مزارع شبعا تحت إشراف "الأندوف" لا "اليونيفيل"... توثيق تاريخي يكشف الحقيقة
30 كانون الأول 2024
16:12
آخر تحديث:30 كانون الأول 202418:21
Article Content
تقع مزارع شبعا تحت الإحتلال الإسرائيلي، ومن المنظار القانوني الدولي ترتبط بالقرار الصادر عن مجلس الأمن 242، حتى إشعار سوري رسمي .. فعند مراجعة قضية هوية المزارع بين الأدلة الدامغة على لبنانيتها وتاريخ تطور الحدود اللبنانية لحين إحتلال المزارع في العام 1967، وبين متاهة تكريس لبنانيتها، يتثبت لنا أن أي حل لإستعادة الحق اللبناني منطلقه سياسي – إستراتيجي، وليس ترسيما جغرافيا تقنيا فحسب، بحيث تتقاطع عدة عوامل دولية وإقليمية، ناهيك عن المصالح الإسرائيلية التاريخية وتثبيت نفوذها الأمني والإقتصادي الإستراتيجي وما أقرته وثيقة العمل السورية الأميركية الإسرائيلية.
ولأن المسار التاريخي لكل الأحداث المرتبطة بالصراع بين لبنان والعدو الإسرائيلي، وحدوده مع سوريا، معطوفاً على المعطيات والخلفيات المستجدة في المنطقة، فقد تكون المرحلة القادمة محفزة للمبادرة بمقاربة مسألة مزارع شبعا عبر الأطر القانونية والرسمية، وتحديداً بعد سقوط نظام الأسد..
مزارع شبعا ومسار "الدجل" السوري
على الرغم من الأدلة الدامغة بلبنانيتها منذ تحديد حدود دولة لبنان الكبير ولغاية إحتلالها عام 1967، إلى أن وصلنا إلى تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، شهدنا على مدى سنوات تعنتا سورياً وتحايلاً واضحاً لتقديم إعتراف رسمي حول هوية المزارع اللبنانية، وتوظيف مسألة هويتها لمصالح النظام، تمايلاً مع "المناخ" السياسي السوري المتأثر بالمنخفضات الجوية أو الكتل الحرارية السياسية المسيطرة من الخارج.
وبالتأكيد، فإن أي إعتراف أممي ودولي بلبنانية مزارع شبعا والتوصل إلى ملكية المزارع قانوناً، لا يوّثقه تصريح، إذ إقتصر الإعتراف السوري على الإعلام الشفهي مع الإصرار على تحريرها ومن ثم "ترسيم" الحدود أو "تحديد" الحدود، وذلك بحسب تصريحات رئيس النظام السابق بشار الأسد ووزراء خارجتيه. ويعيد البروفيسور في القانون الدولي، الدكتور كمال شكيب حماد إقتصار إعلان الأسد الشفهي أكثر من مرة بأنها أراضٍ لبنانية ورفض العمل على ترسيمها ولاحقاً تحديدها، إلى إعطاء حزب الله الحق بمقاومة إسرائيل، كونها تحتل الأرض، والقانون الدولي يشرع أعمالها ضد المحتل الإسرائيلي، وبالتالي تبرير بقاء السلاح بيد الحزب.
وما بين التصريحات العلنية وما قيل وراء الجدران فارق شاسع .. ففي مقال نشر في مجلة "نيو لاينز"، بعنوان "الأسد: مزارع شبعا سورية مهما إدعى حزب الله"، لفريدريك هوف، الذي شغل منصب سفير ومستشار خاص للمرحلة الانتقالية في سورية في عهد الرئيس باراك أوباما، يسرد هوف في مقاله مضمون اللقاء الذي جمعه بالأسد في قصر تشرين في 28 شباط 2011، ويقول: "من بين الأشياء التي لا تنسى والتي مررت بها خلال محاولتي للتوسط في عملية السلام بين سورية وإسرائيل قبل عقد من الزمن، كان الاستماع إلى الرئيس السوري بشار الأسد وهو يشرح لي مبرر حزب الله بعد أيار 2000 للإحتفاظ بسلاحه إدعاء القول أن إسرائيل لا تزال تحتل الأراضي اللبنانية في "مزارع شبعا" و"تلال كفرشوبا"، هو أمر كاذب. وكان تفسيره واضحاً ومباشراً: الأرض سورية".
