نحو الحداثة والدولة المدنية والدستور الجامع للسوريين... كيف ستحمي دمشق نصرها على الطاغية؟
الدروز وصناعة سورية الغد... أصوات نشاز لا رصيد لها في السويداء
21 كانون الأول 2024
09:11
Article Content
ترقب وإهتمام شديدين لمستقبل سورية بعد سقوط نظام تخطى "النازية" و"هتلر" في الإبادة والإستبداد والحكم القمعي.. لم تتعد فترة الأسبوعين إلا وبدأ البحث في خارطة طريق أولية لإعادة بناء دولة سورية، تتلاقى وطموحات ورؤى وتطلعات شعبها، سياسياً وإجتماعياً وإقتصادياً وثقافياً.. فماذا عن شكل النظام القادم؟ بحسب أي دستور؟ ووفق أي آلية؟ بالإضافة إلى إدارة المرحلة الإنتقالية!
وبالمقابل، قد يكون هناك تحديات داخلية – داخلية، داخلية – خارجية، وخارجية – خارجية، ربما تؤثر على مجرى الأحداث، على الرغم من الإنفتاح والتعاون الحالي بين مختلف الأطياف.. لكن، كيف سيقاربها الحكم الجديد وما هي تطلعات مختلف الأفرقاء للقضايا المصيرية البنيوية والسيادية، من بينها إنتهاك العدو الإسرائيلي لإتفاق 1974 وإحتلال المزيد من الأراضي السورية وإستعادة الجولان المحتل، واللعب على أوتار خصوصية الطائفة الدرزية في سورية، وتغييب الأكراد عن النسيج السوري، ناهيك عن القضايا العربية المركزية.
مستقبل سورية وهو النقطة الأهم بالنسبة لمختلف الأفرقاء والأطياف، إذ أن "التركيز في الوقت الحالي على الجانب الإداري والخدماتي والأمن والأمان"، بحسب ما يوضح الكاتب والباحث الأكاديمي الدكتور جمال الشوفي في مقابلة مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية. ويضيف: "بينما نترقب إستقراراً أولياً في هذه المحطات، حتى ننتقل إلى الخطوة الأخرى، التي هي مستقبل سورية وكيفية التعامل معها".
النظام القادم.. إلى أين؟
"هذه صفحة جديدة في صفحات التاريخ تسجل للشعب السوري، المتمثلة بتخلصه من ذاك النظام"، يقول المعارض السوري زياد أبو حمدان. ويرى في حوار مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية أن "سقوط النظام كان تراكماً لمدة 13 عاماً منذ بدء الثورة السورية، ومنذ اليوم الأول التي توجهت فيه الدبابات إلى شوارع المدن إعتبرنا أن النظام سقط"، على حد تعبيره.
أما بالنسبة للنظام المتوقع تأسيسه في المرحلة القادمة، يقول أبو حمدان "نأمل بدولة مدنية ديمقراطية"، مشيراً إلى أن "المدنية بالنسبة لنا تعني تحديداً عيش كل السوريين سواسية مع القانون، وأن تكون دولة القانون ودولة العدالة، حماية دستور يؤطر إلى علاقة جوهرية بين السلطة التي يجب أن تكون خادمة للشعب، وليست متسلطة عليه، مؤكداً أنه "أمر جوهري للإنتقال إلى سورية عصر الحداثة وعصر الخلاص من العبودية والظلام".
ويضيف: "نحن نقصد بالدولة المدنية الديمقراطية أن يكون لها دستور وليكن دستور عام 1950 كبداية، ثم تشكل لجنة دستورية من قبل المختصين من فقهاء الشعب السوري وعلماء الاجتماع وتمثيل مختلف الفعاليات السورية لإختيار دستور يخدم سورية العصرية".
من جهته، يعرب الشوفي عن أمله الشخصي بأن يرى سورية "دولة اعتدال، دولة مواطنة، دولة لكل السورين وتحترم حقوق كل السوريين وحرياتهم أو دولة تقوم على قدر ما قدمه الشعب من تضحيات طوال الاعوام السابقة وهذا يحتاج إلى تكاثف وحوارات وطنية عميقة وتكاثف جهود وتوافقها على مستقبل سورية بشكل عصري وحديث".
ويملك أبو حمدان نظرة إيجابية للمرحلة الآنية، ويمد "يد التعاون للقيادة الجديدة"، معرباً عن "تفهم المصاعب التي يمرون بها ومستعدون للمساعدة وتسهيل مرور الحكم إلى بر الآمان، لكن لا ندري إذا هذا الموضوع يمر مستقبلاً"، على حد تعبيره.
حماية النصر!
يشدد المراقبون على إن هذا الإلتقاء والاتحاد بين مكونات الشعب السوري بعدما سقط النظام يجب المحافظة عليه، ورفعه سلاحاً سلمياً في وجه اي مخططات ومشاريع مشبوهة تحاول اختراقه بعناوين ايديولوجية او تقسيم او اطماع إحتلال.
