دعونا لا نفوت هذه الفرصة
29 كانون الأول 2024
09:21
آخر تحديث:29 كانون الأول 202409:24
Article Content
يعيش لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ العام 2019، وكان البنك الدولي صنف هذه الازمة بأنها واحده من اكبر ثلاث ازمات حصلت في العالم في القرن ونصف المنصرمين. في الواقع بدأت بذور الازمة بالظهور بقوة في العام 2011 مع تراجع شديد في ميزان المدفوعات، وذلك على وقع بدء الثورة السورية والانقسام الشديد حولها في لبنان والتي اسفر عن تدهور العلاقات مع الخليج العربي على وجه الخصوص. انعكس هذا التدهور سلباً على الاقتصاد اللبناني، فتوقف الاستثمار الخليجي في لبنان وسحبت الودائع من مصارفه واضمحلت السياحة الخليجية الى لبنان. كما كان للفراغ الرئاسي اثره السلبي على الاقتصاد اللبناني لما له من اثر تعطيلي على كافة المرافق العامة. كذلك يجب ان لا ننسى الاثر السلبي الا انها لم تكن مدروسة لجهة تأمين استدامة مواردها، ولا لجهة حجم كلفتها النهائي، وهذا الامر له دلالة على سوء الادارة وتفشي الفساد في الادارة العامة. لم تتوقف الصدمات الاقتصادية السلبية هنا، بل ما زاد الطين بله هو الازمة المصرفية وانهيار سعر الصرف وفقدان الليرة اللبنانية لاكثر من 96% من قدرتها الشرائية، واحتجاز المصارف لودائع الزبائن. وفي اذار 2020 اتخذت حكومة حسان ذياب قراراً دون سابق انذار بالتوقف عن تسديد مستحقات الدولة لحملة اليوروبوندز، ما ادى الى انقطاع حبل الصره مع المؤسسات المالية الدولية. وكان قرار دعم السلع على اثر الانهيار الاقتصادي من خزينة الدولة (ودائع الزبائن) والذي كلف الخزينة اكثر من 12 مليار $ دون ان يستفيد منهم المواطن اللبناني بالحد المطلوب، وترافق هذا ايضاً مع ثلاثة ازمات لهم اثر سلبي كبير على الاقتصاد، وهم تفشي جائحة كورونا وانفجار العصر في مرفأ بيروت والحرب الروسية الاوكرانية وتأثير هذه الازمات على سلاسل التوريد وعلى كلفة الانتاج.
بعد عملية السابع من تشرين الاول اكتوبر 2023 وعجز القوى السياسية عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، حيث تزامن الفراغ مع اعلان حزب الله لحرب المساندة والتي لاحقاً توسعت بشكل كبير ادت الى خسائر اقتصادية هائلة على لبنان تجاوزت حرب ال 2006 ، وبكلفة تزيد عن نصف حجم الناتج المحلي اي حوالي 14 مليار $ . هذه الازمات المتعددة اضافةً الى تحول الاقتصاد اللبناني الى اقتصاد نقدي، مع زيادة مضطردة في التهريب والتهرب الجمركي والضريبي، وتنامي الاقتصاد المكتوم لكي يتجاوز الاقتصاد الشرعي، وعدم تطبيق وأو تحديث القوانين المرتبطة بالفساد. ادت الى وضع لبنان على اللائحة الرمادية من قبل مجموعة العمل المالي FATF وهي منظمة حكومية دولية لمكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب.
بإختصار، الاقتصاد اللبناني اليوم يوازي اقتصاد لبنان في العام 1997 ، اي بخسارة 27 عاماً من النمو ومن تزخيم العمل المؤسسي. وبالارقام، ربما الخسارة تتجاوز المئة مليار $ اذا ما قارنا النمو في العام 2010 والذيتجاوز 5 % من الناتج المحلي مع الفرص الضائعة حتى اليوم والانكماش الحاصل في السنوات الخمس الاخيرة.
نحن اليوم امام سيناريوين، اما ان لا نقوم بالاصلاحات وبالتالي نذهب الى حالة انكماشية اكبر ونصبح دولة مارقة بكل ما في الكلمة من معنى، مع نمو سلبي يتجاوز ال 20 % من الناتج المحلي. والقطاعات الاقتصادية كجزر مبعثرة دون تلازم ما بين السياستين المالية والنقدية خاصةً في ظل غياب الانتظام بالمؤسسات الدستورية.