وفي مقاله، يضيف هوف، في الواقع كان توضيح الأسد حول ملكية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا جزءاً صغيراً من محادثة بدت، في ذلك الوقت، كإضافة (الأوكتان) الذي تشتد الحاجة إليه عندما بدأت وساطة السلام تتلاشى، إذ أبدى الأسد استعداده لحل علاقة سورية العسكرية مع إيران، وإلزام لبنان بالتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل وإخراج "حزب الله" من نشاطات المقاومة برمته، مقابل معاهدة سلام بين سورية وإسرائيل تستعيد سورية بموجبها جميع الأراضي التي خسرتها في حرب 1967، على حد تعبير هوف.
مزارع شبعا .. خلفيات إستراتيجية
بالإضافة إلى "التكتيك" المسموم في السياسة الخارجية السورية، فإن قضية مزارع شبعا مرتبطة بشكل أو بآخر بوثيقة العمل الأميركية السورية الإسرائيلية والتي نشر نصها في "هآرتس"، وترجمتها صحيفة "النهار" ونشرتها في عددها بتاريخ 2000/1/14. وتناولت الوثيقة قضايا عديدة، منها الإنذار المبكر، والحدود، والترتيبات الأمنية، وقضايا المياه.
هذا وتتمتع مزارع شبعا بموقع إستراتيجي ما يوضح خلفيات إستمرار احتلال العدو لها والنخيلة أيضاً، والمتمثلة بأهمية المصادر المائية لجبل حرمون، ووجود المراصد المتطورة، وقيام مستعمرات في بعض المزارع، ومنشآت تزلج وموتيلات ومشاريع سياحية، بالإضافة إلى الأهمية الدينية للمنطقة بحيث يتواجد مقام النبي إبراهيم الخليل في مزرعة مشهد الطير.
الانسحاب وأزمة مزارع شبعا
بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب في العام 2000، ومع ترسيم الخط الأزرق، برزت قضية مزارع شبعا، إذ "قامت الأمم المتحدة بتطبيق الانسحاب الإسرائيلي وفقاً للقرارين 425 و426، ولم تنسحب إسرائيل من مزارع شبعا وقرية النخيلة اللبنانية وتلال كفر شوبا، كونها تابعة لسلطة "الاندوف""، وفق ما يشير حمُاد. ويلفت حمُاد إلى أن الأمم المتحدة قالت بعد التحرير على لسان أمينها العام، بأن الانسحاب الإسرائيلي قد تم وفقاً للقرار 425 و426، واعترض لبنان على ذلك في الأمم المتحدة.
وفي تقرير الأمين العام كوفي أنان، الذي تبناه مجلس الأمن في 23 أيار 2000، أشار إلى أنه لا يوجد سجل دولي رسمي لإتفاق بين لبنان وسورية بشأن الحدود، وأن لدى الأمم المتحدة خرائط لبنانية وسورية عددها 81 تضع جميعها المزارع داخل سورية. وكذلك، في خرائط فك الاشتباك بين سورية وإسرائيل فإن مزارع شبعا تقع ضمن نطاق عمليات قوات الأندوف. وعليه فهذه المناطق تخضع للقرارين 242 (1967) و338 (1973)، أضاف أنان أن هذا الإجراء لا يخل بأي إتفاق قد يود لبنان وسورية أن يبرماه مستقبلاً.
إلى ذلك، قبيل الانسحاب الإسرائيلي في 25 أيار 2000، أعلن وزير دفاع العدو الإسرائيلي، أفرايم سنيه، في 4 نيسان 2000 أن حدود إسرائيل مع لبنان غير معلّمة رسمياً، وكان هناك إتجاه للاحتفاظ بالمزارع والنخيلة، ما يعتبر مؤشراً أن كل ما حصل لاحقاً كان مرسوماً حماية للمصالح الإسرائيلية من قبل أصحاب القرار الدولي.
وفي سياق متصل، أرسل رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك، المرحوم الدكتور سليم الحص، ثلاث رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة مطالباً بالإنسحاب الإسرائيلي الشامل من المزارع، معللاً ملكية لبنان بالوثائق والأدلة التاريخية، وذلك إزاء موقف صدر عن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، تيري رود لارسن، الذي قال إن الانسحاب الإسرائيلي لن يشمل المزارع لأن هذه المنطقة لم تكن تحت سلطة اليونيفيل.
