ترامب وضوابط الدولة العميقة
24 كانون الثاني 2025
08:04
آخر تحديث:24 كانون الثاني 202508:08
Article Content
يعود دونالد ترامب إلى البيت الابيض أقوى مما كان عليه في ولايته الاولى قبل أربع سنوات، والتي اطاحت به الانتخابات الرئاسية لمصلحة جو بايدن، مدفوعاً هذه المرة بالانتقام من الدولة العميقة التي أثارت في وجه ملفات كثيرة بدءاً باتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات لمصلحته ضد منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون عام 2016 مروراً بمحاولتي عزله خلال رئاسته الأولى لتجاوزاته الدستورية، وصولاً إلى واقعة الكابيتول والفضائح الجنسية والتهرب الضريبي.
ترامب الذي صعد إلى قمة هرم النظام من خارج الدولة العميقة بمؤسساتها السياسية والاقتصادية والقضائية والأمنية والدفاعية والاستخباراتية، سيواصل على ما يبدو "العنجهية" التي كان يمارسها في تعاطيه مع القضايا والمشكلات الدولية في وقت يبدو أنه من الصعب توقع القرارات التي يمكن أن يتخذها والتي تتضارب في بعض الاحيان مع الخطوط العريضة للدولة العميقة التي تشكل العمود الفقري لإدارة الدولة وتوجهاتها وسياساتها.
ويبدو واضحاً أن ترامب سيواصل (ربما مع بعض الضوابط التي واجهها في ولايته السابقة) "سياسة العرض والطلب" كونه رجل أعمال، متجاهلا أن في عالم السياسة، ثلاثة أنماط من الرؤساء، لا رابع لهم (إذا استبعدنا الروساء الدمى)، وهم: "الديبلوماسي، ولاعب الشطرنج، ولاعب البوكر (المغامر)".
وبعيداً عن الأفضل بين هذه الأنماط (لأن المواقف محكومة بالمعطيات)، فإن منطق العرض والطلب ليس دائماً "سلعة رابحة"، وذلك لأن الأمور محكومة بمعايير ومقاربات على قاعدة "وماذا بعد.. وأين المصلحة العليا"، وفي ضوء ذلك، يُتخذ القرار الذي عادة ما يكون على عاتق مؤسسات الدولة العميقة في البلاد.
وكان موقع "أكسيوس" الاميركي أورد الشهرالماضي أن فريق ترامب يتأهب للسيطرة على مؤسسات الدولة العميقة آخذين على عاتقهم فضح ما يزعمون أنها مؤامرات تحيكها الدولة العميقة، مشيراً إلى أن ترامب هو من صاغ "الكذبة الكبرى" حيث رفض الاعتراف بالهزيمة في انتخابات الرئاسة عام 2020، زاعماً وجود مؤامرة تمثلت في تزوير في عمليات التصويت.
ويشمل فريق ترامب الجديد أغنى رجل في العالم إيلون ماسك، وروبرت كينيدي الابن، سليل أشهر العائلات السياسية في الحزب الديمقراطي، وكاش باتيل الذي تحتفي به حركة اليمين المتطرف المعروفة في الولايات المتحدة باسم "كيو أنون" التي تتبنى نظريات المؤامرة.
وأفاد أكسيوس بأن جميعهم (بغض النظر عن مدى نفوذهم) يعتقدون أن شبكة "خفية" من الأعداء تستهدفهم، ومن واجبهم استئصالها نيابة عن ترامب، متوقعاً أن يمسك هذا الفريق بزمام الدولة العميقة.
وقال الباحث في نظريات المؤامرة في جامعة ميامي، جوزيف أوسينسكي، إن معايير ترامب في اختيار من سيتولون الوظائف العليا تعتمد على مدى إيمانهم بنظريات المؤامرة، وما إذا كان لديهم عداء، وليس بالضرورة أن يكونوا من أعضاء الحزب الجمهوري.
