هل يعيد اتفاق التعاون الروسي – الإيراني خلط التوازنات الاقليمية؟
26 كانون الثاني 2025
09:57
Article Content
بعد خسارتهما الاستراتيجية في سوريا جراء سقوط نظام بشار الأسد على يد فصائل المعارضة المدعومة من تركيا، وقعت إيران وروسيا معاهدة شراكة استراتيجية شاملة، بهدف تعزيزعلاقاتهما في كافة المواضيع، وخاصة في الجيش، وذلك قبل أيام من تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، بعد تأجيل متكرر لم تحدد أسبابه وكان أخرها في تشرين الأول الماضي 2024.
وأخيرا في 17 كانون الثاني 2025 وفي زيارة هي الأولى للرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان الى موسكو منذ فوزه بالانتخابات في تموز الماضي، وقع مع الرئيس فلاديمير بوتين في الكريملين "أتفاقيةالشراكة والتعاون الشاملة"، التي تستمر مفاعيلها لمدة 20 عاما قابلة للتمديد، ومن الأهداف التي تم تحديدها احترام وحدة أراضي وسيادة البلدين أو عدم استخدام أراضيهما للقيام بأنشطة عدائية ضد الآخر، إلا أن هذه الاتفاقية جاءت مخيبة لآمال العديد من الخبراء، لأنها تضمنت سياقاً عاماً وتعبيرات واسعة، فهي لم تقدم الكثير من التغييرات المفصلية، بل هي تطوير لمسار موجود بالأساس، من دون تحديد أيٍ من الإجراءات التي انتظرها المراقبين لا سيما في المجال العسكري، إذ خلت من أي إشارة إلى "نشرمظلة نووية روسية فوق إيران، تمنع بصورةٍ حاسمة احتمال شن حرب على الأخيرة وإسقاطها"، كما لم تتضمن أي بند حول الدفاع مشترك بين الدولتين، "يجعل الحرب مع واحدةٍ منها، حرباً بالضرورة مع الأخرى". كما كان يعتقد العديد من الخبراء.
لأشهر طويلة كانت هذه الاتفاقية منتظرة، حيث تم تأجيل التوقيع مرة ً بعد أخرى في ظل مناخ من الغموض حول الأسباب والطرف الذي دفع إلى التأجيل مرة أخرى. حيث كان مقررا أن يتم التوقيع الأخير في بداية أكتوبر الماضي. لكن الأحداث التي كانت تشهدها الساحتان الشرق أوسطية والأوكرانية، وعلاقة موسكو وطهران بتلك الأحداث، تفسّر الكثير من أسباب التأجيل، وليتبيّن من بنودها أنها ليست بالحجم المتوقع للتطور الذي تلقيه على علاقة الدولتين.
خلال الصيف الماضي كان العالم يعيش على وتيرة الصراع الانتخابي الأميركي، وكان الجميع يقيسون خطواتهم بما يتناسب وتفضيلاتهم للنهج الذي يجب أن يفوز في أميركا، لذلك تجنبت كل من موسكو وطهران الاصطدام بواشنطن بصورةٍ مباشرة، أو اتخاذ خطوات قد تحسّن فرص المرشح غير المرغوب بالنسبة لكلٍ منهما.
ففي حين فضّل الروس وصول ترامب، كان الإيرانيون يراهنون على وصول هاريس والديموقراطيين، وكان صلب الرهان على استعادة الاتفاق النووي وتوسيعه، كمدخلٍ لتحسين العلاقة وإطفاء صواعقها الكثيرة. وهذا ربما كان أحد أسباب عض إيران على جراحها التي كانت تتزايد. فعلى وقع ذلك تأجلت الاتفاقية من تشرين الأول.
في مطلع تشرين الثاني فاز ترامب فوزاً ساحقاً، وكانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد وصلت ذروتها، والخيارات أمام إيران صعبة، ثم إن الأمل باستعادة الاتفاق النووي قد حملته معها هاريس إلى صفحات مرحلة مضت. وبدا أن الروس سيكسبون رهانهم.
لكن ما جرى لاحقاً من ضغط أميركي شارك به الرئيس ترامب على نتنياهو لإنهاء حربي غزة ولبنان، إضافة الى تغير الحكم في سوريا بسرعة خاطفة، بفعل ضربات المعارضة المدعومة من تركيا، كما بدأت تفقد نوايا ترامب واقعيتها لوقف الحرب الأوكرانية، بعد رفض الروس والأوكرانيين صيغة الاقتراح الأولى للتسوية. وفي الوقت نفسه، واصل ترامب تمرير التهديدات لإيران، فاستدركت الأخيرة حجم المخاطر من وصول الرئيس غير المرغوب فيه، فتعاملت بمرونة وواصلت توجيه الرسائل الإيجابية، ومعها تأجلت الاتفاقية مع الروس مرة جديدة إلى بداية العام، وهذه أبرز نقاطها:
التعاون العسكري والأمني:
• تعزيز التعاون العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين.
• التخطيط لإجراء تدريبات عسكرية مشتركة وتبادل الخبرات في المجالات الدفاعية.
• التزام بعدم السماح باستخدام أراضي أي من البلدين لشن هجمات ضد الآخر.
التعاون الاقتصادي والتجاري:
• تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية، بما في ذلك مبيعات التكنولوجيا النووية المدنية والغاز من روسيا إلى إيران.
• إنشاء ممرات نقل جديدة وتعزيز البنية التحتية للنقل بين البلدين.
• التعاون في مواجهة العقوبات الاقتصادية الغربية وتطوير آليات للتغلب على تأثيراتها.
التعاون في مجال الطاقة:
• توسيع التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك تطوير مشروعات مشتركة في مجالات النفط والغاز والطاقة النووية السلمية.
