العشائر العربية مكون رئيسي في سوريا
الشيخ راكان الخضير: الدروز والبدو يشتركون في القيم الاجتماعية التقليدية
01 شباط 2025
13:53
Article Content
تدخل سورية مرحلة جديدة بعد سقوط نظام حزب البعث، إذ أطلق العنان للخطوات الأولى لمستقبل جديد للبلاد ونظام سياسي يتطلع إليه المجتمع السوري بكافة مكوناته وأطيافه. بالأمس حدد الرئيس السوري أحمد الشرع الخطوات التأسيسية المزمع السير بها في المرحلة القريبة. خطوات اعتبرها المراقبون توفر الأمن والاستقرار للبلاد، وتسهم في استعادة الموقع والدور العربي لسورية، وتكريس تفاهمات داخلية وخارجية، بالإضافة إلى إعادة إعمار ما تهدم على إمتداد سنوات، بما خلّفته من تحديات أمنية واقتصادية وسياسية.
يعتبر ممثل عشائر الجنوب السوري الشيخ راكان الخضير الخطوات التي أعلنها الشرع أنها "تشكل خارطة طريق أساسية لمرحلة التأسيس الجديدة في سوريا، حيث تركز على تحقيق العدالة الانتقالية، محاسبة مرتكبي الجرائم، وبناء مؤسسات دولة قوية بعيداً عن المحاصصة والفساد"، مشيراً إلى أنها "ضرورية لضمان انتقال سياسي مستقر يلبي تطلعات الشعب السوري الذي ضحى كثيراً من أجل التغيير".
وقال الشيخ الخضير في حديث إلى جريدة "لأنباء الإلكترونية" إن "مستقبل سوريا موضوع مهم جداً"، لافتاً إلى أن ذلك "يحتاج إلى خطوات عملية وواقعية لإنجاز السلام والاستقرار، لاسيما أن تصريحات الشرع "تركز على خطوات تأسيسية للمستقبل القريب، فذلك يعد بداية مهمة لأي عملية سياسية أو إعادة بناء في البلاد"، على حد تعبيره.
دور مؤثر
وبالنسبة لدور العشائر كونها أحد المكونات الأساسية في رسم مستقبل سورية، يرى الخضير "أن الاستماع إلى جميع الأطراف والمكونات السورية وتضمينهم في عملية الحوار ضروري"، مشدداً على "إعادة بناء الثقة بين الجميع وضمان مشاركة فاعلة وواسعة في تحديد مصير البلاد هي أساسية". ويضيف: "نعتقد أنه لا بد من أن تكون هناك خطوات عملية تؤكد على العدالة والمساواة لجميع السوريين، خصوصاً في ظل الوضع المعقد والمتعدد الأطراف الذي نعيشه".
ويؤكد الخضير أنه "إذا كانت تلك الخطوات تسهم في خلق بيئة أكثر شمولية وتعاونية بين جميع القوى السورية، سواء كانت سياسية أو اجتماعية، فهي فرصة للعب دور مؤثر في بناء سوريا جديدة، تكون أكثر استقراراً وازدهاراً".
وحدة سورية استقرار للمنطقة
وحدة سوريا ونهضتها هو العنوان الأبرز للمرحلة القادمة، وهو ما شدد عليه الشرع في خطابه الأول بعد تنصيبه رسمياَ رئيساً لسورية. وفي هذا الصدد، يؤمن الخضير أن "وحدة سوريا أمر أساسي لاستقرارها، ومن المهم أن يكون لدينا جميعاً استراتيجية واضحة لدعم هذا الهدف. المخاوف من التقسيم ليست فقط مسألة سياسية أو أمنية، بل تمس أيضاً مستقبل الأجيال القادمة. علينا أن نعمل على تعزيز الوحدة الوطنية عبر الحوار البناء والمصالحة بين جميع المكونات السورية".
ويعتبر الخضير أن "تقسيم سوريا ليس فقط تهديداً لوحدة الوطن، بل يشكل خطراً على استقرار المنطقة بأسرها، إذ أن سوريا هي قلب الشرق الأوسط، وأي محاولة لتقسيمها تؤدي إلى تفتيت النسيج الاجتماعي والوطني، وتفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الخارجية التي قد تستغل الوضع لتحقيق مصالحها الخاصة".
ويضيف: "بوجود أطراف خارجية قد تحاول التأثير على مجريات الأمور، من المهم أن تكون هناك رؤية وطنية واضحة، ودعم لمؤسسات الدولة السورية بكل مكوناتها. الأمن والاستقرار لن يتحققا إلا بوحدة البلاد، وهذا يتطلب تضحيات من جميع الأطراف السورية، وكذلك ضمانات على المستوى الدولي للحفاظ على وحدة الأراضي السورية".
ويشدد الخضير على أن "العمل على النهضة يتطلب أيضاً تعاضد الجميع دون استثناء، لضمان أن تكون سوريا المستقبل دولة قوية ومتحدة، بعيدة عن أي محاولات لتقسيمها أو تفرقتها".
