دافوس 2025... مشاهد جديدة
04 شباط 2025
18:24
Article Content
مشاهد جديدة حملتها فعاليات منتدى دافوس الذي انعقد بين 20 و24 كانون الثاني/يناير من هذا العام. فبالإضافة الى الحضور الواسع الذي فائق عدده عن 3000 شخصية من 130 بلداً، بينهم 60 رئيس دولة و350 مسؤولاً حكومياً؛ برزت مشاركات ذات دلالات خاصة، منها حضور رئيس الأرجنتين خافيير ميلي الذي يتمتع بخاصية سياسية غريبة وبمشهد استعراضي مُميَّز، كما في مشاركة وزير خارجية الحكومة الانتقالية السورية أسعد الشيباني – وهي المرة الأولى التي تُدعى اليها سوريا منذ إنشاء المنتدى – ولا يمكن تجاهل وجود الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، وهو أحضر معه ملفات مرتبطة بالحرب، وهي عناوين كان يتجنبها المنتدى الاقتصادي العالمي على الدوام.
وخصائص مؤتمر هذا العام؛ تبيَّنت ايضاً في التعارض الواضح بين السياسات الاقتصادية لغالبية الدولة الأوروبية وبين النهج الأميركي الجديد. وكان لخطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي القاء عبر الفيديو وقعاً متميِّزاً في أروقة المنتدى، وتحوَّل الى الشغل الشاغل لمعظم الوفود، فهو تحدث عن مقاربات جديدة ستعتمدها ادارته، وأهمها رفع الرسوم الجمركية على المنتجات الأجنبية، وهو كابوس مالي واقتصادي يؤرِق المستثمرين الأوروبيين والصينيين وغيرهما من الدول الصناعية. وترامب دعا هؤلاء لإنتاج سلعِهم في الولايات المتحدة الأميركية، للهروب من هذه المعوقات القاسية، مؤكداً أنه سيخفِّض الضرائب على الشركات في بلاده الى ما دون 15 بالمئة.
التوجهات الأميركية أحدثت دوياً سياسياً واقتصادياً كبيراً داخل قاعات المنتدى، ولأول مرة في تاريخ مناقشات دافوس، تتقاطع جوانب هامة من الخطاب الأوروبي مع خطاب الصين، لناحية التأكيد على أهمية التمسُّك بحرية التجارة الدولية، ورفع المعوقات غير الطبيعية من أمام الصادرات، في غمزٍ واضح من قناة كلام الرئيس ترامب، او اعتراضاً عليه، لأن السياسة الجمركية الأميركية الجديدة، ستُحدِث اختلالاً واسعاً على النمو في أكثر من دولة، وستُهدِّد انسياب السلع الأوروبية الى الأسواق الأميركية.
والبارز ايضاً في مناقشات دافوس لهذا العام؛ التركيز على موضوعات جديدة، لم تحُز بإهتمام واسع من قبل، ومنها موضوع الذكاء الاصطناعي وتداعياته على الحراك الإنتاجي. كذلك ملف الأمن السيبراني، حيث الإختراقات الرقمية قد تُهدِّد حركة انتقال رؤوس الأموال، كما تشكِّل خطراً مُحدقاً على سلامة المنشآت الصناعية وعلى وسائل النقل التي تعتمد التكنولوجيا الموجهة الحديثة، وبعض الخروقات طالت التشويش على هذه الأنظمة (ومنها نظام جي بي أس) على خلفيات تخريبية.
وما يُثير بعض الريبة في مؤتمر هذا العام؛ اعتبار 64 بالمئة من المشاركين في المنتدى أن النظام الدولي الحالي مستمرٌ بالتفكُّك، وهو ما يُهدِّد قواعد التبادلات التجارية، وقد يطال الاستقرار، ويُبشِّر بفوضى، لأن الاتفاق على ركائز دولية جديدة صعبُ المنال في هذه الظروف العالمية المُعقَّدة، ولا يوجد مؤشرات دامغة على استعداد القوى الكبرى بالولوج في مسار توافقي يفضي الى انتاج نظام جديد أكثر ملاءمة، لأن التحديات المتقابلة؛ السياسية منها والاقتصادية تتغلَّب على مساحات التعاون، وهناك حروب عسكرية وتجارية متعددة قائمة، تساعد في توتير الأوضاع، أكثر مما تساهم في تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين.
رئيس منتدى دافوس السويسري بورغ بريندي قال: أن الصراعات المسلحة تشكل أكبر خطر على النمو الاقتصادي في العالم، وثاني أكبر خطر يأتي من التقلبات المناخية الحادة التي تشهدها مناطق متعددة من الكرة الأرضية. وقد ركَّزت أجنحة دول متعددة في المنتدى على معالجة هذه المشكلات، وعلى ضرورة انهاء الحروب والتوترات في أوكرانيا وفي غزة وفي سوريا والسودان، بينما رعت دول أخرى نشاطات تتعلَّق بالحد من الإنبعاثات الكربونية التي تساهم في إحداث تغييرات مناخية مؤلمة، وبعض الأجنحة نظَّمت أنشطة تتعلَّق بتشجيع انتاج الطاقة النظيفة.
نائب رئيس مجلس الدولة الصيني دينغ شوشيانغ؛ اعتبر أن بعض الشروط والعوائق أمام انسياب السلع في الأسواق الدولية، تؤدي الى حروب تجارية واسعة، وفي هذه الحروب التجارية؛ الجميع سيتكبدون خسائر، وحركة النمو ستتراجع. وقد وافقته في هذا الاتجاه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، برغم الاختلاف بين الطرفين حول عدد من العناصر الهامة في العلاقة بينهما، وهذه العلاقة لا تحضَ بمعاملة متساوية، او بالمثل من قبل الصين، كما قالت دير لاين. أما الوفد الهندي الذي تجنَّب أي ردود سلبية على خطاب ترامب، فقد دعا الى عدم وضع عوائق أما حركة النمو الاقتصادي، لأن ذلك سيغرق العالم في مشكلات كبيرة، وبلاده تحرص على استمرار نمو اقتصادها بما يزيد عن 6 بالمئة، لكي تتمكن من مواكبة التزايد السكاني الذي حصل فيها في السنوات الأخيرة.
وقد حازت الحروب والنزاعات العسكرية على مساحة واسعة من النقاشات، ذلك أن الأوروبيين يتضررون كثيراً من استمرار الحرب في أوكرانيا، ويُجمعون على مناهضة السياسة الروسية في هذا السياق، بينما الرئيس الأميركي، دعا في خطابه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى لقاء هدفه الأساسي وقف هذه الحرب. ونزاعات الشرق الأوسط - لاسيما العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين - أخذت حيزاً واسعاً من الخطابات، واتفق غالبية المشاركين على أن انهاء التوترات تفرض إيجاد حل عادل لقضية الشعب الفلسطيني، ووقف العدوان، وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة.