"رغم التحديات".. صعود دول الجنوب يفرض توازنات دولية جديدة
06 كانون الثاني 2025
17:40
آخر تحديث:06 كانون الثاني 202518:23
Article Content
شهد العام 2024 صودا متناميا للجنوب العالمي. حيث بات من الواضح وبشكل متزايد أن التحولات العالمية تتجه نحو مسار جديد من التوازنات الدولية لصالح التعددية القطبية على حساب الهيمنة الأحادية التي أثرت على العلاقات الدولية وتفردت بالسيطرة على القرار العالمي منذ سقوط جدار برلين في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
إن الصعود الجماعي للجنوب العالمي في الفصل الحالي من التاريخ هو سمة مميزة للتحول الكبير في العالم. ويعود لجمهورية الصين الشعبية الدور الأساسي في الدفع نحو هذا المسار حيث شكلت توجيهات وأفكار الرئيس شي جينبينغ رافعة أساسية وقاعدة مهمة داعمة لوحدة الجنوب العالمي وللتنمية العالمية والسلام العالمي.
لقد روجت الصين لمقترحات جديدة تساهم في تطوير آليات العمل وتعزز قوة الوحدة والتقدم في الجنوب العالمي. حيث دعا الرئيس شي جين بينغ إلى تعاون أكثر انفتاحًا وشمولاً بين بلدان الجنوب العالمي، وأعلن عن ثمانية تدابير لدعم هذا التعاون. كما أوضح رؤيته لدول الجنوب العالمي، والعناوين التي يمكن للصين العمل عليها مع دول الجنوب العالمي لتشكيل قوة ثابتة من أجل السلام، وقوة دافعة أساسية للتنمية المفتوحة، وفريق بناء الحوكمة العالمية، والمدافعين عن التبادل بين الحضارات، من أجل ترك بصماتهم على تقدم البشرية.
كما شكل التوسع الذي شهدته مجموعة البريكس في العام 2023 خطوة متقدمة جعل هذه المنصة قناة أساسية لتعزيز التضامن والتعاون بين دول الجنوب العالمي. حيث شجعت الصين الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى اعتماد قرار بشأن تعزيز التعاون الدولي لبناء القدرات في مجال الذكاء الاصطناعي، من أجل حماية حق دول الجنوب بالتنمية عالية الجودة وبالحصول على التكنولوجيا المتطورة، واقترحت خطة عمل في مجال الذكاء الاصطناعي من أجل الخير للجميع، وعملت مع دول الجنوب العالمي لإطلاق مبادرة مشتركة بشأن التعاون في مجال العلوم المفتوحة، ودفعت باتجاه اعتماد الهدف الكمي الجماعي الجديد لتمويل خطة المناخ في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، وتوفير الدعم المالي الكافي للدول النامية، ودعم العدالة المناخية العالمية.
كما ساعدت الصين الدول النامية على التحرك بشكل أسرع في عملية التحديث والتطوير والتجديد. ففي إطار منتدى التعاون الصيني الأفريقي، اتفقت الصين وأفريقيا على إعلان بكين وخطة عمل بكين لتعزيز التعاون بين الجانبين على مدى السنوات الثلاث المقبلة، واتفقتا على عشرة إجراءات شراكة للتحديث تغطي عشرة مجالات رئيسية مثل التجارة والاستثمار والتعاون في سلسلة الصناعة والتنمية الخضراء في تعزيز شامل لتنمية أفريقيا. كما شهدت الصين والدول العربية حصادًا مبكرًا كبيرًا من "مبادرات التعاون الثماني الكبرى" وواصلتا تطوير "خمسة أطر للتعاون" في خمسة أبعاد: الابتكار، والتمويل، والطاقة، والاقتصاد والتجارة، والتبادلات بين الناس. وعمقت الصين التآزر بين استراتيجيات التنمية مع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، واستمرت في ترقية تعاونها مع دول جزر المحيط الهادئ.
لقد شقت الصين طريقًا ناجحا للتحديث يناسب ظروفها الوطنية، وبفضل نجاحها منحت الدول النامية الأخرى ثقة أكبر في متابعة التحديث والاستفادة من الخبرات والتجارب الصينية. وفي الوقت نفسه أعلنت عن استعدادها للعمل مع المجتمع الدولي لتعزيز التحديث في البلدان النامية وفي جميع أنحاء العالم معتمدة شعارها "التنمية السلمية والتعاون المتبادل المنفعة والازدهار المشترك".