وحدة الصف والتصدي للعدو
إلى ذلك، التحديات التي تطرحها محاولات التمدد الإسرائيلي في الجنوب وسيطرتها على المنطقة العازلة "ليست جديدة، لكنها أصبحت أكثر تعقيداً في ظل التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة ودعم الولايات المتحدة غير المحدود لإسرائيل"، على حد تعبير الخضير.
بحسب الخضير، من المهم أن تكون هناك خريطة طريق واضحة لمواجهة هذه التهديدات ما يتطلب عدة محاور مترابطة، وتعتمد على عناصر داخلية وخارجية، وهي:
"أولاً، يجب أن تظل سوريا قوة متماسكة في موقفها ضد التمدد الإسرائيلي، وأي تراجع في المواقف الوطنية والسياسية يعزز من قدرة العدو على الاستمرار في استغلال الفراغات. لذلك، الحفاظ على وحدة الصف الوطني والتنسيق بين مختلف القوى داخل سوريا هو أساس التصدي لأي محاولات للتوسع الإسرائيلي.
ثانياً، يجب أن يكون هناك تعزيز للتحالفات الإقليمية. وفي ظل السياسة الأميركية الحالية، من الضروري أن تكون هناك تحالفات قوية مع دول أخرى في المنطقة التي تشارك سوريا نفس المصالح في مواجهة التمدد الإسرائيلي، هذه التحالفات يمكن أن تكون دافعاً قوياً لردع أي تصعيد إسرائيلي.
ثالثاً، يجب أن تكون هناك استراتيجية دبلوماسية فاعلة في الأمم المتحدة وفي المحافل الدولية. هناك حاجة لتسليط الضوء على انتهاكات إسرائيل للأراضي السورية، واستخدام الآليات الدولية لضغط الدول الكبرى على إسرائيل لوقف تمددها العسكري، خاصة في ظل الضغط على واشنطن لإعادة تقييم موقفها من دعم إسرائيل.
وأخيراً، من المهم أن تكون هناك خطة سياسية تركز على تحسين الوضع الداخلي في سوريا، بما يساهم في زيادة قوة الدولة وتماسكها الداخلي. استقرار سوريا هو جزء من أي استراتيجية أوسع لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية."
ويؤكد الخضير أن "التصدي لمخططات إسرائيل يتطلب توحداً على مستوى الداخل والخارج، تعزيز التحالفات مع القوى التي تتشارك المصالح، والعمل على معالجة التحديات السياسية والاقتصادية داخل سوريا ليكون لها وزن أكبر في مواجهة التحديات الإقليمية".
روابط وعلاقات تاريخية.. اجتماعية وسياسية!
علاقات تاريخية تربط عشائر البدو والدروز في سوريا وفي العديد من المناطق، ويصفها الخضير بأنها "تمتاز بعمق طويل من التعايش والاحترام المتبادل"، إذ أن "هذه العلاقة نشأت في سياق التفاعل بين مختلف المكونات الاجتماعية والثقافية في المنطقة، وقد تميزت بالترابط في العديد من الجوانب الاجتماعية والسياسية، خصوصاً في المناطق الجبلية والبادية". على حد تعبيره.
ويذّكر الخضير بأنه "على مر التاريخ، كان الدروز والبدو يشتركون في القيم الاجتماعية التقليدية مثل الكرم والشجاعة والوفاء بالعهد، وهذه القيم شكلت أساساً لعلاقات قوية بينهما، لافتاً إلى أنه "في العديد من المناسبات، ساعدت الروابط العشائرية في تعزيز الاستقرار المحلي، حيث كان هناك تعاون في الأمور الأمنية والاقتصادية وحتى في الدفاع عن الأرض في مواجهة التهديدات الخارجية".
وحول العلاقات في الوضع الراهن، فيرى أن "العلاقة بين الدروز وعشائر البدو يمكن وصفها بأنها مستمرة لكنها تواجه تحديات بسبب التغيرات السياسية والأمنية التي تمر بها سوريا"، موضحاً أن "مع تطورات الأحداث في العقد الأخير، وخصوصاً بعد الحرب، تغيّرت الكثير من الديناميكيات الاجتماعية في المنطقة، وهناك مناطق تأثرت بشكل كبير بالنزاعات، مما أدى إلى بعض التوترات بين هذه الجماعات التي كانت تتمتع بعلاقات قوية في السابق".
لكن من جهة أخرى، يؤكد أنه "لا يزال هناك العديد من الروابط القوية بين الدروز والبدو، حيث تواصل هذه العشائر التعاون في مسائل مثل حماية الأراضي، والتصدي للتهديدات الأمنية، والمشاركة في بعض القضايا السياسية المحلية"، معتبراً أنه "في الوقت نفسه، يتعين أن يتم تعزيز هذه العلاقة من خلال الحوار المستمر والتفاهم المتبادل، خصوصاً في ظل التحولات الراهنة في سوريا".
