مدير تحرير "الشروق" للأنباء": خطر شديد على القضية الفلسطينية قد يؤدي الى نشوب حروب
سيناريو جديد لتهجير الفلسطينين.. ومخاوف من إشعال الشرق الأوسط
29 كانون الثاني 2025
14:06
آخر تحديث:29 كانون الثاني 202514:24
Article Content
لم تنتهِ محاولات وخطط تهجير الفلسطينيين منذ عام 1948. من النكبة الى النكسة وصولاً الى الاقتراح الأخير للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بنقل سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن بحجة ترتيب المنطقة بالكامل. اقتراح ترامب لاقى رفضاً فلسطينياً ومصرياً وأردنياً، لجملة من الاعتبارات التي يمكن تأطيرها بعنوانين عريضين الأول حماية الحق الفلسطيني والإخلال بالأمن والاستقرار الإقليمي.
وفي تفاصيل الاقتراح، قال الرئيس الأميركي في تصريح منذ أيام "أود أن تستقبل مصر أشخاصاً... أود أن يستقبل الأردن أشخاصا"، مضيفاً: "أفضّل التواصل مع عدد من الدول العربية وبناء مساكن في مكان مختلف حيث قد يكون بإمكانهم العيش بسلام"، لافتاً الى أن نقل سكان غزة قد يكون "موقتاً أو طويل الأجل".
التصدي المصري
الحديث عن النقل المؤقت لم يعد ينطلي على أحد، وتهجير الفلسطينيين يندرج في صميم "التفكير الإسرائيلي الدائم عن طريق إخلاء الأرض الفلسطينية من سكانها والسيطرة عليها"، على حد تعبير الكاتب الصحافي ومدير تحرير جريدة الشروق، خالد سيد أحمد.
وبالمقابل، الرفض المصري لهذا التوجه ليس جديداً، فمنذ بداية الحرب على غزة وجميع المواقف المصرية الرسمية أعلنت جهارة رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم، إذ يوضح سيد أحمد بأن دوافع الموقف المصري مردها استشعارها "للخطر الشديد على القضية الفلسطينية حال تنفيذه"، وكذلك لأنه قد يؤدي الى "الإخلال بالأمن والاستقرار الإقليمي ونشوب حروب، بالتأكيد دول المنطقة في غنى عنها".
الى ذلك، يشير سيد أحمد الى أن التصدي المصري أو مواجهة مصر لهذا المخطط الإسرائيلي والمدعوم أميركياً وغربياً بنسب متفاوتة، يمكن أن يحصل على عدة مستويات، وذلك انطلاقا من أن مصر ليست دولة صغيرة ليفرض عليها هذا السيناريو. ومن ناحية أخرى، يرى سيد أحمد أن لدى مصر أدوات سياسية يمكن أن تلجأ إليها عن طريق علاقاتها الدولية سواء مع المجتمع الدولي في الأمم المتحدة، أو دول الإتحاد الأوروبي أو روسيا وغيرهم، وتستطيع بناء قاعدة سياسية كبيرة لمواجهة هذا الأمر. وفي المقلب الآخر، فمن خلال المحيط العربي تستطيع مصر باعتبارها دولة عربية كبيرة ومؤثرة في محيطها أن تبني موقفاً عربياً كبيراً للتصدي لهذا المشروع الذي يدمر القضية الفلسطينية، وفق سيد أحمد.
وبالإضافة الى التعويل على الموقفين الدولي والعربي، يلفت سيد أحمد الى أن مصر لديها قوة عسكرية عظيمة يمكن أن تلجأ اليها في آخر المراحل حال تم فرض سيناريو التهجير، لكنه يستبعد ذلك والتعويل أولاً على الطرق الدبلوماسية والسياسية، معرباً عن قدرة مصر على تجاوز ذلك كما تجاوزته في بداية الحرب، أي في عز استخدام القوة العسكرية الإسرائيلية المدعومة أميركياً، ومضيفاً: "فأما الآن بالضغوط السياسية أظن لن يتم مرور هذا الأمر".
مصر قادرة على أن "تدافع عن حقوقها ومصالحها وتدافع أيضاً عن القضية الفلسطينية"، يقول سيد أحمد، ويضيف: "فعلاً هناك بعض الضغوط الاقتصادية التي قد تلجأ اليها الولايات المتحدة لمعاقبة مصر حال تدهورت الأوضاع لكن مصر لديها من الوسائل للدفاع عن نفسها".
الى ذلك، يحكم كل من مصر والعدو الإسرائيلي اتفاقية سلام، وفي سياق ربطها بالمقترح "الترامبي" أو الدفع عنوة بالفلسطينيين الى خارج غزة لجهة مصر، يرى سيد أحمد أن اتفاقية السلام لن يعود لها قيمة حال إقدام إسرائيل على تنفيذ مثل هذا السيناريو بالقوة الجبرية أو العسكرية وطرد الفلسطينيين من أرضهم، مشدداً على أن هذا لن يحدث انطلاقا الى أن مصر تملك جيش وطني قوي، وأيضاً هناك مجتمع دولي لن يسمح باشتعال الشرق الأوسط..
وفي سياق متصل، يأمل سيد أحمد "ان تدرك الدول العربية عدم ترك مصر وحيدة في هذه المواجهة، لأنه إذا تم فرض هذا الأمر على مصر بضغوط اقتصاديه أو سياسية، فالخاسر الأكبر هو العالم العربي الذي لن يشهد استقرارا ولن يكون بعد ذلك وجوداً للقضية الفلسطينية إذ فُرض واقع التهجير أو إخلاء فلسطين من أهلها وسكانها الأصليين".
