وليد جنبلاط: رجل الدولة وحارس التوازن الوطني
19 شباط 2025
15:52
آخر تحديث:19 شباط 202515:56
Article Content
مرة جديدة، يحاول البعض تشويه الحقائق وتحريف التاريخ لخدمة أجندات معينة، وهذه المرة عبر مقال للباحث علي ناصر الدين، الذي لجأ إلى الانتقائية في سرد الأحداث بهدف شيطنة الزعيم الوطني وليد جنبلاط. لكن الحقيقة التي لا يمكن حجبها هي أن وليد جنبلاط، منذ توليه قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي، لعب دورًا محوريًا في حماية الاستقرار الوطني، متنقلًا بين المحاور بحكمة رجل الدولة الذي يدرك خطورة الاصطفافات العمياء، لا بسياسة انتهازية كما يحاول المقال تصويره.
فبينما يروّج الكاتب لفكرة أن جنبلاط يبدل مواقفه وفق المصالح الخارجية، يغفل عن حقيقة أن قراراته كانت دائمًا تستند إلى قراءة دقيقة لمصلحة لبنان واللبنانيين، بعيدًا عن الولاءات المطلقة التي أفقدت البعض القدرة على التمييز بين الوطن والمشروع الإقليمي.
أولًا: وليد جنبلاط بين الثوابت والتكيف السياسي
السياسة ليست علمًا جامدًا، بل هي فن التكيف مع المتغيرات دون التخلي عن المبادئ الأساسية. منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لعب وليد جنبلاط دورًا أساسيًا في حماية التوازن الوطني، متبنيًا نهجًا يستند إلى الواقعية السياسية، وليس إلى الشعارات الفارغة أو الالتحاق الأعمى بالمحاور.
نعم، دعم وليد جنبلاط في مرحلة معينة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، لكنه في الوقت ذاته كان يدعو إلى حصر السلاح بيد الدولة، من منطلق أن الاستقرار لا يتحقق إلا عبر المؤسسات الشرعية، وليس عبر الميليشيات المسلحة أو منطق الدويلات داخل الدولة. وهذا الموقف لم يكن وليد اللحظة، بل هو امتداد لموقف كمال جنبلاط نفسه، الذي نادى بضرورة قيام دولة قوية وعادلة.
أما فيما يتعلق بأحداث 7 أيار 2008، فإن تحميل جنبلاط مسؤوليتها هو تحريف واضح للحقائق. فالقرار المتعلق بشبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله لم يكن قرارًا فرديًا لجنبلاط أو لحلفائه، بل كان قرارًا حكوميًا اتخذته حكومة السنيورة مجتمعة، وكان الهدف منه وضع حد لحالة التفلت الأمني وليس استهداف طائفة بعينها كما يحاول البعض الإيحاء.
ثانيًا: دور جنبلاط في المرحلة الحالية
يحاول الكاتب تصوير موقف جنبلاط من الحرب الأخيرة وكأنه عودة انتهازية إلى الساحة السياسية، متجاهلًا أن مواقفه نابعة من قناعة ثابتة بضرورة تجنيب لبنان الانجرار إلى حروب عبثية تخدم أجندات خارجية. فمنذ اندلاع الصراع، كان وليد جنبلاط من الأصوات القليلة التي دعت إلى ضبط النفس، رافضًا أي مغامرة غير محسوبة النتائج قد تجر لبنان إلى كارثة شاملة.
أما في ما يتعلق بدعمه لترشيح العماد جوزاف عون لرئاسة الجمهورية وتسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة، فهذا جزء من مسعاه لإعادة الحياة إلى المؤسسات الدستورية، وليس مؤامرة كما يحاول الكاتب الإيحاء. فهل باتت إعادة بناء الدولة خيانة؟ أم أن المطلوب هو الإبقاء على حالة الشلل والانقسام؟
ثالثًا: قرار وزير الأشغال.. بين الحقائق والأوهام
يتحدث الكاتب عن قرار وزير الأشغال فايز رسامني بمنع هبوط الطائرات الإيرانية في مطار بيروت الدولي وكأنه مؤامرة أمريكية-إسرائيلية، متجاهلًا أن القرارات السيادية للدولة اللبنانية يجب أن تكون مستقلة عن الضغوط الخارجية، سواء أكانت إيرانية أم أمريكية. فلبنان ليس ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية، ومن حق أي حكومة لبنانية أن تتخذ القرارات التي تراها مناسبة لحماية المصلحة الوطنية.
ومن الضروري تذكير الكاتب أن وزير الأشغال في الحكومة السابقة علي حمية المحسوب على حزب الله هو من أصدر القرار وليس الوزير رسامني والعودة إلى القانون في هذا الإطار يفيد الكاتب ويبرئ الوزير رسامني.
أما الحديث عن نية وليد جنبلاط إشعال الحرب الأهلية، فهو كلام لا يستحق الرد، لأن جنبلاط كان دائمًا من دعاة الحوار والتسويات الوطنية، وسعى مرارًا لتخفيف الاحتقان الطائفي والمذهبي، لا العكس. وهو يدرك، أكثر من غيره، أن الحرب ليست خيارًا، وأن لبنان لا يحتمل مغامرات جديدة.
من يقرأ التاريخ جيدًا؟
يختم الكاتب مقاله بعبارة “رحم الله العقلاء ممن يقرؤون التاريخ ويأخذون العبر”. ولكن، من الذي يقرأ التاريخ حقًا؟ وليد جنبلاط، الذي يحاول إنقاذ لبنان من السقوط في الفوضى؟ أم الذين يسوقون الخطابات التخوينية ويحاولون فرض مشاريعهم بالقوة؟
إن محاولة تصوير جنبلاط كعدو للبنان أو كمنفذ لأجندات خارجية ليست سوى جزء من الحملة الممنهجة التي تستهدف كل من يرفض منطق الاستقواء بالسلاح أو تحويل لبنان إلى ساحة صراع إقليمية. والتاريخ لن يرحم الذين يدفعون لبنان نحو الهاوية، مهما حاولوا تبرير أفعالهم.
*عميد مهندس متقاعد
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.