مؤسسة العرفان التوحيدية: منارة الحكمة وصوت الإيمان
15 كانون الثاني 2025
13:20
آخر تحديث:17 كانون الثاني 202511:51
Article Content
في قلب الجبل، حيث تتشابك عراقة التاريخ بجلال الطبيعة، وحيث يحتضن الصخر صمت الأزمان ويعانق النسيم أسرار الأجداد، تقف مؤسسة العرفان التوحيدية شامخة كمنارة للعلم والإيمان. هي ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل هي فكرة نبيلة نُسجت من أعماق الروح، ورسالة خالدة وُلدت من رحم التحديات لتكون شعلة تُضيء طريق الأجيال.
بين منحدرات الجبال التي شهدت صمود أهلها عبر العصور، وقممها التي تنادي السماء بصمتٍ مهيب، انبثقت مؤسسة العرفان التوحيدية لتجمع بين عبق الماضي ونبض الحاضر. إنها حكاية تتحدث عن حلم تحوّل إلى حقيقة، عن رؤية حملتها قلوب مخلصة أرادت أن تبني جيلًا يتسلح بالقيم الراسخة وينطلق نحو آفاق المعرفة بلا حدود.
تأسست هذه المؤسسة على قاعدة متينة من الإيمان بأن الجذور القوية تمنح الأغصان حرية التمدد نحو السماء. اختارت العرفان التوحيدية أن تسير في درب يجمع بين الأصالة والحداثة، بين الحفاظ على الهوية والانفتاح على العالم، بين التراث التوحيدي الثري وعلوم العصر التي لا غنى عنها.
هنا، في رحاب العرفان، يُنقش التاريخ من جديد، لكن بأدوات المستقبل. يلتقي الطلاب والمعلمون، ليس فقط ليتبادلوا العلم والمعرفة، بل ليعيشوا تجربة إنسانية عميقة تُعيد تعريف التعليم كوسيلة لبناء الإنسان، قلبًا وعقلًا وروحًا.
ولادة الفكرة: دعوة للإحياء الروحي والعلمي
في عام 1971، تأسست "مؤسسة العرفان التوحيدية" بموجب العلم والخبر رقم 483/أد/1971 بتاريخ 15 نوفمبر 1971، بهدف نشر العلم والثقافة وترسيخ الأخلاق والفضائل في المجتمع. جاءت هذه المبادرة استجابةً للحاجة الملحّة لتوفير الخدمات الإنسانية الأساسية، كالتعليم والطبابة، في المناطق الريفية والنائية، خاصةً في جبل لبنان، البقاع الغربي، وحاصبيا.
كانت باكورة أعمال المؤسسة إنشاء المدرسة الأولى في السمقانية عام 1973، والتي استوعبت طلابًا من حوالي خمسين قرية ومدينة في منطقة الشوف. توسعت المؤسسة لاحقًا لتشمل مدارس ومراكز تعليمية في مناطق متعددة، بهدف توفير التعليم والرعاية الاجتماعية والطبية، والمساهمة في تنمية المجتمع اللبناني وقراه.
الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين: حجر الأساس لصرح العرفان التوحيدي
في رحاب السمقانية، حيث يمتزج عبق التراث بعزيمة الإيمان، بزغ نور مؤسسة العرفان التوحيدية، مستنيرًا برؤية الشيخ الجليل أبو محمد جواد ولي الدين، الرجل الذي حمل في قلبه شعلة الإيمان وفي عقله بصيرة المستقبل. لقد كان الشيخ ولي الدين رمزًا للتقوى والحكمة، رجلًا لم يكتفِ بتأمل حلم النهضة، بل خطا خطوات جريئة لتجسيده على أرض الواقع.
بإيمانه العميق بأهمية التعليم كجسر بين الأجيال وحصن للمجتمع، بادر الشيخ التقي بشراء قطعة الأرض في السمقانية، لتصبح هذه الخطوة البسيطة في ظاهرها عملاً عظيمًا في جوهره. كان يدرك أن الجبال الراسيات تحتاج إلى صروح تُعانق قممها، وأن المستقبل يبدأ بزرع بذور التعليم والإيمان في عقول الشباب وقلوبهم.
إن مؤسسة العرفان التوحيدية، التي قامت على هذا الأساس الراسخ من الإيمان والعمل الدؤوب، أصبحت اليوم صرحًا يُفخر به، يُخلّد ذكرى كل من ساهم في تأسيسها، ويستمر في نشر رسالتها الروحية والعلمية إلى الأجيال القادمة.
