ارتباك أوروبي واسع بعد اتصال ترامب وبوتين
15 شباط 2025
04:19
Article Content
الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 12 شباط/فبراير، أحدث زلزالاً مدوياً في القارة الأوروبية، وما تسرَّب من معلومات عن مضمون الاتصال، كان كافياً لخلق ذعر وارتباك عند العديد من رؤساء دول الاتحاد، خصوصاً لدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وجميع هؤلاء كانوا على خشية كبيرة قبل وصول ترامب الى البيت الأبيض، لأنه لا يحتفظ بعاطفة اتجاه شركائه كما يقول بعضهم، ولو أنه يؤكد على التعاون معهم من خلال حلف شمالي الأطلسي (ناتو)، وفي المنتديات الدولية الأخرى.
يشعُر الكثير من قادة أوروبا؛ أن التعاون الروسي-الأميركي الجديد سيكون حكماً على حساب القارة، ودوران ترامب السريع والمُريب حول أهم المشكلات الدولية من دون التنسيق مع حلفائه، يخفي نوايا مُبيَّته، وبدأت ارتداداته تُلحق الأذى بهم، بدءاً برفع الرسوم الجمركية على الواردات الأوروبية، مروراً بطلب ضمّ جزيرة غرينلاند التي تتبع للسيادة الأوروبية، كونها جزءاً من الدانمارك، وصولاً الى الملف الأمني وأعبائه المالية، لاسيما الحرب في أوكرانيا.
كلام ترامب عن بدء فريقه الذي يتألف من وزير الخارجية ماركو روبيو، ومدير وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) جون راتكليف، ومستشار الأمن القومي مايكل والتز، العمل مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا، يوحي بأن ترامب بدا يتعامل مع حرب أوكرانيا كملف روسي-أميركي عالق يجب إنهاؤه، وقد أردف ترامب كلامه بالقول: "سنُبلّغ زيلينسكي بذلك، والإبلاغ لا يعني التشاور، بل يعني إعطاء العلم بما سيتفق عليه مع بوتين، مُضيفاً "يمكن لأوكرانيا أن تدخل في عضوية حلف الناتو بعد 15 عاماً وليس الآن"، وهو دليل إضافي على حصول شبه توافق على عناوين الحل مع بوتين، والمكالمة بينهما التي استمرَّت أكثر من 90 دقيقة؛ لا بد أنها دخلت ببعض التفاصيل حول الموضوع الأوكراني، كما حول مشكلات الشرق الأوسط وملفات الذكاء الاصطناعي والطاقة وقوة الدولار كعملة دولية، وهي النقاط الخمس التي أعلن ترامب أنه بحثها مع بوتين.
خوف قادة أوروبا من التعاون المباشر الجديد بين واشنطن وموسكو يقع في محلِّه الطبيعي، فإضافة الى عملية القفز فوق موجبات التشاور، تبدو الطموحات الترامبية مُقلقة للغاية بالنسبة لهم، وسبق ذلك إشارة صدرت في مؤتمر باريس حول الذكاء الاصطناعي، حيث رفض نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، التوقيع على البيان الختامي، بحجة أنه يُمنع استخدام هذا الذكاء في المجال العسكري الذي يستهدف إيذاء الدول الأخرى أو الأفراد. ومن ثم إعلان ترامب أن بلاده لن تتسامح مع حلفائها في العلاقة غير المتوازنة عبر "الناتو"، وهو ما يؤشر الى تحلُُّل واشنطن من موجبات حماية الحلفاء. وكل هذه العوامل ساهمت في زيادة منسوب القلق الأوروبي.
كثير من القادة الأوروبيين – لا سيما في ألمانيا – يعتبرون أن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية كبرى عن الحرب في أوكرانيا، وهي ساهمت في عوكرة العلاقة التجارية المفيدة التي كانت قائمة بين روسيا ودول الاتحاد، لاسيما في مجال الطاقة، وتداعيات حرب أوكرانيا كانت وبالاً على الاقتصاد الأوروبي، ويمكن الاكتفاء بذكر مدى الأضرار التي لحقت بهذا الاقتصاد من جراء انقطاع إمدادات النفط والغاز الروسيين بعد تفجير خط "نورد ستريم 1 و2"، وعبر الأنابيب التي تعبر الأراضي الأوكرانية. وإقدام واشنطن على عقد صفقة مع روسيا حول الملف الاوكراني من دون التنسيق مع شركائها وحفظ مصالحهم؛ يُعتبر بمثابة الكارثة الدبلوماسية، ولها تداعيات جيوسياسية كبيرة لا يمكن للقارة أن تستوعبها بسهولة.
المؤشرات على خطة مُحاصرة أوروبا بدت واضحة وضوح الشمس، والتعاون الأميركي-الأوروبي في أدنى مستوياته، بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط، حيث احتكرت واشنطن عوامل التأثير على مسار الحرب العدوانية التي تشنها إسرائيل على جيرانها، ولم تتمكن الدبلوماسية الفرنسية المواكبة للحراك من إحداث أي خرق في جدار الأزمة من دون تدخل الأميركيين. في وقت بدأ الرئيس الأميركي ترامب بشنّ حرب تجارية تستهدف الصناعات الأوروبية، ومروحة تهديداته الواسعة بدأت تطال مكانة الاتحاد بين دول العالم، وتقويض الانتظام الدولي من خلال الانسحاب من مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، ومن منظمة الصحة العالمية، ووقف مساهمة الولايات المتحدة بتمويل وكالة "أونروا"، كما في فرض عقوبات على محكمة الجنايات الدولية وقضاتها؛ كل ذلك يُسيء لأوروبا، وللمجتمع الدولي عامة، ويبشّر بمرحلة جديدة من الفوضى الدولية التي لن تكون في مصلحة شركاء ترامب الأوروبيين.
توصيف سياسة ترامب الجديدة كونها بمثابة حرب باردة غير معلنة على أوروبا؛ قد يكون فيه بعض المبالغة، ولكن الأضرار التي قد تُسببها للقارة، لا يمكن حصرها، أو التقليل من تأثيراتها، بينما بعض الأوساط الأوروبية بدأت تتحدث عن بروز شكل من أشكال الاستعمار الجديد، قد يطال دول أوروبية هذه المرة، وحينها لن تبقى مكانة دول القارة على ما كانت عليه
إعلان