لا نكبة ثانية!
الى ذلك، التعويل على الإرادة والصمود الفلسطيني في إهباط هذه المخططات هو الحاسم، ومشهد العودة الى شمال غزة، كفيل بإحباط أي مشاريع إبعاد أو تهجير. وهنا يرى سيد أحمد أن "الرهان الأساسي في هذه المرحلة والمرحلة المقبلة هو على الشعب الفلسطيني المتمسك بأرضه وترابه وحقوقه في البقعة الجغرافية التي يعيش عليها، هذه أرض فلسطين وهم أولى بها وهم أكدوا أكثر من مرة أنه لن تكون هناك نكبة ثانية"، مؤكداً أن كل المؤشرات تقول إنهم متمسكون بأرضهم حتى لو كانت أنقاض وهذا ما رأيناه وهم عائدون الى شمال غزة.
حل الدولتين
مصير القضية الفلسطينية معلّق، فالقرارات الدولية جد جلية، إنما الفكر الصهيوني بأهدافه التوسعية الاقتصادية والأمنية، ما جعل من تسوية حل الدولتين حلاً قائماً مع وقف التنفيذ. وفي هذا الصدد، يلفت سيد أحمد الى أنه "يمكن أن يكون حل الدولتين هو المنقذ لهذه المنطقة، وأداة النجاة للوصول الى السلام والاستقرار وأن تنعم شعوب الدول العربية بالأمن والتنمية، ولكن بوجود اليمين الإسرائيلي المتطرف لن يكون هناك وجوداً لحل الدولتين"، معيداً ذلك الى أن "الإسرائيليي لا يرون أي وجود لهذا الشعب الفلسطيني، ولا حقوقاً له ويقولون أن القدس وغزة كلها أراض إسرائيلية، ومع هذا المنطق يستحيل أن تتحدث عن حل الدولتين أو إقامة سلام"، لافتاً الى أنه "أصبح غير موجود ولن يكون موجوداً على المدى القريب خصوصاً الآن وبعد 7 أكتوبر في ظل هذا التطرف الإسرائيلي غير المسبوق والتوغل الكبير في الدم العربي الفلسطيني".
ويضيف: "المواجهة والصراع سيظلان مستمران الى ما لا نهاية الى أن يتغير المجتمع الإسرائيلي، وأنا أستبعد هذا".
ويشدد سيد أحمد على وجوب أن "يكون هناك موقفاً عربياً داعماً للحقوق الفلسطينية وألا يكون الموقف العربي خنجراً في ظهر الفلسطينيين، بمعنى ألا نهرول نحو التطبيع بدون أن يكون هناك مقابل بدولة فلسطينية حقيقية على الأراضي التي إحتلُت عام 67". وفي السياق، يثني سيد أحمد على الموقف السعودي الذي كان واضحاً "بعدم الدخول في تطبيع للعلاقات مع الكيان الصهيوني بدون حصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة في دولة مستقلة وهذا أمر جيد وينبغي البناء عليه، لأن المملكة هي الورقة الأخير في يد العرب".
مواقف رسمية رافضة
وفي إطار المواقف الرافضة، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن "ترحيل وتهجير الشعب الفلسطيني ظلم لا يمكن أن نشارك فيه"، محذراً من أن "ما يتردد حول تهجير الفلسطينيين لا يمكن أبداً التساهل أو السماح به لتأثيره على الأمن القومي المصري"، مشيراً الى أن مصر عازمة على العمل مع ترامب للتوصل لسلام منشود قائم على حل الدولتين.
وشدد السيسي على أنه لا يمكن أبداً التنازل عن ثوابت الموقف المصري التاريخي للقضية الفلسطينية، مضيفاً: "هناك حقوق تاريخية لا يمكن تجاوزها.. والرأي العام المصري والعربي والعالمي يرى أن هناك ظلماً تاريخياً وقع على الشعب الفلسطيني طوال 70 عاما"، مشيراً إلى أن "ما يحدث منذ 7 أكتوبر وحتى الآن هو نتيجة لتداعيات عدم التوصل إلى حل القضية الفلسطينية".
بدوره، أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، رفض بلاده لاقتراح ترامب، مشدداً على تمسك بلاده بحل الدولتين بإعتباره "سبيلا وحيدا لتحقيق الأمن والأستقرار والسلام في المنطقة"، على حد تعبيره.
إنها ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها ترامب عن تهجير الفلسطينيين، فتناولها في حملاتها الانتخابية، وسبق أن قدم دعماً غير محدود لإسرائيل، وأبرزها نقل السفارة الأميركية إلى القدس و"صفقة القرن". وعليه، قضية العرب الأساسية في مهب السياسات الأميركية والأطماع الصهيونية، فالمشروع الإسرائيلي الذي واضب العدو الإسرائيلي على الترويج له لمطامع ومكاسب جمّة، يحتاج الى موقف دفاعي وهجومي عربي شديد، وتحديداً في ظل الحديث عن شرق أوسط جديد واتفاقيات سلام، بالإضافة الى المتغيرات والمستجدات الحاصلة في المنطقة.. الشعب الفلسطيني الأعزل يواجه الرصاص الإسرائيلي بصدر عارٍ، وقضيته وحقه في عهدة أصحاب الضمير العالمي!