الشيخ علي زين الدين: الراعي الأول والأب المؤسس
منذ اللحظة الأولى لتأسيس المؤسسة، تولى الشيخ علي زين الدين قيادتها، مسخّرًا حياته لخدمة أهدافها النبيلة. كان الشيخ علي زين الدين شخصية استثنائية جمعت بين الحكمة العملية والتفاني الروحي. بفضل رؤيته المتقدة، نجحت العرفان في تخطي العقبات الأولى، حيث وضع اللبنات الأساسية لمسيرة استمرت لعقود.
تحت إدارته، تحولت العرفان إلى أكثر من مجرد مؤسسة تعليمية، بل أصبحت حاضنة للتربية الروحية والفكرية. كان الشيخ علي زين الدين يرى في كل طالب مشروعًا لبناء مجتمع أفضل، ولهذا لم يقتصر عمله على وضع الخطط، بل كان حاضرًا في التفاصيل اليومية، يشرف، يوجه، ويُلهم الجميع.
بالإضافة إلى ذلك، كان الشيخ علي زين الدين معروفًا بانفتاحه الفكري وسعيه الدائم لتعزيز الحوار والتفاهم بين مختلف مكونات المجتمع اللبناني. تحت قيادته، أقامت مؤسسة العرفان التوحيدية علاقات تعاون مع مؤسسات تعليمية ودينية متعددة، مما أسهم في تعزيز التعايش السلمي ونشر قيم التسامح والاعتدال.
في عام 2019، ودّعت الطائفة الدرزية في لبنان الشيخ علي زين الدين، حيث وافته المنية بعد مسيرة حافلة بالعطاء والتفاني في خدمة المجتمع. أقيمت مراسم التشييع في باحة مدرسة العرفان في السمقانية، بحضور حشد كبير من الشخصيات الدينية والاجتماعية والتربوية، الذين أشادوا بإرثه الكبير ودوره المحوري في تعزيز التعليم والقيم الروحية.
من خلال هذه الجهود والمبادرات، ترك الشيخ علي زين الدين بصمة لا تُمحى في مسيرة مؤسسة العرفان التوحيدية، مؤكدًا على أهمية الدمج بين التعليم والقيم الروحية في بناء أجيال قادرة على مواجهة تحديات المستقبل.
الشيخ نزيه رافع: صوت الحكمة وراعي الاستمرارية
في مرحلة لاحقة، جاء الشيخ نزيه رافع ليكمل المسيرة، متسلحًا بحكمة روحية ورؤية استراتيجية متميزة. عمل الشيخ نزيه على تعزيز بنية المؤسسة، مُدخلًا عليها تطورات تواكب العصر دون المساس بجوهر رسالتها.
تميز الشيخ نزيه بقدرته على التوفيق بين التقاليد التوحيدية الأصيلة ومتطلبات التعليم الحديث. كان يؤمن بأن العرفان ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل مشروع إنساني شامل يهدف إلى بناء أجيال قادرة على مواجهة تحديات المستقبل بثقة وإيمان. بفضل جهوده، استمرت العرفان في النمو، معززة حضورها كمنارة علمية وروحية.
بالإضافة إلى ذلك، حرص الشيخ نزيه رافع على تعزيز التعاون مع المؤسسات الأكاديمية والوطنية، حيث استقبل وفودًا من الجامعة اللبنانية والمؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم، مؤكدًا على أهمية الشراكة في تطوير العملية التعليمية وتبادل الخبرات.
كما شهدت المؤسسة في عهده زيارات لشخصيات قضائية بارزة، مثل المدعي العام المالي القاضي الدكتور علي إبراهيم، مما يعكس الثقة والاحترام الذي تحظى به العرفان في الأوساط الوطنية.
من خلال هذه الجهود، رسخ الشيخ نزيه رافع مكانة العرفان كمؤسسة رائدة تجمع بين التعليم والقيم الروحية، وتسهم بفعالية في بناء مجتمع متماسك ومتعلم.
الشيخ سامي أبي المنى: أمين الحكمة ورائد الانفتاح
حين تولّى الشيخ سامي أبي المنى منصب الأمين العام لمؤسسة العرفان التوحيدية، حمل على عاتقه أمانة النهوض برسالة المؤسسة إلى آفاق جديدة. بحكمته المتجددة وروحه القيادية الملهمة، استطاع أن يقود العرفان نحو مرحلة مشرقة من التطوير والانفتاح، جامعًا بين الأصالة التوحيدية ورؤية عصرية ترتقي بالمجتمع والإنسان.