ويضيف: "يمكن القول إن العلاقة بين الدروز وعشائر البدو ما زالت قائمة في العديد من المناطق، لكن التحديات الحالية تفرض ضرورة إعادة تقييم هذه الروابط بما يتناسب مع الظروف الجديدة التي تمر بها البلاد".
إحتواء ومساعي مستقبلية
سادت بعض التوترات والأحداث بين الدروز والبدو في السنوات الماضية، والتي يعيد الخضير أسبابها الى "عدة عوامل معقدة، بما في ذلك الظروف الأمنية، والضغوط الاقتصادية، والتدخلات الخارجية التي أسهمت في خلق بيئات صراعية في بعض المناطق". ويضيف: "ولكن، من المهم أن نكون على أتم الوعي لحقيقة أن التوترات بين المجتمعات المحلية في سورية ليست أمراً جديداً، بل هي جزء من سلسلة من التحديات التي تواجه الجميع في ظل الواقع الحالي".
"المسؤولية تقع على عاتق جميع الأطراف الفاعلة في المجتمع المحلي"، يقول الخضير، مذكراً بالجهود التي سبق أن بذلت في هذا الإطار من خلال "تفعيل آليات الحوار بين الدروز وعشائر البدو خلال الفترات السابقة، وذلك من خلال تنظيم جلسات بين القيادات المحلية لضمان التفاهم المتبادل والحد من التأثيرات السلبية للتوترات، وحاولنا التركيز على تعزيز قيم التعايش المشترك والاحترام المتبادل، والعمل على إزالة أي سوء فهم قد يخلق فرصاً للصدامات".
هذا ولعب الخضير دوراً محورياً مع المشايخ الدروز في جبل العرب وجرمانا في احتواء الحادثة الأخيرة التي أدت إلى سقوط 3 ضحايا في بلدة عرى بالسويداء ونجحت الاتصالات في التهدئة وتضميد تداعيات ما حصل.
وفي سياق المساعي المستقبلية في هذه المرحلة الانتقالية، لتفادي أي توترات أو حوادث مستقبلية، هناك عدة محاور أساسية يعددها الخضير:
أولاً، تعزيز التواصل والحوار المستمر: من المهم أن نواصل تعزيز قنوات التواصل بين مختلف المكونات الاجتماعية في سوريا، بما في ذلك الدروز والبدو. وهذا يمكن أن يتم من خلال تشكيل لجان محلية تهدف إلى معالجة أي خلافات قبل أن تتفاقم، والتأكيد على مبادئ العدالة والمساواة في التعامل مع كافة الأطراف.
ثانياً، التركيز على المصالح المشتركة: في ظل الظروف الراهنة، يجب أن يتم التركيز على المصالح المشتركة بين الدروز والبدو، مثل حماية الأراضي، والحد من التأثيرات السلبية للتدخلات الخارجية. تعزيز التعاون في هذه القضايا يمكن أن يساعد في بناء الثقة المتبادلة.
ثالثاً، التعامل مع التوترات الأمنية بحكمة: من المهم أن نكون حذرين عند التعامل مع أي توترات أمنية. نحن نعمل على تعزيز التواجد الأمني في المناطق الحساسة مع ضمان أن يكون هذا التواجد محايداً ومرتكزاً على حماية المواطنين كافة، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الطائفية.
رابعاً، التركيز على التنمية المحلية: تعزيز التنمية الاقتصادية في المناطق التي توجد فيها توترات بين الدروز والبدو يعد أمراً مهماً. عندما يشعر الناس أن لديهم فرصاً اقتصادية وفرصاً للعيش الكريم، فإن ذلك يساهم في تقليل منسوب التوترات.
خامساً، التوعية والتعليم: يجب أن تستمر الجهود في نشر ثقافة التسامح والقبول بالتنوع بين جميع مكونات المجتمع السوري. التوعية المشتركة والتثقيف حول أهمية الوحدة الوطنية وتاريخ التعايش بين الدروز والبدو يمكن أن يساعد في تقليل الفجوات وتعزيز الأواصر الاجتماعية.
ويختم الخضير بالتشديد على الحاجة في هذه المرحلة الدقيقة إلى حلول تتسم بالحكمة والتفاهم، "ولا شك أن العمل على منع التوترات المستقبلية يتطلب العمل المشترك بين الجميع، بما في ذلك القادة المحليين، والمجتمع المدني، والأطراف السياسية، مؤكداً أن "الحفاظ على السلم الأهلي وبناء الثقة هو السبيل الوحيد لتفادي المزيد من التوترات وحماية وحدة البلاد، والحمدلله اليوم لدينا حكم جديد يجب أن ندعمه ونثق بقرارته الرامية لمستقبل أفضل للسوريين، ونضع أنفسنا تحت ظل الدولة ونقبل بقضائها وبتطلعاتها المستقبلية".