كما جاء في النقاط السبع التي أقرت خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006، التي دعت إلى التزام مجلس الأمن بوضع منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا تحت ولاية الأمم المتحدة بإنتظار ترسيم الحدود وإقرار السيادة اللبنانية عليهما بشكل كام، ما أوصل إلى إدراج هذه المسألة في المادة 10 من القرار 1701.
ويرى حماد في المتغيرات الإقليمية والدولية، والاثباتات الخاصة بالملكية والتي بحوزة لبنان، وتصاريح المسؤولين السوريين السابقين ذات الصفة، إمكانية في ترجيح عودة مزارع شبعا وباقي الأراضي المحتلة إلى كنف السلطة اللبنانية، خصوصاً أن القرار 1701، يحصر حمل السلاح بيد الجيش اللبناني والسلطة اللبنانية على كامل الأرض اللبنانية، والقرار 1680 يطالب بتسهيل حل هذه مسألة الحدود بين لبنان وسورية.
مزارع شبعا والأندوف
يشير حمُاد إلى أن قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (الأندوف) أنشئت عقب اتفاقية وُقعت عام 1974 بين سورية وإسرائيل بعد حرب 6 تشرين الأول 1973، بهدف الفصل بين القوات المتحاربة من الجانبين وفك الاشتباك بينهما، بعدما قامت إسرائيل بإحتلال مرتفعات الجولان المحاذية للمزارع ودخلتها بعد وقف إطلاق النار إعتباراً من 12 حزيران 1967.
وحول سبب إلحاق مزارع شبعا بسلطة الاندوف عام 1974، يفيد حمُاد بأنه على إثر الصراع العربي الإسرائيلي، باتت منطقة المزارع مسرحاً لأعمال عسكرية بسبب دخول جيش الإنقاذ إليها ودخول العصابات الإسرائيلية إلى عدة قرى لبنانية على الحدود، وغدت الأولوية للسيطرة على النقاط الإستراتيجية والمعابر الإجبارية، ومن بينها منطقة العرقوب ومزارع شبعا التي دخلت إليها قوى عسكرية سورية لحماية خاصرة الجيش السوري لجهة الجنوب الغربي.
تطور الحدود اللبنانية
يعود تاريخ تطور الحدود اللبنانية السورية إلى ما قبل إعلان دولة لبنان الكبير، إلى خريطة عثمانية تعود للعام 1862، وفيما بعد إلى تحديد حدود دولة لبنان الكبير عام 1920 بالمرسوم الصادر عن الجنرال غورو رقم 318، ولاحقاً ما نتج عن إتفاقيات ترسيم الحدود بين الفرنسيين والبريطانيين، من خلال خط بوليه - نيوكومب أو الاتفاقيات الحدودية البريطانية-الفرنسية الموقعة بين عامي 1920 و1923 والذي حدد حدود كل من لبنان وفلسطين وسورية.
توّصل الطرفان حينها في 7 أيار 1923 إلى اتفاق تضمّن 38 نقطة فصل بين لبنان وفلسطين، بالإضافة إلى النقطة 39 على الحدود المشتركة اللبنانية – السوريّة – الفلسطينيّة، من رأس الناقورة إلى منطقة الحمّة السوريّة. حدّدت النقاط بعلامات موصوفة ومرقّمة، وأودع الاتفاق لدى عصبة الأمم، وتمّ التصديق عليه كوثيقة دوليّة في 6 شباط 1924.
والجدير بالذكر أنه عند إنشاء دولة لبنان الكبير ضُمّ قضاء حاصبيا بكامله إلى هذه الدولة وفقاً للمرسوم 318، الذي تقع ضمنه مزارع شبعا.
