سَبّاقٌ في سِباقِ المتغيرات... لما البيك "champion"!
28 كانون الثاني 2025
12:28
آخر تحديث:28 كانون الثاني 202513:03
Article Content
عذراً... لقد أخطأتَ التقدير، لا أخبار رياضية عن لاعب أو مدرّب، هي ليست بنشرة رياضية، لا سباقات ولا متسابقين ولا جمهور ليشجّع على أدراج الملاعب، لعلّها رياضة روحية لصفاء الذهن، وتمرين فكري لتنشيط كل ذاكرة قصيرة الأمد، يرهلها ويرهقها ويرهبها نسيان الوقائع، أو لربما تدريبها على عدم التناسي لتعتذر عند حسن التقدير، وتكون العقول المُنصِفة جمهور وحَكَم في آنٍ معاً.
وتُقدّم الميداليات لـ"champion" في الألعاب الرياضية، وفي اللعبة السياسية لا بطل ولا فائز ولا منح لأوسمة، لأنّ السياسة ليست بلعبة، إنما "رسالة، وهي في معناها تربية الجماهير على الطريق الأفضل"، كما تمناها المعلم، فالمسؤول السياسي يعاملها كعمل إستناداً لفكره السياسي، ولكن نظرية المبادىء قد تتعثر تطبيقياً بواقعية المشهد، "فهي فن الممكن، وهي أيضاً فن الأخلاق".
وإنّ السياسة علم يتقصّد نظام الدولة وسياساتها وطبيعة علاقتها بالمجتمع، لذلك فهي أطر حياتية إنسانية، ينبغي أن تُعلي الوطنية على الفئوية والطائفية، وهدفُ المصلحة العامة هدفٌ في مرمى الحصص الخاصة.
وقلّما ما شهدت الدول استقرار مستدام في سياساتها، وكم من مجريات ومتغيرات عصفت بتكوينها، لا بد رجل دولة يجيد الحدس لقراءة الحدث، وها هو البيك صاحب النظرة الثاقبة الصائبة التي تستبق الأحداث، وتُبني على حاضر رؤية مستقبلية حريصة.
وبناء مجتمع بشري أمثل على أسس الديمقراطية الصحيحة، ونظام اقتصادي واجتماعي وسياسي شامل غاية الفضلى لمفاهيم الحزب الاشتراكي، وإن أُريدت تسمية الحياة السياسية " باللعبة"، فالحزب كان وما زال لاعباً رئيسياً سباقاً في التوازنات بشهادة الحقائق والوقائع، وكان البيك "champion" واثق الخطى يمشي وليد فكر سياسي بنيوي في خدمة الدولة.
كان البيك أول المبادرين فور إنتهاء الحرب الأهلية إلى تسليم سلاح الحزب إلى الدولة، وإنهاء حقبة أليمة، لحصر السلاح والدفاع بيد الشرعية، وكان الراعي الأول لمصالحة الجبل مع البطريرك صفير، ليكون العيش المشترك نبض التفاهمات والتلاقي بين نسيج الوطن.
"وعيوننا إليكِ ترحل كل يوم" بوفاء للقضية الفلسطينية، ومناصرة سبّاقة في النهج الاشتراكي، "طريق فلسطين رسمها الشهيد كمال جنبلاط ونحن على هذه الطريق مستمرون"، كرّسها البيك أول زعماء العرب إسناداً لطوفان الأقصى.
"وجبلنا جبلكم" نخوة البيك المعروفية المعروفة أثناء العدوان، سبّاق الدولة بإستضافة النازحين، وفتح مدارس الجبل وتجهيز مراكز الإيواء بكل المستلزمات، والجامع الأول لأقطاب الدروز في "لقاء بعدران" لتثبيت وحدة الجبل وتطويق"ألغام" الفتنة، وأول المطالبين بوقف إطلاق النار وتطبيق القرارات الدولية.
