نظرةُ إعجابٍ مخضرمة... ولكن!
08 شباط 2025
20:07
Article Content
إركن جانباً... وأنظر في المرآة إلى الوراء، إلى ما وراء الزمان بعين المعجب بذاك الراكن بطلاً من وجود العرب في خارطة الشرق الأوسط، وطني... ألم يحن الوقت لتنعكس نظرة الإعجاب المخضرمة تجاه الغرب، وتصوّب تقييمها نحو قامات ومقامات وقيم تُقِيم قيمةً لقوامك.
إعتاد إعجابنا أن ينشغل بالإنبهار بكل ما يُشغل الغرب وما يتغنى به، ونسينا أن ننشغل عنها بالإنبهار بأنفسنا، وأننا بغنى عنها، وما يجذبنا نعمة ننعم به، وأن الظاهر العام ليس كما الباطن المتخفي.
يكاد التذمر المتنامي والإخلالات التراكمية يدفع بالبعض بالهجرة أو الحلم بها لبلدان قد توفّر غايتهم، وكأن الفرج ينتظرهم "عالباب المستريح"، ولعلّ مقاربة مختصرة قد تبدّل المشهد وتبدّد المخاوف.
وما يحتم معرفته وإدراكه خير يقين أن لكل دولة "طلعات ونزلات"، ولا "ترضي" كل مواطنيها، وكثيراً ما تواجه إحتجاجات وتظاهرات شعبية مطلبية مندّدة ربما لسياسة أو سوء الإدارة فساد بطالة...، وما قد نعتبره بلد الحريات والحضارة سنَجِد لبنان ليس أقلّ شأن منه، موطناً وملجأ ومرجعاً مهما تغرّبت.
فهو ليس البلد الوحيد الذي يرزخ تحت وطأة العجز المالي وعبء الدين العام، ففرنسا مثلاً تعاني من دين عام وتأمل بتحسن واحد بالمئة فقط هذا العام، أما أمريكا وعظمتها ميزانيتها تخضع لدين عام بقيمة 1.8 تريليون دولار، وما قد يُدهش البعض أن لبنان وفي أيام "العزّ" في سبعينيات القرن الماضي كان قد أقرض كل من كندا والهند وحتى البنك الدولي بالليرة اللبنانية.
وتفلّت الأمن من قبضة "الأمن" يسود مجتمعياً دولياً وبنسب متفاوتة، وما من إستتباب مطلق للأمن، حيث تكثر الجرائم والسرقات والمخالفات، وإنّ قرصنة شاشات المطار أثناء العدوان الأخير مثلاً يعدّ نقطة في بحر حرب أمريكا ضد القرصنة الألكترونية المستشرية لسنوات وما تتكبده من خسائر وتعمد إلى تعزيز "الأمن السيبراني"، وما تعرضت له من إغتيالات لرؤسائها، أبرزها محاولات قتل الرئيس ترامب مرات أثناء حملته الإنتخابية.
وتفلّت الحدود والتهريب عبر المعابر غير الشرعية، لنجد بالمقابل حملة ترامب لترحيل المهاجرين الغير الشرعيين، وأزمة الحدود مع المكسيك، وإلغاء حق المواطنة، كانت أبرز وعود ترامب وأكثرها تشدداً في برنامجه الرئاسي لإعادة امريكا "Great again".
أما بيئياً ما يعصف لبنان من حرائق وفيضانات "وغرق اللبنانيي" مع كل شتوية، تضاهيها الولايات الأمريكية أعاصير وفيضانات تودي بالأرزاق والأرواح، وحرائق لوس انجلوس الهائلة الأخيرة إستغرقت أيام لإطفائها بعدما ساوت المساحات سواداً ورماداً، وهل سُألت عن تأهب الدولة وجهوزيتها!.
وقد يقال هل تجوز أو تصح المقارنة؟ نعم، ومحقة، لكن ليس القصد التبرير أو أعطاء أسباب تخفيفية، إنما إعطاء مثالاً غربياً لا على سبيل الحصر، بإعتبارها من الدول العظمى حداثة وتطوراً، وحلم يراود الكثيرون، وللتأكيد أن لكل دولة إخفاقات ومشاكل "وإضطرابات" في كل الميادين.
وأن يُحتل وطناً ويقتل شعبه ويقصف بالنووي من عدو، ليس ببطولة، البطولة بردعه والصمود والتشبث بالأرض، ويعطي نفسه ذرائع لتمديد مهلة الإنسحاب، والتي لم تخلُ من الخروقات تحت ذريعة عدم الإلتزام بشروط الهدنة، إضافة إلى ما يرتكبه من مجازر في غزة، و" البدعة" الكبرى الإقامة الإمريكية طويلة الأمد في غزة مقابل تهجير أهلها.
هذا كله تحت أنظار المجتمع الدولي " الغربي"، لم يرمقه حتى بإدانة أو تجريم أو عقاب، ويصنف نفسه إنسانياً وعدلياً، وطالما ما حلمنا بالهجرة إلى دوله، وأخذ الجنسية، وبيروت أم الشرائع إحتضنت أقدم جامعات الحقوق،علّمت الحق وصدّرت العدالة إلى كل العالم، واكبر دليل تعيين نواف سلام رئيساً لمحكمة العدل الدولية.
آن الآوان لنثق بهذا الوطن، موقعاً استراتيجياً متميزاً ومتألقاً، وليكن محط إعجاب من الغرب، لا مجرد " أطماع"، من مواسم الإصطياف والإشتاء ومقصداً سياحياً ودينياً وشفائياً منذ تكوينه، رائداً ومتميزاً في محيطه.
والى ما شهده في العصر الذهبي في عدة مجالات، سيما الفنية حيث الإستقطاب السينمائي وعصر الرحابنة وفيروز...، ونهضة أدبية وعلمية، من جبران خليل جبران وأمين الريحاني، الى "أديسون الشرق" حسن كامل الصباح، ومايغل دبغي من قلب الجنوب الى كل العالم جراحاً يداوي القلوب، لبنان بفخرٍ وتباهٍ بتلك الأدمغة المهاجرة وغيرها كثر، "حقول" إستثمار وإنتاج، وإنطباع غربي منجذب.
إن ذلك إنتقاء من فيض ليس بشامل، أو ربما فتح "دفاتر الماضي" لا "جردة حساب"، ونؤكد حق هذا الوطن بإنصاف وإعجاب معاكس، بعد ما إمتحن بأزمات وحروب، ولا زال بموعد مع الأفضل في هذه المرحلة، لنقول أن الفرق بين العرب والغرب نقاط، وليس مجرد نقطة على "عين" الغرب.