خفايا "ريفييرا غزة"... الشعب الفلسطيني يواجه النفي الجماعي
05 شباط 2025
18:27
آخر تحديث:05 شباط 202518:32
Article Content
بدأت سياسة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخارجية، التي أعلن عن ملامحها في حملته الإنتخابي، تدخل حيّز التنفيذ. وبتنا نراها بحساباتها ومخططاتها ومشاريعها لغزة والضفة الغربية والقضية الفلسطينية عموماً، متفوقاً بذلك على نفسه بضرب القوانين الدولية عرض الحائط وانتهاك حق الشعوب بأرضها.
فلم تمضِ أيام على اقتراحه بـ"تطهير غزة" عبر نقل سكان القطاع إلى مصر والأردن بحجة ترتيب المنطقة بالكامل، ليأتي بتصريحات نارية، حول خطته لتهجير قسري للفلسطينيين خارج غزة، وذلك خلال استقباله لرئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو.
الخطة كما يبدو أبعد من مناورة سياسية أو "دس نبض" للموقف العربي والدولي، إذ أن ترامب قال "إن الولايات المتحدة ستسيطر على غزة وتمتلكها"، وأنها "ستتولى السيطرة على قطاع غزة وسنقوم بعمل هناك أيضاً، سوف نمتلكها". كذلك، لم يستبعد ترامب نشر قوات أميركية في القطاع.
الرئيس الأميركي الجديد القادم من عالم الأعمال، يحاول تسليع غزة، وحق الشعب الفلسطيني، بالقول إنه يريد تحويل القطاع إلى "ريفييرا" الشرق الأوسط، وإعادة توطين سكانه في دول أخرى. ويتذرع ترامب بـ"أن القطاع لم يعد صالحاً للسكن من قبل مواطني القطاع نظراً لدماره، وأن على أهالي القطاع مغادرته لإنقاذهم من الموت والقتل".
وبالعودة الى موقع غزة الجغرافي وسياسة التهجير والحديث الذي لم يخفت مع مرور السنوات بتنفيذ مشروع شق قناة بن غوريون، والتي تعد في الأساس فكرة مشروع إسرائيلية – أميركية تعود لعام 1963، كبديل لقناة السويس. ولتنفيذ هذا المخطط، تقف غزة بسيادتها الفلسطينية حجر عثرة، فهي خارج السيطرة الإسرائيلية، والاستيلاء عليها يختصر من المسافة المخطط لها للقناة التي من المزمع أن تربط إيلات على البحر الأحمر مع قطاع غزة على البحر الأبيض.
توازياً، فإن ترامب خلال حملته الانتخابية تحدث عن سعيه لاستكمال "الاتفاقيات الإبراهيمية"، ومن أبرز الدول التي يضعها ترامب نصب عينه، المملكة العربية السعودية، خصوصاً بعد توقيع اتفاقيات حول ممرات اقتصادية وتجارية.
وفي سياق متصل، قرار المملكة واضح وحاسم وثابت، إذ أعلنت الاربعاء، في معرض تعليقها على تصريحات ترامب أنها لن تقيم علاقات مع إسرائيل من دون إنشاء دولة فلسطينية، وتؤكد "ما سبق أن أعلنته من رفضها القاطع المساس بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، سواء من خلال سياسات الاستيطان الإسرائيلي أو ضم الأراضي الفلسطينية أو السعي لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه"، مشددة على أن هذا "الموقف الثابت ليس محل تفاوض أو مزايدات".
وفي بيان صادر عن وزارة الخارجية السعودية تم التأكيد أن "موقف المملكة العربية السعودية من قيام الدولة الفلسطينية هو موقف راسخ وثابت لا يتزعزع، وقد أكد الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، هذا الموقف بشكل واضح وصريح لا يحتمل التأويل بأي حال من الأحوال".
الضفة وغزة.. انتهاك للقانون الدولي
والى جانب غزة، الضفة الغربية أيضاَ على خريطة سياسة التهجير الإسرائيلية بدعم أميركي، ولا ينفك العدو الإسرائيلي عن ارتكاب الجرائم بحق أهلها الفلسطينيين وتدمير منازلهم في عدوان متواصل لم يتوقف بشتى أشكاله. فالعدو الإسرائيلي ماضٍ في سياسة الاستيطان، إذ تتلاقى حكومة اليمين المتطرف مع سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، خصوصاً أنه سبق لترامب تصريحات قال فيها إن "مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخريطة، ولطالما فكّرت كيف يمكن توسيعها".
وبالتأكيد ما يحصل في غزة والضفة مخالف للقانون الدولي. وفي هذا الصدد، يوضح البروفيسور في القانون الدولي الدكتور كمال شكيب حمُاد، أنه "قبل اتفاقية وستفاليا لعام 1648، لم تكن لحدود الدول حرمة، ولم تعر الدول المتحاربة في أوروبا، أي احترام لا للحدود او للإنسان ولحرية المعتقد والممارسات الدينية، علماً أنها أوقفت الحروب الدينية في أوروبا والتي استمرت 30 عاما، وأرست المبادئ الحاكمة لبنية الدول القومية والقواعد المنظمة للعلاقات الدولية، ومن بينها احترام الحدود السياسية للدول".
