حبل نجاة الاستحقاق بيد الرئيس نبيه بري
07 يناير 2025
07:59
آخر تحديث:07 يناير 202512:03
Article Content
صورة المشهد السياسي، وجوجلة الحِراك النيابي؛ يؤكدان أن عملية الإنقاذ وصلت الى خواتيمها، والصعوبات المنتظرة قابلة جميعها للحلحلة، لكن الأمر بحاجة لموقف متقدِّم من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي عوَّد اللبنانيين على لعِب دور وطني لا لُبسَ فيه عند المفاصل الأساسية، انطلاقاً من صلاحياته الدستورية الهامة اتجاه إدارة عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولما له من مكانة تمثيلية لمكوِّن أساسي من المكونات المجتمعية اللبنانية.
مواقف غالبية الكتل النيابية تبلورت قبل ساعات من الاستحقاق الانتخابي المنتظر يوم الخميس 9 كانون الثاني، والواضح أن القناعة تتزايد لدى عدد كبير من النواب حول أهلية قائد الجيش العماد جوزيف عون لتولي منصب الرئاسة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ لبنان. وهذه القناعة تستند الى معطيات موضوعية، ومنها: لأن عون قادر بالدرجة الأولى على مواكبة التغييرات الأمنية والعسكرية الكبيرة التي تحصل في الجنوب وغير الجنوب، تنفيذاً للاتفاق الذي أبرمته الحكومة اللبنانية مع العدو الإسرائيلي في 27/11/2024، وقضى بوقف اطلاق النار، واجراء ترتيبات لحظها القرار الأممي 1701 وما سبقه، وهي تضمن استقرار الأوضاع على جانبي الحدود.
أما المُعطيات التأهيلية الأخرى التي دفعت قائد الجيش الى مقدمة مشهد المُرشحين للرئاسة؛ فهي صعوبة الوصول الى شبه اجماع على شخصية أخرى، لأن لكل من المرشحين الآخرين اعتبارات تحول دون حصول توافق عليه من قبل كتل نيابية متعارضة، خصوصاً المؤهلين منهم بجدارة لتولي المنصب، سواءً من الناحية الشخصية، او من ناحية شمولية التمثيل، لا سيما المسيحي منه. وتفرض دقة اللحظة السياسية بعد حصول المآسي الكبيرة من جراء العدوان الإسرائيلي؛ مراعاة البيئة التي كانت حاضنة للمقاومة، ودفعت ثمناً باهضاً، وهذه البيئة أعلنت أن ترشيح قائد الجيش لا يستفزها على الاطلاق.
والمجموعة الدولية والعربية التي تتابع الوضع في لبنان، أشارت في السرّ وفي العلن أحياناً، الى أنها ترتاح للتعاون مع جوزيف عون في المرحلة اللاحقة، لما خبرت فيه من انضباطية وطنية، ومناقبية إدارية، مكَّنت الجيش من تجاوز المطبات الهائلة التي مرَّ بها، من دون أن تنعكس هذه المطبات على وضع الجيش الداخلي، ولا على وضع البلاد الهشّ، لأن الجيش يتألف من كل المكونات المجتمعية اللبنانية، وهو عاش ظروفاً مالية بالغة الصعوبة، تدنّى فيها راتب افراده الى مستويات غير مقبولة على الاطلاق.
ولا يحتاج الأمر الى مزيد من البحث للتأكيد على أن هذه المجموعة الدولية والعربية (الدول الخمس) ومّن يدور في فلكهم السياسي؛ لن تًقدِّم مساعدات مالية ولوجستية لإعادة الاعمار لأكثر من 100 ألف منزل مُهدَّم او متضرر، إلا الى إدارة لبنانية موثوقة وجدية، تُنفذ مستوجبات القرارات الدولية، ومندرجات اتفاق 27 تشرين الثاني الماضي. والرأي العام اللبناني بغالبيته؛ لديه ثقة بالمؤسسة العسكرية وبالقوى الأمنية الشرعية الأخرى، لضبط التجاوزات التي قد يتعرَّض لها لبنان بعد التطورات التي حصلت في سوريا، وهي قادرة على حشد إرادة لبنانية جامعة حولها للدفاع عن البلد في مواجهة أي اعتداءات إسرائيلية، وبمختلف الوسائل.
الرئيس نبيه بري؛ مُطالب بتوفير أرضية مناسبة للاستحقاق الانتخابي القادم. وهو شرَّع الفتوى الدستورية لوزير العدل الراحل بهيج طبارة عام 2008، والتي اعتبرت أن حصول الرئيس على ثلثي أعضاء مجلس النواب، هو بمثابة موافقة على تعديل الدستور الذي يشترط هذه الأكثرية، لتجاوز شرط مرور سنتين على تقاعد أي موظف ليحق له تولِّي منصب الرئاسة (وفق ما تنصّ عليه المادة 49 من الدستور) وقد تمَّ انتخاب العماد ميشال سليمان في حينها، وكان قائداً للجيش؛ فبري اليوم قادرٌ من دون أي عناء على الأخذ بذلك الاجتهاد مُجدداً، ويكون الوضع على أفضل حال ايضاً؛ إذا ما اتخذ الرئيس بري موقفاً مؤيداً لإنتخاب قائد الجيش في الموقع، لأن أهل الجنوب والضاحية والبقاع هم أكثر المتضررين من عدوان إسرائيل، وهؤلاء يحتاجون الى مساعدة لإعادة اعمار منازلهم، وواردات الدولة اللبنانية بمفردها، لا تستطيع تحمُّل الأعباء المالية لهذه المهمة، وسيكون وصول العماد جوزيف عون فرصة للحصول على مزيد من الدعم المالي الخارجي لتغطيه هذه الأعباء، نظراً للرضى الواضح عند هذا الخارج على طريقة عمل الجيش وقيادته في المرحلة الماضية. والأهم من كل ذلك؛ يكون بري حقق انجازاً يمكن أن يسجَّل لصالحه في صفحة الفراغ الطويلة التي حكمت حقبة رئاسته للبرلمان الأخير، الذي مضى من مدة ولايته ما يُقارب ثلثيها، والبلاد مُعطلة، ولم تتحقَّق في الولاية أية مُنجزات.