آمن الشيخ الدكتور سامي سامي أبي المنى بأن التعليم ليس مجرد تلقين للمعرفة، بل هو رحلة لصقل النفوس وصناعة القادة. كان يرى في كل طالب سفيرًا للقيم الإنسانية، ورسولًا للخير والعلم في مجتمعه. فعمل بلا كلل على تطوير المناهج التعليمية، بحيث تواكب تطلعات العصر دون أن تتخلى عن جوهرها الروحي. كما أولى الأنشطة التربوية والثقافية اهتمامًا كبيرًا، لتكون العرفان بيئة حاضنة للإبداع والتكامل.
واليوم، يواصل الشيخ الدكتور سامي سامي أبي المنى مسيرته كرمز للحكمة والتوحيد، حيث يشغل منصب شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الموقع الذي يُجسد أرفع المناصب الروحية للطائفة. توليه هذا المنصب هو امتداد طبيعي لمسيرته، حيث جمع بين دوره كقائد ديني وروحي وبين رؤيته الإنسانية العميقة. في مشيخة العقل، أصبح الشيخ سامي صوتًا يعبر عن القيم التوحيدية في أبهى صورها، ملتزمًا بالحفاظ على الإرث الروحي للطائفة، وفي الوقت ذاته ساعيًا نحو تحقيق الانفتاح والتعايش مع الآخر.
دعم آل جنبلاط: حكمة مستمرة ومسيرة عطاء
لا يمكن الحديث عن بدايات مؤسسة العرفان التوحيدية دون استحضار الدعم الكبير الذي قدمه كمال بك جنبلاط، رجل الفكر والقيادة الاستثنائي. كان المعلم كمال جنبلاط يرى في العرفان مشروعًا نهضويًا شاملًا، حيث تتلاقى القيم التوحيدية مع روح العصر لتشكل جسرًا بين الأصالة والحداثة. دعمه للمؤسسة تجاوز حدود الدعم المادي إلى آفاق الفكر والتوجيه المعنوي، حيث غرس رؤيته الإنسانية العميقة في قلب المؤسسة، مؤكدًا أن التعليم هو المفتاح لبناء مجتمع مستنير ومتماسك.
لقد كانت أفكار المعلم كمال جنبلاط العرفانية انعكاسًا لروحه القيادية، حيث آمن بأن مؤسسة العرفان ليست مجرد صرح تعليمي، بل هي منارة تهدي الأجيال إلى دروب العلم والإيمان. وكان حريصًا على أن تكون العرفان فضاءً يُزرع فيه الفكر الحر، وتُبنى فيه الشخصيات القادرة على مواجهة تحديات العصر.
ومع رحيل المعلم كمال جنبلاط، استمر الدعم والرعاية مع ابنه الأستاذ وليد جنبلاط، الذي حمل الشعلة وأكمل المسيرة بنفس الإيمان العميق بدور العرفان في تعزيز الهوية التوحيدية والتربوية. الأستاذ وليد جنبلاط، برؤيته الواقعية وبعد نظره السياسي والاجتماعي، لعب دورًا حاسمًا في تأمين استمرارية المؤسسة وتطورها. كان حضوره في المحطات المفصلية شهادة على التزامه بقيم والده ودوره الوطني.
دعم الأستاذ وليد جنبلاط لم يكن مقتصرًا على توفير الموارد المادية فقط، بل شمل أيضًا المتابعة الحثيثة وتقديم التوجيه والدعم المعنوي. كان يؤمن أن مؤسسة العرفان ليست مجرد إرث عائلي أو طائفي، بل هي مسؤولية وطنية يجب أن تُحاط بكل أشكال الدعم، لتظل مصدر إشعاع علمي وروحي للأجيال القادمة.
بفضل التلاحم بين رؤية المعلم كمال جنبلاط ودعم الأستاذ وليد جنبلاط، باتت مؤسسة العرفان التوحيدية مثالًا حيًا على تكامل الفكر والقيادة في تحقيق نهضة إنسانية شاملة، حيث تتجلى فيها القيم التوحيدية في أبهى صورها، متصالحة مع متطلبات العصر.
التقاء الرؤى وتكامل الأدوار
إن تأسيس مؤسسة العرفان التوحيدية لم يكن مجرد حدث عابر، بل كان ولادة لصرح يجمع الحكمة الروحية بالرؤية الإنسانية. الأدوار التي لعبها الشيخ علي زين الدين، والشيخ نزيه رافع، والشيخ سامي أبي المنى، بدعم الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين الى المعلم كمال جنبلاط الى الأستاذ وليد جنبلاط والهيئة الروحية واصدقاء العرفان، لم تكن منفصلة، بل تداخلت كأوتار سمفونية متناغمة، صنعت من العرفان منارة للأجيال.