وعلى مدار العام الماضي، كان تعاون الصين مع البلدان النامية الأخرى مثالاً رائعاً، مما عزز اتجاه الاتحاد من أجل القوة داخل الجنوب العالمي.
في المقابل ومن وجهة نظر واقعية، فإن دول الجنوب تواجه العديد من التحديات التي تجعلها غير قادرة على بلورة ديناميكية متناغمة تساعدها على تجاوز أزماتها والظهور كقوة قطبية فاعلة، أو كيان اتحادي متناغم، حيث يواجه العديد من هذه الدول تحدياتها عميقة وأساسية مثل الفقر والتنمية المستدامة وتفشي الفساد في أنظمتها الإدارية والسياسية، إضافة الى أزمة التكيف مع تغير المناخ، ما يجعلها بحاجة الى تبادل الخبرات والموارد.
تتشكل دول الجنوب العالمي من مناطق ثلاث هي: آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. ويمكن تصنيفها أيضا بثلاث مستويات، حيث تضم دولاً تعاني من انخفاض كبير في مستوى النمو، أو ذات نمو منخفض جداً، يضعها في حالة من الأزمات البنيوية المستمرة مع تداعيات خطيرة ومختلفة. وكذلك تضم دولاً نامية بسرعات مختلفة مثل المملكة العربية السعودية والبرازيل وجنوب أفريقيا، إلى جانب قوى صاعدة نجحت في توظيف إمكاناتها المختلفة وتبني مكانتها، ودورها على الصعيد الدولي، وقوى أخرى تعززت مكانتها وموقعها الكبيران والوازنان على المستوى الدولي، مثل الصين الشعبية والهند. تتسم مجمل هذه الدول بديموغرافيا كبيرة نسبياً وبخاصة على المستوى الشبابي.
صحيح أن بلدان الجنوب العالمي، كما هو محدد هنا، لديها بعض الأسباب المشتركة للتنسيق، فضلاً عن الحوافز المتبادلة. لقد حاربت غالب هذه الدول الاستعمار (وفي بعض الحالات التدخلات الأميركية) وتعاونت في "حركة عدم الانحياز" و"مجموعة الـ77" وهي التحالفات التي جمعت البلدان النامية معاً خلال الحرب الباردة. وكلاهما يعيش ككتلة رسمية في الأمم المتحدة. في عديد من البيئات المتعددة الأطراف اليوم، غالباً ما تختار الدول غير الغربية التفاوض كفريق واحد بدلاً من التفاوض مع الولايات المتحدة وحلفائها منفردين. ويعمل هذا التنسيق على تعزيز التقارب بين البلدان المحبطة إزاء النظام الدولي الذي كثيراً ما يعمل ضد مصالحها، لكن التشابه في وجهات النظر لا يعني أن أعضاء الجنوب العالمي المفترض يتصرفون ككيان واحد.
لذلك يتطلب الأمر العمل في إتجاهات ثلاث:
1- تعزيز الحوار والتعاون بين دول الجنوب، ليس فقط بين الحكومات، بل أيضا بين المؤسسات الخاصة والأحزاب وتكتلات المجتمع المدني داخل بلدان دول الجنوب وفيما بين هذه المنظمات والتكتلات والأحزاب في دول الجنوب، وتعزيز تبادل الخبرات والتجارب المختلفة في التعليم والابتكار والاقتصاد والتكنولوجيا ورسم السياسات المستدامة
2- تشكيل قوة ضغط إعلامية مستقلة للدفع نحو اعتماد الحوكمة والإدارة الرشيدة والشفافية في إدارة مشاريع التنمية واخضاعها للمعايير الدولية الصحيحة. وفق خطط استراتيجية مستدامة.
3- تعزيز تبادل الخبرات بين دول الجنوب الأكثر تطورا، والأقل كفاءة والعمل على بناء كوادر ونخب سياسية وإدارية وتقنية عالية الجودة، واعتماد النماذج الناجحة في التنمية والاقتصاد والإدارة والاستفادة من خبرات جمهورية الصين الشعبية وتجاربها في مجال الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا والطاقة النظيفة، وفتح الأسواق بين دول الجنوب لردم الهوة هذه الدول على مستوى دخل الفرد.
يلعب الاعلام الرقمي دور أساسي في التنمية وتبادل الخبرات وتشكيل قوة ضغط داخلية وعالمية، وبالتالي أمام دول الجنوب فرص متاحة للاستفادة من هذا الفضاء، للتعريف عن نفسها ولورة دينامية تعاون فاعلة ومربحة للجميع.