• تسهيل إمدادات الغاز بين روسيا وإيران وأذربيجان.
وعلى مستوى التعاون العلمي والثقافي:
• تعزيز التعاون في مجالات العلوم والتعليم والثقافة، بما في ذلك تبادل الطلاب والباحثين وإقامة فعاليات ثقافية مشتركة.
• تطوير مشاريع مشتركة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والابتكار.
وكان مهماً أن الاتفاقية الشاملة تضمنت التعاون في مجال البنى التحتية
التعاون في مجال النقل واللوجستيات:
• تطوير ممرات نقل جديدة لتعزيز التجارة وتسهيل حركة البضائع بين البلدين.
• تحسين البنية التحتية للنقل وتسهيل الإجراءات الجمركية لتعزيز التعاون الاقتصادي.
التعاون في مواجهة التهديدات المشتركة:
• التنسيق في مواجهة التهديدات الأمنية المشتركة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
• تبادل المعلومات والخبرات في مجال الأمن السيبراني وحماية البنية التحتية الحيوية.
يرى المراقبون أن بنود الاتفاقية لا تعدو كونها تعزيزاً للسياق الموجود بين البلدين، لمواجهة التحديات المشتركة، في ظل العقوبات الغربية المفروضة على البلدين.
لكنها تعزز قدرة إيران على تجاوز ضغوط العقوبات الأميركية من خلال دعم روسي على مستويات متعددة، خاصة في قطاعي الطاقة والنقل. فهي توفر لطهران دعماً تقنياً واقتصادياً يعزز مرونتها أمام محاولات الولايات المتحدة عزلها. كما تمنح إيران ورقة تفاوضية أقوى على طاولة المباحثات النووية مع الغرب.
كما إنها تأكد توجه روسيا نحو بناء تحالفات تمكنها من مقاومة العقوبات الغربية المفروضة بعد بدء حربها في أوكرانيا. وهذه الاتفاقية تعمق انخراطها مع قوى الشرق الأوسط المناهضة للهيمنة الأميركية، وتعيد توجيه سياساتها بعيداً عن التوافق التقليدي مع الغرب.
يعتقد البعض أن هذه الاتفاقية قد توفر دعماً لإيران يمكنها من إعادة صياغة دورها الإقليمي، بعد الأحداث الأخيرة وخسارتها في سوريا. وهذا الحضور قد يعيد رسم خطوط التوازن بين إيران من جهة، والقوى المتحالفة مع واشنطن من جهة ثانية، لا كن ذلك لا يبدو منطقيا في ظل التناغم المتنامي لتحسن العلاقات الإيرانية-السعودية، ووجود علاقات ممتازة بين الأخيرة وكل من روسيا والصين. كما أن لروسيا علاقة دقيقة مع إسرائيل، ظهر في أحداث سوريا.
يشكل التعاون العسكري بين موسكو وطهران، لا سيما في مجال الطائرات المسيّرة، مصدراً إضافياً لتعزيز القدرات الروسية في أوكرانيا، وقد أظهرت الحرب قدرة إيران على لعب دور المورّد الأساسي للتكنولوجيا العسكرية لروسيا، ما يزيد من تكاليف الصراع على أوكرانيا وحلفائها الغربيين. وقد تؤدي أيضاً الى تصعيد المواجهة بين الغرب من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى،إذ من المتوقع أن تعمد واشنطن وحلفاؤها إلى فرض مزيد من العقوبات على طهران وموسكو، في محاولة للحد من التعاون العسكري بينهما، إذا لم يتمكن ترامب من رعاية تسوية سياسية توقف الحرب الأوكرانية.
يعيد الاتفاق الروسي-الإيراني تشكيل مشهد أمن القوقاز، خاصة في ظل التوترات المستمرة بين أذربيجان وأرمينيا. قد تتمكن إيران وروسيا كحلفاء متقاربين من إعادة صياغة علاقاتهما هناك، بعدابتعاد أرمينيا خطوات عن موسكو واقترابها من واشنطن، ومعارتفاع مستوى النفوذ التركي-الأذربيجاني المتزايد في المنطقة.
يشكل التعاون في قطاعي النفط والغاز بين روسيا وإيران تحدياً كبيراً للنظام الاقتصادي العالمي الذي تقوده واشنطن، كما أن فتح قنوات لتبادل التكنولوجيا والطاقة بين البلدين قد يقلل من تأثير العقوبات الغربية ويمنح البلدين القدرة على توجيه موارد الطاقة نحو أسواق آسيا، لكن هذا الاتجاه قد يؤدي إلى تصاعد المنافسة مع قطر والسعودية على أسواق الغاز الطبيعي المسال، ويمكن أن يدفعإلى استحداث آليات تنسيق جديدة لإدارة صادرات الطاقة بشكل مشترك، في ظل إعلان ترامب حالة طوارئ نفطية في بلاده لخفض أسعار النفط، والدفع نحو صياغة قواعد السوق العالمي للطاقة.
الرئيس بوتين قال بعد توقيع الاتفاق مدافعاً أن "هذا يخلق ظروفا أفضل للتعاون الثنائي في جميع المجالات". وأضاف "نحن بحاجة إلى قدر أقل من البيروقراطية والمزيد من الإجراءات الملموسة. وسنكون قادرين على التغلب على أي صعوبات يخلقها الآخرون والمضي قدما" وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن "إيران شريك مهم بالنسبة لنا ونعمل معها على تطوير تعاون متعدد الأوجه ".
لكن رغم كل ذلك، وفي مقابل الأجواء التفاؤلية التي بثتها الدولتين،يعتقد العيد من المراقبين، أن الدولتين تتصافحان، بينما أعين مسؤوليهما على واشنطن، وتنتظران تمتد يداً من ترامب إلى إحداهما.