اليوم، يستمر هذا الإرث المضيء، حيث يبقى العمل الجماعي والروح القيادية التي أرسوها حجر الأساس لكل نجاح يتحقق.
تُعد "مؤسسة العرفان التوحيدية" اليوم منارة علم ومشعل هداية، تحمل رسالة تربوية واجتماعية، وتسعى إلى بناء جيل واعٍ ومثقف، متسلح بالقيم الروحية والأخلاقية، وقادر على مواجهة تحديات العصر بروح منفتحة وعقل مستنير.
رسالة تتجاوز الحدود: العلم والإيمان يدًا بيد
تمضي مؤسسة العرفان التوحيدية في مسارها بثبات، واضعةً نصب عينيها هدفًا نبيلًا ومقدسًا: بناء جيل يحمل شعلة العلم، ويستنير بنور الإيمان، ويقف شامخًا على قاعدة من القيم الإنسانية والأخلاق السامية. رؤيتها ليست حبيسة التعليم الأكاديمي أو التثقيف الديني فحسب، بل تمتد لتشمل تهيئة الإنسان ليكون نبراسًا للتغيير الإيجابي في مجتمعه ووطنه.
تؤمن المؤسسة بأن التعليم هو المفتاح الذي يفتح أبواب المستقبل، لكنه لا يكتمل إلا إذا صقلته القيم الروحية والمبادئ الأخلاقية. لذلك، تعمل على غرس معاني المسؤولية والانتماء في نفوس طلابها، ليتحولوا إلى أفراد يحملون رسالة الإنسانية، ويناضلون من أجل الخير والعدل والسلام.
من خلال برامجها التعليمية والثقافية المتنوعة، تسعى المؤسسة إلى تحقيق تنمية شاملة: عقلًا واعيًا قادرًا على التفكير النقدي، وقلبًا نابضًا بالمحبة، وروحًا متسامحة تسعى إلى الحوار والتعايش. هي ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل هي مدرسة للحياة، حيث يتعلم الفرد كيف يكون جزءًا من مجتمع متكامل، وكيف يساهم في بناء وطن تسوده الوحدة والتقدم.
تمثل "العرفان" جسرًا يربط بين الماضي العريق والمستقبل المشرق، حيث تستند إلى تراث غني بالأصالة والحكمة، وتستشرف غدًا مليئًا بالابتكار والإنجاز. هي رسالة مستمرة، تتجدد مع كل جيل، وتزهر مع كل فرد يخرج من رحابها وهو يحمل بين جنبيه حلمًا يغير الواقع، وطموحًا يلامس السماء.
إنجازات تُروى بفخر
لا يمكن الحديث عن مؤسسة العرفان التوحيدية دون التطرق إلى ما حققته من إنجازات على مدى عقود. فقد نجحت في تخريج أجيال من الطلاب الذين أصبحوا روادًا في مجالاتهم، واستطاعت أن تجمع بين تقديم المعرفة العصرية وتعميق الارتباط بالقيم التوحيدية.
على صعيد آخر، أسهمت المؤسسة في تفعيل دورها المجتمعي من خلال إطلاق مبادرات إنسانية وخدمات اجتماعية تستهدف الفئات الأكثر حاجة. من بين هذه المبادرات، تقديم المنح المدرسية والمساعدات لطلاب وخريجي مدارس العرفان، مع تخصيص منح دراسية سنوية للطلاب المتفوقين تقديرًا لإنجازاتهم الأكاديمية وتحفيزًا لمزيد من الإبداع والتميز. يعكس هذا الالتزام رؤية المؤسسة في دعم الطاقات الواعدة والاستثمار في مستقبل الأجيال.
إلى جانب رسالتها التربوية، نفذت المؤسسة مشاريع تنموية بارزة في المناطق الريفية، من بينها تركيب أنظمة الطاقة الشمسية واللوحات الإلكترونية الحديثة (Active Board) في جميع مدارسها. تأتي هذه المبادرات بدعم مستمر من "أصدقاء العرفان" برئاسة الأستاذ وليد جنبلاط، مما يعكس التزام المؤسسة بتعزيز الاستدامة البيئية واعتماد مصادر طاقة نظيفة تسهم في تحقيق التنمية المستدامة.
كما أن المؤسسة تُعتبر منارة علمية وتربوية، حيث تسعى إلى نشر العلم والثقافة وترسيخ قواعد الأخلاق والفضائل في المجتمع، وتساهم في إنماء المناطق اللبنانية التي تفتقر للخدمات الإنسانية كالتعليم والطبابة، لا سيما في مناطق جبل لبنان والبقاع الغربي وحاصبيا.