وبحسب ما يشير الدكتور في القانون والحاصل على بكالوريوس في الهندسة طارق المجذوب في دراسة بعنوان "نحو قراءة جديدة لرحلة البحث عن الحدود الجنوبيّة للبنان" إلى أن بعض الباحثين ينظرون إلى "تطوّر مسألة الحدود الجنوبيّة للبنان بين العامين 1916 و1923 "كأحد أغرب ألغاز العصر الحديث" - One of the strangest enigmas of modern times. ويعتقد البعض الآخر، بحسب ما أورد في دراسته، بأنّ تشكُّل الحدود بين العامين 1920 و1949 هو بمنزلة طلسم يستعصي على كل باحث مُجدّ بسبب غياب بعض الإتفاقيات الحدوديّة الفرنسيّة – البريطانيّة أو تغييبها.
ومن جانب آخر، أشار دايفيد ايشيل في نشرة IBRU للحدود والأمن شتاء 2000-2001، بعنوان "لغز الحدود بين إسرائيل ولبنان" أنه نتيجةً للسياسة الاستعمارية العالية التي إتخذت من الجهل بالحقائق على الأرض، قد أدى بالفعل إلى سنوات من المواجهة الخطرة وربما تكون سبباً للمزيد في المستقبل القريب.
إلى ذلك، لا يمكن إغفال المسار العام عن إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين إستناداً إلى وعد بلفور ولاحقاً عبر تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، بقرار من الأمم المتحدة.
وبالعودة إلى مزارع شبعا، يشدد حمُاد على أن الاتفاقات المذكورة ومحاضر لجان ترسيم الحدود والمبادئ التي وضعتها لإجراء هذه العمليات، تفضي بأن الحدود الفعلية يجب أن تكون على علو وادي العسل. وقد استند مجلسا الوزراء في لبنان وسورية عند موافقتهما على المبادئ، على نص القرار RL 27 تاريخ 4/2/1935، لإعطاء الاتفاقات السابقة شرعية، ومفاعيل تنفيذية. كذلك فإن أعمال المساحة التي جرت لبلدة النخيلة الواقعة وراء الخط المرسوم من قبل الجيش الفرنسي والتي قامت بها السلطات اللبنانية، بينت أن لهذه القرية حدوداً مع الأراضي السورية والفلسطينية، فهي اذن قرية لبنانية واقعة في الأراضي اللبنانية.
ويتابع: "إن عمليتي رسم الحدود عامي 1934 و1946 بين شبعا من جهة وجباتا الزيت ومغر شبعا من جهة ثانية، واللتين رسمتا حدود لبنان وسورية بين القرى الثلاث، هما دليلان قاطعان وكافيان لرسم الخريطة الفعلية للحدود اللبنانية السورية. وأصبح هذان القراران نافذين استناداً إلى نص القرار RL 27 العام 1935".
المزارع والسلطة الشرعية اللبنانية
وبالعودة إلى الجغرافيا، تقع مزارع شبعا على الحدود بين لبنان وهضبة الجولان، وتقع ضمن قضاء حاصبيا. ويوضح حُماد أنها منطقة تابعة عقارياً لبلدة شبعا، وتشكل والبلدة نطاقاً واحداً يدعى خراج مزارع شبعا، وتشمل المنطقة أيضاً بلدة النخيلة وبلدة خربة الدوير اللبنانيتين المذكورتين في جميع القرارات الإدارية والتنظيمية للبنان، منذ إعلان دولة لبنان الكبير
ويذكّر حمُاد بأن الدولة اللبنانية مارست سلطتها الشرعية على منطقة شبعا ونطاقها، وبلدتي النخيلة وخربة الدوير بوجوهها كافة، بحسب أصدرت سندات الملكية من مركز القضاء في حاصبيا أو في مرجعيون، وبيّنت في سجلات النفوس وإحصاء السكان المدوّنين في إحصاء 1932، أن سكانها لبنانيون.
وبناءً على كل ما سبق، وبغياب الإعتراض اللبناني على إدراج المزارع في المقلب السوري لحين الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب في عام 2000 وتحديد الخط الأزرق، وإمتلاك الأمم المتحدة خرائط تتحدث عن سورية مزارع شبعا، علماً أنه بعد حرب العام 1973 صدر عن مجلس الأمن قرارات داعية للإنسحاب الإسرائيلي من لبنان، وعليه، هل ستتجاوب القيادة السورية الجديدة مع أي مطلب لبناني يثبت أمام الأمم المتحدة لبنانية المزارع، وتحديداً في أعقاب إنتهاك العدو الإسرائيلي لإتفاق عام 1974؟