ومع ذلك، فإن حكومة منغمسة في نظريات المؤامرة يمكن أن تكون "بالغة الخطورة"، كما يعتقد أوسينسكي، قائلا إن الحكومات عندما تنخرط في نظريات المؤامرة ثم تتصرف على أساسها، فإنها تحتكر بعد ذلك استخدام القوة التي تستمدها من سلطتها في الحكم.
وفي حين أن عدد الأشخاص الذين يتبنون نظريات المؤامرة لم يتزايد بالضرورة بمرور الوقت، كما يقول أوسينسكي، إلا أن أصحاب نظريات المؤامرة وجدوا مكاناً لهم في أيديولوجية ترامب ورسائله.
ويشار إلى ان ترامب ولتحقيق أهدافه، يعتمد على سيطرة الجمهوريين على الكونغرس، والأغلبية المحافظة من القضاة في المحكمة العليا، ولكن هناك ضوابط وتوازنات وتحديات أخرى تتجلى بستة عوامل قد تكبح خططه خلال ولايته الثانية وهي:
1 - الأغلبية الضئيلة في الكونغرس، حيث منحت انتخابات تشرين الثاني الماضي في مجلس النواب الجمهوريين 220 مقعداً في مجلس النواب مقابل بـ 215 للديموقراطيين، ومنذ ذلك الحين، استقال عضوان من أعضاء الكونغرس الجمهوريين، ومن المتوقع أن يتبعهما عضو آخر، ما يقلّص تقدم الحزب إلى فارق عضوين فقط، على الرغم من أن الانتخابات على المقاعد الشاغرة ستُجري في الأشهر المقبلة.
وفي مجلس الشيوخ، يشغل الجمهوريون 53 مقعداً، مقابل 47 مقعداً للديموقراطيين، وهذا يعني أنهم أقل من الأغلبية الساحقة (60 صوتاً) اللازمة لتجنب عرقلة التشريع، إذ يمكن للمشرعين المعارضين في الوضع الراهن تأخير أو حتى تعطيل التصويت.
2 - القضاء المستقبل حيث تشكل المحكمة العليا أعلى سلطة قضائية في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن ستة من قضاتها التسعة محافظون حالياً، ثلاثة منهم رشحهم ترامب خلال ولايته الأولى، لكن هذا لا يضمن أن تكون جميع أحكام المحكمة داعمة لخطط إدارته، حيث سارع أحد القضاة لايقاف قراره بتقييد منح الجنسية الاميركية بالولادة، وذلك يعد ساعات من توقيع ترامب على القرار.
3 - حكومات الولايات والحكومات المحلية، حيث يمنح التعديل العاشر لدستور الولايات المتحدة، سلطات واسعة لحكومات الولايات، التي تشرف تقليدياً على الأمن والصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، والقانون الجنائي ولوائح العمل وقوانين الملكية، بينما تتعامل المقاطعات والمدن مع السلامة العامة والتخطيط الحضري واستخدام الأراضي.
4 - الخدمة المدنية الأميركية (حيث يحدّ الهيكل الفيدرالي الأميركي من التغييرات التي يمكن أن يفرضها البيت الأبيض).
5 - المجتمع المدني ووسائل الإعلام، وذلك لانه من المرجح أن يواجه انتقادات مستمرة من وسائل الإعلام ذات الميول الليبرالية، ومنظمات المجتمع المدني، مثل اتحاد الحريات المدنية الأمريكية (ACLU).
6 - التأييد الشعبي ذلك أنه فاز في التصويت الشعبي بنسبة 49.9 في المئة - أقل من نصف الناخبين - وكان متقدماً بفارق 1.5 نقطة مئوية فقط عن منافسته كاميلا هاريس.
الأكيد هو اننا أمام مشهد جديد من "الأنا" الترامبية التي رسمت سلوكيات تعاطيه خلال إدارته السابقة وشهدت بالمناسبة رقماً قياسياً من الإقالات في صفوف موظفيها جراء مزاجية رئيس قد يُكتب الكثير عن سياسته التي يندُر إيجاد أحد يمكنه ضبط إيقاعها.