هل ينجح ترامب بـ"نكبة جديدة" لشعب متمسّك بأرض أجداده؟
31 كانون الثاني 2025
09:21
Article Content
ربما كان على الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يدرك أن مأساة نكبة 1948 شكلت العامود الفقري لثقافة فلسطينية باتت رمزاً تأسيسياً لهوية شعب، تجسّدت بـ"حنظلة" و"الكوفية" و"المفتاح" الذي أضحى "ملحمة" العودة المنتظرة لكل فلسطيني هُجّر من منزله في حينه.
كُتب ما لا يحصى من الروايات والأغاني والقصائد عن هذه النكبة، إلى حد حملت الشاعر الفلسطيني محمود درويش إلى وصفها بأنها "حاضر ممتد يبشر بالإستمرار في المستقبل".
عام 1998، اقترح ياسر عرفات أن يحيي الفلسطينيون الذكرى السنوية الخمسين للنكبة التي أعلنت يوم 15 أيار، أي اليوم التالي لإستقلال إسرائيل في عام 1948، ما أضفى الطابع الرسمي على هذا التاريخ.
ولا مبالغة في القول، أن هذا الموروث الثقافي الذي خرج من رحم النكبة، كان المحرك لتراكمات نضالية للشعب الفلسطيني على مر السنين في سبيل استراجاع حقه، فلم يثنه عن ذلك، كل التطهير العرقي، والتهجير، والاستحواذ على جزء كبير من الأراضي، وتدمير القرى والمدن، وإقامة المستوطنات في الأماكن المدمرة، وتغيير أسماء الأماكن، والاعتداء على المقدسات.
وبعيداً عن التقييمات (بين الصح والخطأ لحرب غزة)، شكّل مشهد الطوفان البشري لعودة سكان غزة، سيراً على الأقدام، من جنوب القطاع إلى شماله المدمر كلياً، فور إعلان وقف إطلاق النار قبل أيام، الملحمة المتجددة لهذا الموروث الثقافي.
قد يُقال الكثير بين مؤيد ومعارض، لكن يبقى أن "الموروث الثقافي" لأي شعب في العالم، هو الشعلة الملتهبة للاصرار على الحقوق، والتي لا يمكن أن تكون سلعة في سوق العرض والطلب، وفقاً منطق "رجل الأعمال" دونالد ترامب رغم كل مغريات الترغيب أو موبقات الترهيب التي يمكن أن يمارسها على حكومات المنطقة للوصول إلى هدفه وهو ترحيل سكان قطاع غزة.
وأعاد تأكيداته مجدداً على تصريحه الذي أثار رفضاً عربياً ودولياً بأنه "لن يتراجع عن فكرة نقل الفلسطينيين من غزة"، مبرراً ذلك بأنه "يرغب في رؤيتهم يعيشون في منطقة بلا اضطرابات أو ثورات".
قد ينجح ترامب وبطرق ملتوية بالضغط على بعض دول المنطقة وخصوصاً الأردن ومصر اللتين اعلنتا على الفور، رفضهما لأي تهجير فلسطيني، والتسبّب بـ"نكبة جديدة"، وجددتا موقفهما الرافض لأي مخططات إسرائيلية أو غيرها من أجل نقل سكان القطاع، معتبرتين أنها حملة تهجير ثانية، تشكل خطراً جسيماً على الأمن والاستقرار الإقليمي.
من المؤكد أن "نعمة السلام" لن تعم هذه المنطقة الحيوية من العالم، إلا بالوصول إلى حل عادل للقضية المركزية وهي القضية الفلسطينية. والاكيد أيضاً أنه وعلى مر العقود منذ نكبة 48، لم تنجح الأحداث المفتعلة بين دول المنطقة، في طمس القضية الفلسطينية، رغم تراجعها في أوقات عدة في سلم الأولويات.
كان ممسكاً بقلمه لتوقيع سلسلة من الأوامر التنفيذية في مستهل ولايته الرئاسية الثانية، عندما تحدث ترامب عن" أشياء جميلة يمكن القيام بها" في قطاع غزة. وفُسّرت هذ التصريحات على أنها رغبة الرئيس في إعادة إعمار القطاع.
هل يريد ترامب إعادة إعمار غزة بالتوازي مع نقل سكانها؟ ولماذا لا يفعل ذلك دون نقل سكان القطاع؟ وهل يستطيع تنفيذ هذا الوعد مع الرفض التاريخي للفلسطينيين وجيرانهم له؟
وقال ترامب للصحافيين: "نظرت إلى صورة غزة.. إنها مثل موقع هدم ضخم.. يجب إعادة بنائها بطريقة مختلفة. غزة موقع رائع. على البحر، أفضل طقس. كل شيء جيد. يمكن القيام ببعض الأشياء الجميلة بها.. يمكن القيام ببعض الأشياء الرائعة فيها".
ويشار إلى انه فور دخول قوات الاحتلال الاسرائيلية إلى غزة، بادرت الشركات العقارية الإسرائيلية إلى طرح إعلانات لمشاريع سياحية عمرانية وفنادق على شواطئ غزة، داعية للاستثمار في هذا المجال. وتم الترويج للخطة، وفق ما نقله موقع "الحرة" حينها، لمناطق فلسطينية لـ"تحويلها لوجهة سياحية عالمية ناجحة".
وتشبه هذه التصريحات ما قاله صهره ومستشاره السابق، جاريد كوشنر، في شباط من العام الماضي، بأن ساحل غزة له "قيمة كبيرة" واقترح في الوقت نفسه أن تنقل إسرائيل الفلسطينيين من غزة.
ويشار إلى أنه عندما كان كوشنر مستشاراً لترامب في ولايته الأولى، وتولى ملف ما وصفت بأنها "صفقة القرن،" أصدر البيت الأبيض في 2019 ما سماها خطة "السلام من أجل الرخاء في الشرق الأوسط".
ولطالما كانت أزمة اللاجئين المحرك الرئيسي للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وكانت واحدة من أكثر القضايا الشائكة. وبينما يطالب الفلسطينيون بحق العودة، تطالب إسرائيل باستيعابهم في الدول العربية المجاورة، ومن بينها مصر والأردن.
وفي ولايته الأولى وتحديدا عام 2020، أعلن ترامب ما عُرف في حينه بـ"صفقة القرن"، حيث كان يهدف من وراء ذلك، إقامة وطن بديل للفلسطينيين في الأردن، وإنهاء فكرة حل الدولتين على حساب المملكة، وتحقيقا لإقامة "دولة إسرائيل الواحدة الكبرى"، كما يسمونها.
في 20 تشرين الأول 2023، أي قبيل تقدم إسرائيل بريًا في قطاع غزة، نشر السفير المصري في واشنطن، معتز زهران، مقالاً في موقع "ذا هيل" الأميركي تعليقاً على هجوم حماس في السابع من الشهر نفسه، قال فيه: "موقف مصر واضح: فهي لا تستطيع أن تكون جزءًا من أي حل يتضمن نقل الفلسطينيين إلى سيناء. فمثل هذه الخطوة من شأنها أن تؤدي إلى نكبة ثانية، وهي مأساة لا يمكن تصورها لشعب صامد تربطه علاقة لا تنفصم بأرض أجداده".