عودة الرياض إلى سوريا... بداية مرحلة عربية جديدة
20 كانون الثاني 2025
20:07
Article Content
في خطوة من شأنها تعزيز الدعم العربي للشعب السوري، لا سيما بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، استضافت الرياض بحضور وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني اجتماعين متتاليين، الأول جمع وزراء خارجية دول عربية بحضور وزير الخارجية التركي، وآخر إنضم إليه مسؤولون غربيون من فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا إلى جانب المبعوث الأممي الى سوريا بيدرسون والمفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الإتحاد الأوروبي وكايا كالاس، إضافة إلى وكيل وزارة الخارجية الأميركي جون باس.
إجتماعات الرياض هي الأولى التي يشارك فيها وزير خارجية الإدارة السورية الجديدة. حيث بحثت خطوات دعم الشعب السوري، وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة المهمة من تاريخه، ومساعدته في إعادة بناء سوريا دولة عربية موحدة، مستقلة آمنة لكل مواطنيها، لا مكان فيها للإرهاب، ولا خرق لسيادتها أو اعتداء على وحدة أراضيها من أي جهة كانت، وتأتي هذه اجتماعات استكمالاً لمسار "اجتماعات العقبة" حول سوريا التي عقدت في الأردن في 14 كانون الأول 2024. والتي أكدت الوقوف إلى جانب الشعب السوري، وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة التاريخية لإعادة بناء وطنه على الأسس التي تحفظ أمنه واستقراره وسيادته ووحدته، وتلبي حقوق شعبه في حياة آمنة، حرة، مستقرة، كريمة على أرضه.
بعد الاجتماع أكد الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، على أهمية رفع العقوبات الأحادية والأممية المفروضة على سوريا، لافتاً إلى أن استمرارها يعرقل طموحات الشعب السوري في إعادة البناء، وتحقيق التنمية والاستقرار.
وأوضح الأمير فيصل بن فرحان أن "معالجة أي تحديات أو مصادر للقلق تكون عبر الحوار، وتقديم الدعم والمشورة، بما يحترم استقلال سوريا وسيادتها، مع الأخذ في الاعتبار أن مستقبلها شأن سوري"، إيماناً من السعودية بأن السوريين هم الأحق بإدارة شؤونهم وتقرير مصيرهم وفق حوار داخلي يفضي إلى الخروج من الأزمة في كامل منعطفاتها.
وقال وزير الخارجية السعودي إن الاجتماع يأتي لتنسيق الجهود لدعم سوريا، والسعي لرفع العقوبات عنها، مرحباً بقرار أميركا بشأن الإعفاءات المتصلة بها، ومطالباً الأطراف الدولية برفعها، والبدء عاجلاً بتقديم جميع أوجه الدعم الإنساني والاقتصادي، وفي مجال بناء قدرات الدولة السورية، ما يهيئ البيئة المناسبة لعودة اللاجئين.
وأوضح أن المشاركين في اجتماعات الرياض بشأن سوريا رحَّبوا بالخطوات الإيجابية للإدارة الجديدة في دمشق؛ للحفاظ على مؤسسات الدولة، واتخاذ نهج الحوار مع الأطراف السورية، والتزامها بمكافحة الإرهاب، وبدء عملية سياسية تضم مختلف مكونات الشعب، بما يكفل استقرار البلاد، وسيادة ووحدة أراضيها، وألا تكون مصدر تهديد لأمن واستقرار دول المنطقة.
وجدّد وزير الخارجية السعودي بدوره، إدانة بلاده ورفضها التوغل الإسرائيلي في سوريا باعتباره احتلالاً وعدواناً ينتهك القانون الدولي واتفاق فض الاشتباك المبرم بين سوريا وإسرائيل في العام 1974، مطالباً بالانسحاب الفوري لقوات الاحتلال من الأراضي المحتلة.
وتسيّر السعودية منذ أيام مساعدات إنسانية إلى دمشق عبر جسرين بري وجوي يحملان على متنهما مواد غذائية وإيوائية وطبية؛ لتخفيف آثار الأوضاع الصعبة التي يمر بها الشعب السوري حالياً، وذلك ضمن دعمها المتواصل له منذ اليوم الأول للأحداث التي شهدتها بلادهم عام 2011، حيث استضافت الملايين منهم، ووفرت لهم متطلبات الحياة الأساسية من تعليم وعلاج بالمجان، وأتاحت لهم ممارسة العمل، ودمجهم بالمجتمع.
يحقق الحضور الرسمي العربي بقيادة الرياض في سوريا أنجازات مهمة يبنى عليها في كل الأبعاد لطالما أننا نرى هذا الدعم المستمر عبر الجسر الجوي والجسر البري وعبر ترجمات سياسية مختلفة.
لذلك فإن فهم حركة السياسة الخارجية السعودية تجاه للتغيير الذي جرى في سوريا، يلخص عدة قضايا أبرزها:
الملاحظة الأولى: الإعتراض السعودي القديم على السياسة الأميركية – الإسرائيلية التي رفضت إسقاط النظام السوري بعد ستة أشهر من انطلاق الثورة السلمية في آذار 2011، حيث دفع غض النظر الأميركي عن الدور الإيراني في ذلك الوقت، واستدعاء الدور الروسي، إلى انسحاب المملكة العربية السعودية من المشهد لكونها غير قادرة على التأثير الفاعل، إضافة الى انشغال الرياض بأحداث اليمن حيث الخاصرة الخلفية للمملكة العربية السعودية.
