"التراث العمراني: مخاطر السلم والحرب".. ندوة في كلية الفنون الجميلة
01 شباط 2025
17:09
Article Content
أقامت كلية الفنون الجميلة والعمارة – الفرع الرابع ندوة تحت عنوان "التراث العمراني: مخاطر السلم والحرب"، وذلك بحضور حشد من الأساتذة والطلاب. وقد افتتحت الندوة بكلمة ترحيبية من مدير الفرع، الدكتور زاهر عبد الخالق، الذي رحب بالحضور وأكد أهمية مثل هذه الفعاليات في تنشيط الحياة الفكرية في الكلية، مشيرًا إلى ضرورة الاهتمام بالقضايا المعمارية والثقافية التي تمسّ هوية المجتمع.
ومنذ أسبوعين، كانت الندوة السابقة التي قدمها الدكتور نجاد عبد الصمد، والتي تناولت إشكالية الذكاء الاصطناعي، المفاهيم المرتبطة به، والإبداع في هذا المجال. وفي استكمال لجهود تنشيط الحياة الفكرية في الفرع الرابع، تأتي ندوة اليوم التي تركز على قضايا التراث العمراني، وهو موضوع ذو أهمية خاصة في ظل الظروف الحالية.
لقد اتفقت الثقافات المختلفة على أن التراث اليوم يمثل الإرث الذي ورثناه عن أسلافنا. وفي هذا السياق، جاء مصطلح "Patrimoine" من اللاتينية "Pater" أو الأب، مما يعني ما ورثناه من أجدادنا. لكن هذا التراث ليس ثابتًا، بل خضع لتغيرات بيئية طبيعية وتحولات اجتماعية وجيوسياسية أثرت فيه على مر العصور. ومن خلال هذه الندوة، كان الهدف هو تسليط الضوء على المخاطر التي تواجه التراث العمراني في أوقات السلم والحرب، وكيفية الحفاظ عليه للأجيال القادمة.
بعد كلمة الترحيب، بدأ الدكتور المعمار حبيب صادق حديثه المثير والمليء بالمعرفة، حيث قدم رؤية شاملة ومعمقة عن التراث العمراني في لبنان. بدأ بتسليط الضوء على أهمية هذا التراث في تشكيل هوية المجتمع اللبناني، وأشار إلى أن التراث العمراني ليس فقط مجموعة من المباني والأماكن التاريخية، بل هو انعكاس للقيم الثقافية والاجتماعية التي كانت سائدة في مختلف العصور.
وتناول الدكتور حبيب صادق في حديثه تطور العمارة في لبنان، مستعرضًا كيف أن هذا التراث العمراني قد شهد تأثيرات عدة من حضارات متنوعة، بدءًا من العصور القديمة مرورًا بالعصور الصليبية، المملوكية، والعثمانية، وصولًا إلى فترة الانتداب الفرنسي. وأوضح أن هذه الحقبات الزمنية تركت بصمات واضحة في بنية المدن اللبنانية، سواء في الطراز المعماري أو في توزيع المناطق الحضرية. وفي هذا السياق، بيّن أن التراث العمراني اللبناني لا يعد مجرد ذاكرة مادية، بل هو نقطة تلاقي بين الماضي والحاضر، بين الأجيال التي ساهمت في صنع هذا التراث وتلك التي تحاول الحفاظ عليه وتطويره.
ثم تناول الدكتور حبيب صادق قضية تأثير الحروب على التراث العمراني، مشيرًا إلى أن لبنان شهد العديد من الحروب التي أثرت بشكل كبير على معالمه التراثية. وأوضح أن العدوان الإسرائيلي على لبنان كان له تأثير مباشر على تدمير العديد من المواقع التراثية في الجنوب اللبناني. وقد كانت هذه المواقع شاهدًا على تاريخ طويل من الحضارات والتطورات المعمارية التي تلاشت مع اندلاع الحروب. وأكد على ضرورة إعادة تأهيل هذه المواقع بشكل يوازن بين الحفاظ على أصالتها وبين التحديات المعاصرة.
أما في فترات السلم، فقد أشار إلى أن التوسع العمراني السريع والغير منظم يشكل تهديدًا آخر للتراث العمراني. فقد أصبح التركيز على تحقيق المكاسب العقارية دون مراعاة القيم التراثية في العديد من المناطق الحضرية، مما أدى إلى تدمير العديد من المباني التاريخية التي كانت جزءًا من هوية المدينة. وأوضح أن الحفاظ على التراث العمراني يتطلب نهجًا متوازنًا بين التنمية الحديثة والاهتمام بالحفاظ على الطابع التاريخي للمدن.
كما دعا الدكتور حبيب صادق في ندوته إلى تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التراث العمراني، وأكد على ضرورة مشاركة المجتمع المحلي في عملية الحفاظ على هذا التراث. وتطرق إلى أهمية التشريعات والسياسات العامة التي تهدف إلى حماية المواقع التراثية، مشيرًا إلى ضرورة إنشاء هيئات مختصة يمكنها فرض القوانين التي تحمي المباني التاريخية من التدمير أو التغيير غير المدروس.
في ختام الندوة، شدد الدكتور حبيب صادق على ضرورة تكثيف الجهود لحماية التراث العمراني في لبنان، وأعرب عن أمله في أن يظل التراث العمراني اللبناني حيًا في ذاكرة الأجيال القادمة، ليكون شاهدًا على تاريخ طويل من العطاء والإبداع.