ترامب لشراء غزة أو ترحيل سكانها لم يكن فقط غير واقعي، بل إنه يتناقض مع المبادئ الإنسانية والسياسية التي تحكم العلاقات الدولية. فالفلسطينيون، عبر التاريخ، متمسكون بأرضهم منذ قرون، ولا يمكن التعامل معهم كسلع قابلة للترحيل أو الإعادة التوطين.
ويضيف العزي أن ترامب، في سعيه لإرضاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حاول فرض رؤيته على الدول العربية، متجاهلاً حساسية القضية الفلسطينية بالنسبة لهذه الدول. فالدول العربية، حتى تلك التي لديها علاقات مع إسرائيل، لن توافق على خطط ترامب المجنونة، لأن ذلك سيعرضها لصراعات داخلية وخارجية. فالقضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية، بل هي قضية وجودية بالنسبة للعرب والمسلمين، وأي محاولة للعبث بها ستواجه برفض قاطع من المجتمع الدولي إلى جانب رفض حازم من الدول العربية، بما فيها مصر والأردن، وحتى المجتمع الأميركي والمؤسسات السياسية في الولايات المتحدة التي لن توافق على مثل هذه التصرفات.
إضافة إلى ذلك، ففي حين يحاول ترامب تحقيق صفقات سريعة، لم ينتبه إلى أن العالم بأسره لن يكون شريكاً له في هذه الخطوة، يقول العزّي ويردف "فإذا حاولت الولايات المتحدة فرض هذه الخطة بالقوة، فإنها ستخسر مصداقيتها وعلاقاتها مع الدول العربية والإسلامية، وحتى مع حلفائها الأوروبيين"، إذ إن العالم لن يقبل بغطرسة ترامب ومحاولاته فرض إرادته على الشعوب الأخرى، وهو يعلم جيدا أن لا مصلحة لديه بكسر العلاقات الودّيّة أقلها مع الدول العربية وخاصة المملكة العربية السعودية التي تمتلك دورا محوريا اليوم حول العالم بأسره، وأكبر دليل هو استضافة المملكة لجلسة المحادثات بين الرئيسين الأميركي والروسي ولن يستطيع ترامب تجاوز الدور الكبير للمملكة، "لذلك فإن هذه التصريحات لاشك في أنه سيتم احتوائها ليبني من خلالها سياسة جديدة تنهض بالولايات المتحدة الأميركية كما وعد ناخبيه".
إذ يتبيّن خاصة بعد هذه التطورات الكبيرة، أن القضية الفلسطينية تبقى قضية مركزية في الشرق الأوسط، ولن يتم حلها إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل، وفقاً للاتفاقات الدولية السابقة، وذلك بتوافق تام بين الدول العربية كافة التي لن تقبل بأي شكل من الأشكال تصفية القضية الفلسطينية، يرى العزي. وهذا ما تؤكده الدول العربية، بما فيها السعودية، التي أعلنت أن أي تطبيع مع إسرائيل لن يتم إلا بتحقيق حل الدولتين، بالرغم من التهديدات الكبرى التي تتعرض لها الدول العربيّة.
ختاما، يبدو أن ترامب ذهب بعيدا في هذا الطرح الذي لن يوافق عليه أحد، ويحاول الدفع للأمام في هذا الأمر لجس نبض العلاقات العربية الأميركية من جهة الاسرائيلية من جهة أخرى لقراءة كيف يمكن أن تكون في المستقبل خاصة وأن الاتفاق الابراهيمي، الذي يعني الكثير لترامب، لا يزال حتى اللحظة غير واضح المعالم، إلى جانب اهتمامه الكبير بموارد غزة فإن "حبكة" الخطة المصرية المنتظرة يمكنها إرضاء ترامب بالعزوف عن طرح التهجير، فهل سينجح التعاون العربي باقناع من يعتبر نفسه "مالك الأرض"، أم أن الأمور تتجه للتطوّر أكثر؟ الأيام المقبلة تجيب.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.