هل يستفيد الشرع من الفرصة التاريخية التي لم تتوافر لغيره في السابق؟
11 شباط 2025
06:47
Article Content
مع زيارة وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف دمشق السبت؛ يكون نصاب التأييد العربي لأحمد الشرع في الرئاسة الانتقالية للجمهورية العربية السورية قد اكتمل تقريباً، وهي جاءت بعد تهنئة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي له. كما تقاطرت الوفود الأجنبية إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد بشكلٍ لافت، وشملت لقاءات الشرع استقبال وفدين من الولايات المتحدة الأميركية ومن روسيا، وللدولتين الكبيرتين إشكاليات واسعة مع سوريا، قبل سقوط النظام في 9/12/2025 وبعده.
لم يسبق أن حصل مثل هذا الإجماع الدولي والعربي على الانفتاح والتعاطي مع الوضعية الجديدة التي دخلتها سوريا، رغم الشوائب الكبيرة التي رافقت عملية انتقال السلطة. والإدارة الجديدة لم تنبثق من مؤتمر تأسيسي ولا من مجلس قيادة ثورة يمثل جميع مكوناتها، بل كان ذلك أقرب الى حالة من فرض أمر واقع لم يلقَ اعتراضات ملحوظة، حتى من الشركاء بالثورة والذين لا يؤيدون نهج الشرع ولا الهيئة التي كان ينتمي إليها، والواضح أن منسوب الامتعاض الداخلي والعربي والدولي من بشار الأسد ونظامه البائد ساهم في احتضان الوضعية الجديدة على شاكلة كبيرة.
أمام الرئيس أحمد الشرع فرصة تاريخية للاستفادة من هذا الزخم المؤيد له في الداخل ومن الخارج، ولا يمكن اعتبار المواقف المُتباينة حول بعض ممارسات الإدارة الحالية والشوائب التي أوقعت نفسها فيها، خصوصاً في تجاهلها مكونات مجتمعية وسياسية سورية؛ عاملاً كافياً يمكن أن يؤدي إلى انفراط عقد الحالة الانتقالية. كما أن غالبية الضغوط الخارجية التي تحصل على القيادة الجديدة من اتجاهات مختلفة؛ تهدف إلى حجز مقعد في نادي أصدقاء سوريا المستقبليين، وفرض بعض الشروط على حراك الشرع، أكثر مما تهدف الى عرقلة مسيرة عمل الدولة.
يترقَّب السوريون المقيمون منهم والمنتشرون في بلدان خارجية؛ مدى التزام الشرع مُحددات خريطة الطريق التي أعلنها في خطاب النصر الذي القاه بُعيد تكليفه بالرئاسة في 30 كانون الثاني/يناير الماضي، لا سيما منها موضوع تشكيل حكومة جديدة تمثل كل المكونات السياسية، وليس فقط المكونات الطائفية أو الإثنية، فهناك قوىً ساهمت بشكلٍ فاعل في إسقاط النظام السابق غير "هيئة تحرير الشام"، ولهؤلاء تضحيات كبيرة قدموها على مذبح التحرير منذ ما يزيد عن 14 عاماً، بمن فيهم القوى الكردية التي لا تجاري الشرع في حراكه الآن، ولكنها كانت جزءاً أساسياً من حالة الاعتراض على الوضعية الأسدية الظالمة. ومن الطبيعي أن يكون لهذه القوى دور في بناء مستقبل سوريا، وإرساء النظام الجديد، وفقاً للتوجهات المدنية والديموقراطية التي تحدث عنها الشرع، بعيداً عن التقاسُم الطائفي والعرقي للسلطة، فغالبية هذه المكونات في الجنوب وفي الشمال وفي الساحل، تكتفي بالاطمئنان إلى أن يكون كل السوريين سواسية أمام القانون، بعيداً عن لغة التصنيف البغيضة للشعب بين أكثرية وأقليات.
أما نظرة القوى الخارجية الى الشرع فتنقسم الى ثلاث فئات تقريباً:
الأشقاء العرب والأصدقاء من الدول المجاورة، وهؤلاء توافقوا على دعم التوجهات الجديدة للحكم، ويكفيهم عودة سوريا إلى حضن العروبة وإلى وضعية حسن الجوار، ووقف كل تهديد قادم عبر أرضيها إلى دول المنطقة، بما في ذلك ضبط تهريب المخدرات والسلاح، وعدم تحويل الأراضي السورية إلى ملجأ للعناصر المشبوهة التي ترتكب عمليات قتل واغتيال وتفجير وإرهاب. وهذه الدول اعترفت سريعاً بالإدارة الجديدة وقبل أن تنتظر الانتخابات أو نتائج مؤتمر الحوار الوطني المُزمع تنظيمه قريباً، وقدمت تسهيلات كبيرة لها، وأرسلت مساعدات عينية قيِّمة، وقيل أن بعضها قدَّم أموالاً نقدية مكَّنت الحكومة الانتقالية من دفع رواتب للعسكريين والموظفين، لأن مصرف سوريا المركزي كان خالياً من الأرصدة تقريباً عند وصول الثوار إلى دمشق.
الحلفاء السابقون، أو أصدقاء سوريا التاريخيون؛ وخصوصاً منهم روسيا، ينتظرون كيفية تعامل الإدارة الجديدة مع المعاهدات الرسمية الموقعة مع دمشق، وهذه المعاهدات ليس لها أي اعتبارات شخصية على الإطلاق، بل تتعلَّق بمصالح الدولة، ومنها بشكل محدد الاتفاقيات التي ترتبط بالقواعد العسكرية الروسية في حميميم وفي ميناء طرطوس، كذلك الاتفاقيات الاقتصادية التي تتعلق بالتنقيب عن النفط والغاز والفوسفات وتوريد القمح، وزيارة الوفد الروسي برئاسة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف دمشق ولقاؤه مع الرئيس الشرع، أطلقت خيطاً ذهبياً في نافذة العلاقات المستقبلية. وموسكو تعتبر أن مصالح الدول أهم من مصالح الأشخاص، ووفق هذه المقاربة تصرَّفت إبان عملية "ردع العدوان" ولن تُقدِم على أي عمل عسكري يعرقل حراك الثوار.
وهناك مجموعة من الدول التي لم تكُن على ودّ مع النظام السابق، وهي تفرض عقوبات على الدولة السورية وعلى أشخاص عديدين فيها؛ وهي تعاملت بإيجابية كبيرة مع ما حدث، لا سيما منها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وأوقفت بعض الإجراءات العقابية بحق المؤسسات السورية الرسمية، ولكن ذلك غير كافٍ على الإطلاق. وينتظر السوريون من هذه الدول رفع العقوبات نهائياً، كونها كانت تستهدف نظاماً اجرامياً لم يعُد موجوداً. لكن هذه الدول تطالب الشرع بتطمينها حول مستقبل الدولة، وهي بغالبيتها تميل إلى تفضيل الدولة المدنية الديموقراطية وغير الطائفية.
تبقى حالة إسرائيل؛ وهي معادية لسوريا وتحتل قسماً من أراضيها في الجولان. لن يبقى الوضع في المستقبل كما هو عليه الحال اليوم، وسوريا جزء من الحالة العربية العامة في هذا السياق، وتلتزم بما تقرره جامعة الدول العربية، خصوصاً في هذه اللحظة من الهياج السياسي والعسكري غير المسبوق.