لذلك، لا بد من النظر الى حركة الخارجية السعودية في سوريا انطلاقا من هذا التاريخ الشائك، وعلاقته بالعلاقات الأميركية السعودية الملتبسة أيضاً، وفهم ماذا تريد أميركا وإسرائيل من إسقاط النظام في سوريا في هذه اللحظة وكيفية توظيف هذا الحدث في تحولات المنطقة.
الملاحظة الثانية: طريقة تعامل السعودية مع سوريا ترتكز إلى اعتراف سعودي في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، عن مسؤولية الرياض في مكان ما عن الفراغ الذي أتاح لإيران الدخول الى سوريا ولبنان والبناء على هذا الفراغ منذ العام 1982، وذلك بسبب الغياب السعودي والعربي، بالتالي فإن المملكة والدول العربية ليسوا مستعدين لترك هذا الفراغ مرة جديدة، لتملأه إسرائيل أو تركيا سيما وأن الإدارة الأميركية تتقاطع بمصالحها واستراتيجياتها مع إسرائيل وتركيا، أكثر من تقاطع مصالحها مع السعودية.
فالرياض لا تنتهج الآن سياسات ثنائية مع واشنطن، وأصبحت تدرك أن الأمن القومي العربي هو الإطار الأكثر حيوية للأمن القومي السعودي، وبهذا المعنى لن تترك الرياض سوريا لثلاثي أميركي – تركي – إسرائيلي لتقرير مستقبل سوريا بعيدا عن العمق العربي، ولا تريد الرياض لعب الدور الأوروبي الذي يضخ الأموال لإعادة الإعمار فقط.
أصبح الموقف السعودي في الإقليم العربي موقف يترجم سياسة مشتبكة مع أميركا وإسرائيل، لم تصل الى مرحلة الصدام. لكنها ليست كما الاشتباك الأوروبي الذي يقبل بأدوار ثانوية تحديدا في النطاق العربي.
الملاحظة الثالثة: هي التمايز بين المقاربة التركية ومن خلفها قطرة مع المقاربة السعودية.
المقاربة السعودية لسوريا، ان الرياض هي من سيقدم المعونات لسوريا، المقاربة التركية لسوريا، تقديم الخدمات العسكرية والأمنية من أجل كسب الأموال وحل أزمة الأقتصاد التركي، وبهذا المعنى موضوعيا، مهما يكن النفوذ التركي قوي على هذه الإدارة، إلا أن مصلحة السوريين العميقة تبقى في إطارهم العربي، الذي يساعدهم ولا يكسب على حسبهم، وقد رأينا الجسر الجوي والجسر البري للمساعدات وحجمها حيث تبدو المساعدات الأوروبية ضئيلة أمام العطاء السعودي وزخمه.
لذلك عندما تكون دوافع تركيا دوافع أستثمارية إقتصادية، وخدماتها مجرد خدمات أمنية وعسكرية، وعندما تكون دوافع إسرائيل التسلط وسرقة المزيد من الأراضي، وتفتيت المجتمع السوري الى دويلات طائفية وإثنية، وعندما تكون أميركا تلعب لعبة التوازنات الشاملة، يصبح الدور السعودي الذي اصطف خلفه مجلس التعاون الخليجي فعال ومؤثر. لذلك فإن ما قامت به الرياض تأسيسا على اجتماع عمان الأول في العقبة، يشكل إعلاناً صريحاً، أن مستقبل سوريا للسوريين أولاَ ولنا وللعرب ثانياَ، وبالتالي تحقق الرياض من خلال هذه المبادرة تقدما مهما في لحظة مناسبة وفي المكان المناسب.
على هذا الأساس بدأت المملكة العربية السعودية انتاج سياسات مترابطة لدول المنطقة بما فيها سوريا، حيث تشكلت منذ شهر تقريبا لجنة خاصة في الخارجية السعودية وفي الديوان الملكي، لمسؤولي ملفات العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وأصبحت هذه الملفات بمثابة مركز لصناعة قرار سعودي شامل، بحيث لا تصدر الرياض أي قرار تجاه أي مسألة بمعزل عن المسائل أو الملفات الأخرى، وبالتالي أصبحت سمة القرارات والمواقف السعودية ذات بعد إقليمي دولي أكثر منه بعد محلي وطني، هذا المصار السعودي الجديد سوف ينتج موقف عربي متوازن، قوي وفعال ومؤثر على مصار الأزمة السورية، بحيث يؤمن مظلة عربية وإقليمية، تؤدي إلى إعادة سوريا تدريجا إلى الوضع العربي أولا، ولا تكون رهينة أمنية لإسرائيل، أو رهينة أميركية يجري التلاعب بتوازنات القوى فيها واستخدامها لإعادة انتاج وتدوير أزمات لا تنتهي.
هذا الرصد للسياسات السعودية الخارجية العامة، لا يعني انها قد تحقق نتائج سريعة ومباشرة، لكنها تؤسس في الواقع لسياسات تنتمي لنظام مصلحة عربي جديد، يخدم مصالح المملكة العربية السعودية أولاً، والدول العربية، دون ان تؤدي الى تشابكات تعطل تقدم الحالة العربية.