وليد جنبلاط في سوريا: من خطاب الغضب إلى زيارة الحكمة
22 ديسمبر 2024
17:48
Article Content
في مشهد سياسي عاصف لا ينسى، وقف الزعيم اللبناني وليد جنبلاط في ساحة الشهداء عام 2006 ليطلق أحد أكثر خطاباته جرأة في مسيرته، موجهًا انتقاداته اللاذعة إلى الرئيس السوري بشار الأسد. كان ذلك الخطاب تعبيرًا صادقًا عن غضب شعبي واسع تجاه التدخل السوري في لبنان، والذي بلغ ذروته باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وسلسلة من الأحداث الدامية التي هزت البلاد.
هذا الخطاب الذي زلزل السياسة اللبنانية واستخدم الزعيم جنبلاط عبارات قاسية ومباشرة، وصف فيها الأسد بعبارات مثل "القرد" و"المسخ". كانت كلماته صرخة ضد سنوات من الوصاية السورية التي خنقت السيادة اللبنانية، ورسالة بأن لبنان لم يعد يحتمل بأن يكون ساحة لصراعات الآخرين. كان هذا الخطاب جزءًا من مرحلة مفصلية عرفت بثورة الأرز، والتي دفعت بالقوات السورية إلى الانسحاب بعد ثلاثة عقود من السيطرة.
لم تكن كلمات جنبلاط موجهة فقط إلى النظام السوري، بل إلى كل من حاول الانتقاص من سيادة لبنان. كان الخطاب بمثابة دعوة لجميع اللبنانيين للتوحد حول مشروع الاستقلال الوطني.
يمثل هذا الخطاب قطيعة واضحة مع نهج التبعية السياسية، وأعلن بوضوح أن عهد الهيمنة السورية على القرار اللبناني قد انتهى.
كما ان حدة الخطاب عكست شجاعة سياسية، لكنها دفعت جنبلاط إلى مرحلة صعبة، حيث تعرض لعزلة داخلية وتهديدات أمنية، ما جعله يدفع ثمن موقفه الجريء.
رغم جرأة خطاب 2006، أثبت جنبلاط عبر السنوات أنه سياسي يتقن قراءة المتغيرات. ففي السنوات اللاحقة، أظهر براغماتية لافتة، مشيرًا في 2009 إلى أنه "أخطأ التقدير في بعض تصريحاته"، في إشارة إلى خطابه الشهير. هذا التغيير في الموقف لم يكن تراجعًا، بل تعبيرًا عن إدراك عميق بأن التشنج السياسي ليس طريقًا للحلول.
في اذار 2011 بدأت بوادر انتفاضة الشعب السوري ومع اقدام اجهزة المخابرات على تعذيب اطفال درعا وقتلهم، وتعنت النظام السوري واصراره على الحل الأمني، كان وليد جنبلاط، محملاً بإرث كمال جنبلاط الذي رفض السجن الكبير، من أول الداعمين للثورة السورية والذي استمر بدعمه لها رغم تخلي العالم عنها وعن الشعب السوري.
في ديسمبر 2024، وبعد سقوط نظام بشار الأسد، عاد جنبلاط إلى دمشق في زيارة تاريخية للقاء القيادة السورية الجديدة. لم تكن هذه الزيارة مجرد بروتوكول، بل حملت دلالات كبيرة. جنبلاط، الذي كان أحد أشد المنتقدين للنظام السوري، ذهب إلى دمشق حاملًا هموم لبنان، داعيًا إلى علاقة متكافئة تقوم على الاحترام المتبادل.
في كلماته هناك، لم يكن يمثل طائفته فقط، بل كان يتحدث باسم لبنان، مؤكدًا على ضرورة حماية سيادة البلاد وضمان استقرارها. جاءت زيارته كرسالة تصالحية تعكس فهمًا عميقًا لدور لبنان كجسر للتواصل وليس ساحة للصراع.
إن خطاب "يا بشار" كان صرخة مدوية ضد الظلم والتدخل، أما زيارة 2024 فقد كانت خطوة شجاعة نحو بناء الجسور. في كلتا الحالتين، أثبت وليد جنبلاط أنه زعيم يجيد التعامل مع تعقيدات السياسة، متخذًا مواقفه بناءً على قراءة دقيقة للمرحلة ومصلحة لبنان.
ومن خطاب الغضب إلى زيارة الحكمة، يجسد وليد جنبلاط مدرسة سياسية فريدة. زعيم قادر على التعبير عن تطلعات شعبه بحزم، وعلى اتخاذ خطوات جريئة تعيد رسم العلاقات الإقليمية.
في النهاية، تبقى مواقفه شاهدة على أن القيادة ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي أفعال تُكتب في صفحات التاريخ بحكمة وشجاعة.