لبنان وصندوق النقد: هل لا يزال التفاوض ضروريًّا؟
13 شباط 2025
12:05
Article Content
بعد سنوات من الأزمات الاقتصادية الخانقة، شهد لبنان تطورات سياسية بارزة مع انتخاب الرئيس جوزاف عون وتأليف حكومة برئاسة نواف سلام، ما فتح الباب أمام تساؤلات حول مصير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وقد أعلن الصندوق أخيراً عن مشاورات مكثفة مع لبنان، مؤكداً استعداده لـ"التحرك بشكل سريع" لدعم الاقتصاد، خصوصاً أن المرحلة الراهنة تُعتبر "مناسبة" لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
وتطرح هذه المستجدات تساؤلاً محورياً: هل لا يزال لبنان بحاجة إلى استمرار التفاوض مع صندوق النقد، أم أن الاستثمارات والمساعدات، لا سيما من دول الخليج العربي، قد تعود تلقائياً مع تحسن الاستقرار السياسي؟
فبعد الجمود الذي شهدته البلاد، يعوّل كثيرون على إمكانية استعادة ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية، إضافة إلى دور محوري مرتقب للدول الخليجية في دعم الاقتصاد اللبناني، خصوصاً إذا رافق ذلك التزام حكومي جاد بتنفيذ الإصلاحات المالية والإدارية المطلوبة.
في هذا السياق، يؤكّد الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي، في حديث لـ"الأنباء" الالكترونيّة، أنّ لبنان لا يستطيع اليوم وقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فهو بحاجة ماسّة إلى تفعيل الاتفاق مع الصندوق والقيام بالإصلاحات المطلوبة منه لأنّها مصلحة لبنانيّة.
ويُتابع جباعي: "برأيي، معظم إصلاحات صندوق النقد منطقيّة ويجب الاستمرار بالتعاون معه، لكنّ المقاربة في التّعاطي مع الصندوق يجب أن تكون مختلفة عن المرّة السابقة. إذ يجب أن تكون هناك مقاربة مختلفة مبنيّة على المصلحة المشتركة بين لبنان وصندوق النقد، ومصلحة لبنان اليوم هي من مصلحة المودعين".
بالتالي من المؤكّد أنّ لبنان سيستمرّ بالتفاوض مع صندوق النقد، ولكن يجب ألا يحصل ذلك بالطريقة القديمة. هنا يقول جباعي: "نحن بحاجة إلى التفاوض على اتفاق جديد واضح المعالم يضع مصلحة لبنان أوّلاً من خلال الإصلاحات التي يطلبها الصندوق النقد. كذلك يجب أن نحاول الوصول إلى اتفاق سريع معه".
ولكن، مع تحسن الأوضاع والعودة إلى الحضن العربي ومع ما قد يحمله ذلك من دعم للبنان، هل يبقى من داعٍ للالتزام بالتفاوض مع صندوق النقد وشروطه الصعبة؟
يعتبر جباعي أنّه حتّى لو كانت هناك مساعدات تأتي للبنان اليوم، نظراً لحاجته إليها في موضوع إعادة الإعمار وغيرها، إلا أنّ صندوق النقد أساسي لأنّ الثقة التي يأخذها لبنان عندما يتعاطى مع الصندوق تزوّده بقوّة في التعاطي مع الملفّات الماليّة الدوليّة ومع "فاتف"، وخصوصاً أنّه إذا حصل اتّفاق مع الصندوق فهذا يعني أنّ لبنان طبّق الإصلاحات وبالتالي يخرج من اللائحة الرماديّة ويبتعد عن اللائحة السوداء، وهذا الأمر مهمّ جدًّا. كذلك يفتح ذلك مجالاً أوسع في المساعدات أو التداول المالي وقدوم استثمارات إلى البلد، لأنّ الحصول على براءة ذمّة من صندوق النقد يُعطي لبنان ممرّ عبور للتّعاطي مع ملفّات ماليّة دوليّة أخرى تجذب الاستثمارات.
في الوقت نفسه، يشير جباعي إلى أنّ صندوق النقد ليس الحلّ الوحيد لأزمتنا الماليّة والاقتصاديّة، ولكنّه عاملٌ أساسيّ وضروريّ في المرحلة المقبلة للتعاطي مع حلّ الأزمات الاقتصاديّة والماليّة، وبالتالي مهما أتت مساعدات ومبالغ ماليّة، يبقى الاتّفاق مع صندوق النقد مصلحة ضروريّة.
المطلوب اليوم بدء وضعنا على السكة الصحيحة بالملف المالي، لإعطاء المجتمع المالي الدولي إشارة بأنّ لبنان بدأ يمتثل للقرارات الماليّة الدوليّة بشكلٍ إيجابي ونُعطيه صورة جيّدة عبر القيام بالإصلاحات تدريجيًّا للوصول إلى خواتيم جيّدة بالتعاطي مع ملفّ صندوق النقد.
إعلان