اما السيناريو الثاني وهو الارجح بفعل التطورات الاقليمية والدولية الحاصلة، يتطلب التقاط الفرصة والشروع في انتخاب رئيس في مطلع العام المقبل 2025 يلتزم تطبيق اتفاق الطائف كمظلة رئيسية، وكذلك الالتزام بكافة القرارات الدولية وعلى رأسها 1701 بكافة مندرجاته.
تشكيل حكومة مع صلاحيات اقتصادية استثنائية، مهمتها تطبيق الاصلاحات المطلوبة لتسريع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي و لاعادة وصل ما انقطع مع المؤسسات المالية الدولية. اقرار قوانين لها علاقة بإعادة هيكلة القطاع المصرفي، والخروج من عقدة توزيع الخسائر وحل مشكلة المودعين من خلال الجرأة في اتخاذ القرارات وتطبيقيها، كذلك لا بد من اعادة تقييم موجودات القطاع المصرفي لكي تكون عملية توزيع الخسائر عادلة.
وقف التهريب والتهرب الضريبي والجمركي وضبط الاقتصاد النقدي وتقليصه، كذلك لا بد من تحفيز المؤسسات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة للتخلص من الاقتصاد المكتوم لصالح الاقتصاد الشرعي ما يوسع الصحن الضريبي و زيادة ايرادات الدولة.
ضرورة تعزيز الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وذلك من خلال تطبيق القانون الصادر في ايلول 2017 بهذا الخصوص، مع العلم بأنه بحاجة الى بعض التعديلات قبل اصدار مراسيمه التطبيقية. آخذين بعين الاعتبار بأن الشراكة بين القطاع العام والخاص، تعد أداة استراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاقتصاد، ويؤدي الى تحسين جودة الخدمات وتخفيف العبء المالي عن خزينة الدولة، ويخلق فرص العمل ويعزز الابتكار واستخدام التكنولوجيا ويحفز الاستثمار الخاص.
اعادة هيكلة القطاع العام، وهنا ليس الهدف تقليص حجم العاملين في القطاع العام، بقدر ما هو رفع انتاجيتة واعادة توصيف الوظيفة العامة والبدء بمكننة الادارة العامة للوصول بأسرع وقت ممكن الى الحكومة الالكترونية، حيث اصبح لبنان في عداد الدول المتخلفة جداً في هذا المضمار، بالرغم من ان ذلك لا يعكس مدى كفاءة الموارد البشرية لديه.
اعادة هيكلة المالية العامة، وذلك من خلال جدولة الدين العام بأشكاله المختلفة. كذلك لا بد من التحول في اعداد الموازنة العامة من الموازنات التقليدية (موازنة البنود) الى موازنات اكثر حداثة (موازنة البرامج والاداء) حيث تخصص الاموال فيها وفقاً للبرامج والمشروعات الحكومية، مع ربط الانفاق بالاداء والنتائج المتوقعة.
تأسيس صندوق لاعادة اعمار ما دمرته الحرب الاخيرة بإدارة دولية ومساهمة عربية.
هذه الاصلاحات السريعة على المدى القصير والمتوسط، بالاضافة الى انتظام المؤسسات الدستورية تؤمن الاستقرار السياسي والامني، ما يشكل بيئة محفزة للقطاع الخاص المحلي والاجنبي لاعادة الاستثمار.
نحن امام فرصة جديدة لتأسيس اقتصاد على اسس مؤسساتية، والتقاط هذه الفرصة من خلال الخطوات اعلاه لاعادة النهوض بالاقتصاد الوطني كفيل بإعادة الناتج المحلي خلال خمسة اعوام على ما كان عليه في نهاية العام 2018 وذلك بنمو يبدأ في العام 2024 بنسبة 4 % و ربما اكثر. ونحن امام فرصة اضافية في عملية اعادة الاعمار في سوريا بعد القضاء على النظام السابق، وهي فرصة اقتصادية مهمة للبنان في المرحلة المقبلة، حيث يمكن للاقتصاد اللبناني الاستفادة بشكل كبير في هذا المشروع الضخم. فبالنظر الى الروابط الاقتصادية والتجارية الوثيقة بين البلدين يمكن للبنان ان يلعب دوراً محورياً في توفير الخدمات والمواد اللازمة لاعادة بناء البنية التحتية السورية.
انها فرص لا تعوض ايها السادة اصحاب القرار، دعونا نستغلها ونستفيد منها وننقذ وطننا من هزيمته وكبوته الاقتصادية ونعطي الامل للأجيال القادمة.