وقد يُقال أن تتحدث عن البيك بمنهجية إيجابية لا بد أنك اشتراكي أو لك "مصلحة"، فالمنتقدون كثر، وقد يعتبره البعض أنه طائفي وكل يوم برأي ويبدله مع تبدل المشهد، لهؤلاء العابثين بالحقيقة، يُشهد للبيك بنضاله العروبي وثبات مواقفه القومية والهوية والمبادىء وحسّ المسؤولِ المسؤول، ومن الغباء البقاء في مكان لا يجلب المنفعة العامة، والتبدل أحياناً في بعض التحالفات الصغرى لا يُلغي الإنتماء إلى القضايا الوطنية الكبرى، ومن "يدوخ" من "استدارة" البيك فليمدّ بصره وبصيرته نحو البعيد حيث النفع العام.
أما عن طائفية البيك، فهو الوارث عن المعلم "فلتتحطم جدران الطوائف"، فهو أول زعيم لبناني يقدم تبرعات مالية الى المستشفيات والمؤسسات الصحية في كل لبنان، على إختلاف إداراتها وخلفياتها ومؤسسيها، ولم يحصرها بتلك المنشأة بالجبل، بل كانت حصرية الاهتمام بأوجاع المرضى وتأمين العلاج، والملتزم بوضع خطط اقتصادية ومالية وإصلاحية وإنمائية لبناء دولة صحية.
وعندما كان شاغل البيك شغور رئاسي دام لسنوات، كان اللقاء الديمقراطي سبّاق في حراك سياسي وجولات على كل فاعليات الوطن لإنتخاب رئيس للجمهورية، لا رئيس للدروز، وكان البيك السباق في إيواء (الشيعي)، وفي تسمية جوزاف عون(الماروني)، ونواف سلام (السني)، وهي أيضاً ليست "كراسي" للدروز، عذراً وإن قاربنا هذه المسائل بتشخيص طائفي، وجب التوضيح، فهَمُّ واهتمام البيك لا يقتصر بالشأن الدرزي بقدر خوفه على مصلحة كل أبناء الوطن بكل أطيافه، وهو الحزب الوحيد الذي تتمثل فيه كل الطوائف بمراكز قيادية، فإذا هذه المتمايزات تعد طائفية فليُبنى الوطن على أمثالها.
وكان البيك أول المطالبين بالإنسحاب السوري الذي دخل كقوة ردع وأصبح بحاجة إلى قوات لإخراجه، وفي خضم رسم الشرق الأوسط الجديد وإنهيار أنظمة، تلقى البيك بدمعة خبر سقوط السجن الكبير، فكان سبّاق المتصلين والزائرين، والى قصر الشعب كانت الوجهة في يد عدالة إلهية تنصر والده الكمال، وبيد هدية من إرث جده شكيب إرسلان، أُستقبل من الشرع بلباس مدني شرّعَ لإدراة مدنية جديدة وعقدة عنق "فكفكت" عِقَد نظام دام لعقود وعَقَد العزم لعلاقات سورية ندّية.
عذراً إن لم ننعش تلك الذاكرات المنتفضة أو ربما المتقوقعة في ظلامها وظلمها، بكل "سباقات" البيك، ولا تختصر بموجز، رحلة طويلة لا تنتهي بانتهاء كلماتنا عندها ستكون مقالة لا تنتهي، أو ربما للحديث تتمة "يتبع".
إنه وليد جنبلاط... من الفؤاد إلى الكمال عباءة ملطخة بالدماء ونفس قدر الوليد، هو التقدمي بمشوار اشتراكي ل47 عاماً، حافل بالمواقف والتضحيات، استقال البيك من رئاسة الحزب لكنه لم يستقيل همه وغيرته على هذا الوطن، ولأنّ الحياة معركة سباق نحو الحق في مجتمع إنساني خدماتي مثالي، فالبيك لم يتهرب يوماً من معركة الحق.