من خلال هذه الجهود المتواصلة، تُثبت مؤسسة العرفان التوحيدية أنها ليست مجرد صرح تعليمي، بل هي نموذج حي للمؤسسة التي تدمج بين التعليم والخدمة المجتمعية، مما يجعلها رائدة في مجالها ومثالًا يُحتذى به في العمل الإنساني والتربوي.
العرفان ليس مجرد اسم، بل رسالة خالدة
في أروقة العرفان، تنبعث الحكمة من كل زاوية، ويتناغم صدى القيم الروحية مع نبض الحياة الحديثة. هنا، يلتقي الفرد بأسئلته العميقة، ويتأمل معاني الوجود والغاية، ليجد إجابات تسكن روحه وتُضيء دربه. هنا، يتحاور الماضي مع الحاضر في انسجامٍ قلّ نظيره، حيث تُروى قصص الأجداد وتتلاقى مع طموحات الشباب.
إنها المؤسسة التي تؤمن بأن التعليم ليس مجرد دروس تحفظ، بل رسالة تُزرع في القلب لتنبت أفعالاً تغيّر العالم. بين جنباتها، تُغرس بذور الفضيلة والحكمة، وتُسقى بعلوم العصر الحديث، لتثمر أجيالاً واعية تحمل شعلة النور في دروب المجهول.
في زمنٍ فقد فيه الكثيرون بوصلة الطريق، تبقى العرفان بمثابة المنارة التي تهدي التائهين. هي الجسر الذي يربط الفرد بجذوره، ويعيد إليه معنى الانتماء. إنها تلك اليد التي تمسك بأيدي الشباب، تقودهم إلى نور العلم، وتعلّمهم أن قوة الإيمان والمعرفة هي السلاح الأسمى لمواجهة عواصف الحياة.
حين تنظر إلى مؤسسة العرفان التوحيدية، لا ترى مجرد مبانٍ شاهقة أو صفوف تعليمية مكتظة، بل ترى صورة حية لمجتمع نابض بالإيمان والعطاء، حيث تتحول الأفكار إلى أفعال، والأحلام إلى واقع، والإنسان إلى رسالة. إنها أكثر من مؤسسة تعليمية؛ هي بيت يجمع القلوب والعقول تحت سقف واحد، حيث يُزرع الأمل، وتُصقل النفوس، وتُصنع الشخصيات القادرة على مواجهة تحديات الحياة.
في كل زاوية من أروقتها، تتردد أصداء أرواح المؤسسين، رجال حكمة وإيمان نذروا حياتهم لخدمة الإنسان. تلامس همساتهم الجدران، كما لو أنها تقول: "الرسالة مستمرة، والمسيرة لا تعرف التوقف". هذه الأصوات تمتزج مع ضحكات الأطفال، وجدية الطلاب، وطموحات الشباب الذين يحلمون بمستقبل أفضل، محملين بعزيمة الإيمان، وحكمة العقل، وصدق القلب.
في أرجاء العرفان، ترى بصمات الجيل الذي مضى، ممهّدة الطريق للجيل الذي ينهض. ترى شغف المعلمين، وصبر المرشدين، وإصرار الطلاب، كأنما هذا المكان يُبنى كل يوم من جديد. إنه عالمٌ صغير يعكس صورة الحلم الكبير: مجتمع يرتكز على القيم، ويدفع بالإنسان إلى الأمام، ليصنع حضارة تتسامى فوق الأزمات، وتحتضن الجميع بمحبة وسلام.
مؤسسة العرفان التوحيدية ليست مجرد صرح يعلو على الجبل، بل هي روح تنبض بالحب والوعي، ورسالة تنقلها الأجيال جيلاً بعد جيل، لتظل شاهدة على قدرة الإنسان على التغيير، وعظمة القيم التي تجمع بين الأرض والسماء.
ليست العرفان إرثًا للطائفة وحدها، بل هي منارة لكل من يؤمن بأن بناء الإنسان هو أعظم استثمار يمكن أن يُقدَّم للبشرية. إنها دعوة مفتوحة لكل من يرى في الحكمة قوة، وفي التوحيد سبيلًا، وفي العلم نورًا يهتدي به. هنا، تُرفع راية الحكمة فوق كل انقسام، ويجتمع المختلفون على مائدة المعرفة، ليصبح الحوار أساسًا للتفاهم، والإيمان جسرًا يصل القلوب.