قوة المزاج العام تقف إلى جانب نواف سلام
16 كانون الثاني 2025
15:27
Article Content
تلحظ ركائز العلوم السياسية أهمية قوة الإرادة العامة التي تدفع باتجاه خيارات تخدُم المصلحة العامة وتحترم المزاج الشعبي، من دون أن يكون ذلك من أجل توفير ظروفٍ مؤاتيه للاستثمار الشخصي أو الفئوي أو الحزبي. والرأيِ العام الذي وصفه الكاتب الراحل سعيد تقي الدين، بأنه "غالباً ما لا يرى الحقيقة" بل يتفاعل مع المعطيات الظاهرة؛ هو ذاته لديه قدرة هائلة على دفع الأحداث باتجاهاتٍ معينة، ولا يستطيع أحد آخر غير هذا الرأي العام تظهير الصورة ذاتها، مهما علا شأن المؤثرين عليه، أو المتحكمين بطريقه.
الدكتور نواف سلام؛ قاضٍ دولي وسفير وأكاديمي وسياسي من الطراز المنظور، وسبق أن طُرح أسمه لتولي مهام رئاسة الحكومة في لبنان أكثر من مرة، خصوصاً في المحطات التي كانت تسير فيها الأمور باتجاهاتٍ وطنية واستقلالية وسياديةٍ، وفي الأوقات التي كانت تُنشد فيها قوىً أساسية معزوفة الانسجام مع واقعية استعادة الدولة كإطارٍ لا بد منه للحفاظ على الوطن واستقراره ووحدة أبنائه، لأن لبنان عاش وصاية مقيته، ووضِع في فترات طويلة ماضية على منصَّة صراع الآخرين، واستُخدِم حقل تجارب. فأحياناً كان يُوظَّف لتغيير معادلات إقليمية، وأحياناً أخرى كانت تُمتحنُ فيه الوحدة الوطنية، او المقاربة الحكمية الحالية التي تعتمد على توزيع السلطة على المكونات الوطنية، لصالح مقاربات شمولية من نوعٍ غريبٍ عجيب، يعتمد أصحابها على تقيَّة ظاهرة أحياناً، ويمارسون أسوأ أنواع الفوضى والانغلاق والباطنية أحياناً أخرى.
ليس صحيحاً ما قيل عن فرض نواف سلام كرئيس حكومة من قبل جهاتٍ خارجية. ولا يوجد ما يؤكِّد او يوحي؛ بأن اختياره كان بهدف ابعاده عن رئاسة محكمة العدل الدولية، لصالح إيصال رئيسة للمحكمة كانت قد رفضت ادانة إسرائيل، إبان التصويت على القرار الشهير الذي اتخذته في 19 تموز 2024، وادانت فيه العدوانية الإسرائيلية ضد أصحاب الأرض من الفلسطينيين، ودعتها للانسحاب من هذه الأراضي. بل أن سلام فُرض بإرادة لبنانية سيادية خالصة، والقوى السياسية والنيابية التي رشحته للموقع، كانت تحاكي المزاج الشعبي العام، الذي يريد بناء دولة وفقاً للدستور وللقوانيين المرعية، وتعمل على تنفيذ الأجندة التي تضمنها خطاب القسم المُتميِّز الذي القاه الرئيس جوزيف عون في مجلس النواب. فالوقائع اللبنانية الدامغة هي التي فرضت نواف سلام، والتأييد العربي والدولي الذي حظيَ به؛ كان لاحقاً لعملية الاختيار، وهو تماشى مع الإرادة اللبنانية الصافية.
يمكن إعطاء أسباب تخفيفية للقوى التي لم تُسمي سلام، ولم تتعاون بما فيه الكفاية معه، ذلك أن رؤاها تتعارض بطبيعة الحال مع رؤاه، برغم أنها تعرف أن سلام ليس لديه أي نوايا الغائية، ولا هو بصدد الاستجابة لأصوات بعض المُغالين في تأييدهم له، والذين يطالبونه بالإقتصاص من قوى "الثنائي" التي لم تراعِِ الوضع الخاص للبنان في الفترة الماضية – وتحديداً منها حزب الله – ووظفته في محور لديه أهداف ميثولوجية وجيوسياسية تتعارض مع المصلحة اللبنانية، وليس في نية الرئيسين عون وسلام، ولا القوى التي ساندتهما؛ نقل لبنان من رأس حربة في محور إقليمي الى رأس حربة في محور إقليمي او دولي آخر، لكن مراعاة المصلحة العليا للبنان تفرض التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة التي تتفهَِم خصوصية البلد، وربما لديها فائدة باستقراره.
الجميع يتطلع الى براغماتية رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو المُدرك أكثر من غيره لفائدة الاستقرار اللبناني، ولأهمية وجود دولة لها احترامها في الداخل والخارج، وذلك هو الخيار الوحيد الذي يوصِل الى انقاذ بيئة الرئيس بري المنكوبة، بعد أن قدمت تضحيات جسام في مواجهة العدوان الإسرائيلي. وإعادة اعمار المناطق المُهدمة يحتاج بالمقام الأول الى تعاون مع الخارج الذي يمكنه مساعدة لبنان، ونشله من الهوة السحيقة التي وضِع فيها في المرحلة المؤلمة الماضية.
المزاج العام اللبناني يطلب الاستمرار في مسيرة استعادة الانتظام والاستقرار، والقوى الحريصة على لبنان مُطالبة بدعم التركيبة الحُكمية الجديدة، من دون أي حساباتٍ متهورة. وهذه القوى تُدرك أن ما حصل في الإقليم لا يخدم مسارات التمرُّد المتهورة على الاطلاق.