الى ذلك، يؤكد حمُاد أن كل ما يجري في غزة او في الضفة الغربية، من قبل إسرائيل هو انتهاك للقانون الدولي الإنساني وخاصة لاتفاقية جنيف الرابعة، وقد اعتبرت محكمة العدل الدولية أفعال إسرائيل في غزة بمثابة إبادة جماعية، كما ان الأفعال التي ترتكبها إسرائيل في الضفة الغربية، والمتعلقة بمصادرة الأراضي المحتلة، وحرق الأشجار والبشر، وتغيير المعالم العربية، بعبرية وبناء المستوطنات مكان القرى الفلسطينية، كل ذلك يعتبر بمثابة جريمة حرب، ويجب على الافراد المرتكبين لتلك الجريمة، والمخططين لها من سياسيين وعسكريين، الخضوع للمحاكمة امام المحكمة الجنائية الدولية.
ويشدد حمُاد على أنه "اذا كانت الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، ما زالت تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967، فهذا لا يعني ان الرئيس الأميركي، او دولة الاحتلال (اسرائيل) تستطيع ان تغير في جغرافيتها، او في حدودها المرسومة والمحددة وفقا للقانون الدولي العام، وخاصة لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 181، المتعلق بتقسيم فلسطين الى دولتين عربية وتشمل 43% من فلسطين التاريخية ويهودية تشمل الباقي، ووفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، القسم الثالث المتعلق بالأراضي المحتلة، وخصوصاً المادة ( 47) التي تنص "لا يحرم الأشخاص المحميون الذين يوجدون في أي إقليم محتل من الانتفاع من اتفاقية جنيف الرابعة"، سواء بسبب أي تغيير يطرأ نتيجة لاحتلال الأراضي ..او بسبب قيام دولة الاحتلال بضم كل او جزء من الأراضي المحتلة".
ويذّكر حمُاد بأن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة تنص على أنه "يحظر النقل الجبري الجماعي او الفردي للأشخاص المحميين او نفيهم من الأراضي المحتلة الى أراضي دولة الاحتلال او الى أراضي دولة أخرى.."، كما ان المادة 53 تحظر على دولة الاحتلال ان تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة او منقولة تتعلق بأفراد او جماعات.
مخاوف وتأكيد الحق الفلسطيني
بعد تصريحات ترامب توالت ردود الفعل عربية ودولية التي تؤكد الحقوق المكتسبة للشعب الفلسطيني، ودعم حل الدولتين. كما أن ما أعلنه ترامب يندرج تحت إطار التهجير القسري للغزاويين وانتهاكا للقانون الدولي وزعزعة استقرار المنطقة.
مصر والأردن أكثر المعنيين بمخاطر ومحاذير المخططات الأميركية والإسرائيلية، فمن ناحية أولى محاولات تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية بالإضافة الى التبعات الاقتصادية على البلدين من أي مشاريع مرتقبة.
بدوره، أكد العاهل الأردني الملك عبدالله بن الحسين ضرورة وقف إجراءات الاستيطان، ورفض أية محاولات لضم الأراضي وتهجير الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، مشدداً على ضرورة تثبيت الفلسطينيين في أرضهم، وقوف بلاده الكامل مع الفلسطينيين في نيل حقوقهم المشروعة".
من جهة أخرى، شدد وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، على "أهمية المضي قدماً في مشاريع التعافي بقطاع غزة، من دون أن يغادره الفلسطينيون"، وذلك بعد تصريحات ترامب، مؤكداً دعم بلاده "للحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف الشعب الفلسطيني، وضرورة السعي نحو التوصل لحل سياسي دائم وعادل للقضية الفلسطينية من خلال حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على خطوط 4 حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وبما يمنع تكرار الدورات المتكررة للعنف بشكل نهائي ودائم".
ورداً على الدعوات التي أطلقها الرئيس الأميركي، أعرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقيادة الفلسطينية عن "رفضهما الشديد لدعوات الاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين خارج وطنهم". وقال عباس في بيان تلاه المتحدث باسمه نبيل أبو ردينة عبر تلفزيون فلسطين الرسمي إن "الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن أرضه وحقوقه ومقدساته، وإن قطاع غزة هو جزء أصيل من أرض دولة فلسطين إلى جانب الضفة الغربية، والقدس الشرقية، منذ عام 1967".
وعليه، أمام عملية التكافل والتضامن الإسرائيلية الأميركية في ابتلاع الحق الفلسطيني، والمضي قُدماً بالمشروع الاقتصادي-الأمني للشرق الأوسط الجديد، لا شك أن المنطقة ودولها بأسرها أمام مخاطر وتهديدات لأمنها القومي والاقتصادي، ما يطرح علامات استفهام حول مدى استمرارية اتفاقيات السلام الموّقعة؟ وهل ستتمكن الدبلوماسية من ردع المشاريع الإسرائيلية الأميركية في فلسطين والمنطقة؟ وكيف ستواجه مصر والأردن أي ضغوطات اقتصادية أو على الموارد الطبيعية كمصادر المياه؟ بناء عليه، هل ستكون المنطقة على صفيح حرب استعادة الحق وحماية الوجود العربي على مختلف الصُعد؟