وفي هذا الإطار، لا يتخوّف أبو حمدان من أي تقسيم في سورية، ويشير إلى أن "كل الدول تنادي بوحدة الأراضي السورية ولا أحد يريد التقسيم". ويتابع: "لكن ربما لا تعود سورية كما كانت دولة مركزية".
ويلفت أبو حمدان إلى أنه الآن ربما نتوافق مع باقي السوريين على حكم لا مركزي، أي شكل من أشكال الحكم اللامركزية، الفدرالية اللامركزية"، مشددا ًعلى أن ذلك ما سيقرره الشعب السوري "بعد الإعلان الدستوري إن تم وبعد وضع الدستور، وسيحدد شكل الحكم في سورية وشكل الدولة السورية، ولكن لن يحيد عن الدولة الديمقراطية، دولة القانون ودولة العدالة".
وفي سياق متصل، يفيد الشوفي بأن هناك سعي لاقامة مؤتمر وطني حول سورية برعاية الامم المتحدة و"هذا مطلبنا بحيث ننفذ محتوى وفحوى القرار الدولي 2254 في الانتقال السياسي"، ما يمنع تمرير أي أجندة على حساب السوريين في الفترة الحالية".
وينطلق الشوفي من أن أي خشية متعلقة بإمكانية تمرير مشاريع جديدة اقليمية او دولية على حساب السوريين، ولكن من نوع مختلف عما كان سائدا سابقا، وهذا ناتح عن الفراغ الحاصل في هذا الوقت الحالي سياسياً وعسكرياً، معتبراً أن "هناك طلباً واضحاً من جميع الدول العالمية والعربية أن تكون سورية دولة مستقرة".
والجدير بالذكر أن القرار 2254 صدر في كانون الأول 2015 عن مجلس الأمن الدولي، وطالب بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سورية، كما طالب بصياغة دستور جديد للبلاد بإعتباره جزءاً من عملية الانتقال السياسي، ودعم إجراء انتخابات حرة ونزيهة عملاً بالدستور الجديد. ومع سقوط نظام الأسد وتولي قيادة جديدة، تباينت الآراء حول مصير القرار 2254، إذ طالب قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع بضرورة إعادة النظر بالقرار لأن الواقع في البلاد تغيّر. وبالمقابل، تؤكد أطراف من المعارضة السورية فعالية هذا القرار وضرورة الالتزام به.
الجولان المحتل وإتفاق 1974.. إلى متى؟
وحول تواجد أي خطة لمواجهة التطورات بما يتعلق الجولان وإحتلال العدو الإسرائيلي لأراضي جديدة وإستراتيجية، وما إذا كان التعويل فقط على الأطر الدبلوماسية، يشير أبو حمدان إلى أن موضوع الجولان معقد الآن، إذ أن طوال حكم آل الأسد لم يطالبوا بها مطالبة رسمية، حتى أن الإعلام تناساها.
ميدانياً، بعد سقوط نظام الأسد، باتت تسيطر إسرائيل على الشريط العازل كما وصلت القوات الإسرائيلية إلى جبل الشيخ، "الذي له رمزيته عند لشعب السوري، ويعد تعبيراً عن منطق القوة والسيطرة"، بحسب أبو حمدان، لافتاً إلى أن "إسرائيل تلعب في الوقت الضائع ونتنياهو يتقن هذه اللعبة، ويريد أن يثبت للعالم أنه الأقوى في المنطقة".
ويضع الشوفي تطورات العمليات العسكرية الإسرائيلية على الحدود وفي الداخل في إطار "إنهاء ما تبقى من خطوط عسكرية دفاعية لدى سورية الحالية وسورية المستقبل"، و"بالتالي هو إضعاف لسورية المستقبل في أي مواجهة قد تحدث مع إسرائيل".
ويرى الشوفي ذلك "استثماراً ضمن الفوضى التي نعيشها، لا سيما أن سورية اليوم بلد لا يوجد فيها جيش في الوقت الحالي ولا يوجد فيها معالم استقرار واضحة، وتمر في حالة من حالات الفوضى وترتب أوراقها بعد ان أفرغ النظام كل محتوياتها الاقتصادية والمالية وجيشها ايضاً".
وإلى ذلك، يؤكد أبو حمدان أن الشعب السوري قال كلمة واضحة مفادها بأن "الشعب السوري واحد والأرض السورية موّحدة، ومع الأسف على إتفاقيةسايكس بيكو التي رفضناها قبل 100 عام والآن ننادي بها"، على حد تعبيره.
سورية والقضايا المركزية!
لطالما رفع النظام السابق عناوين فضفاضة حول القضايا العربية وكانت بمثابة حروف تتطاير في الهواء، وأدخلت البلاد في محاور أهلكتها. وعليه، بأي نظرة ستواكب سورية الجديدة القضايا العربية وأبرزها الصراع "العربي الإسرائيلي"؟ وايضا مخططات المشاريع الكبرى؟
ويعتبر الشوفي أن "الأمر يتعلق بإنهاء هذا الصراع لكن لن ينتهي الصراع الا إذا أخذ الشعب العربي الفلسطيني حقوقه وبُني السلام على أسس مستدامة"، إذ يرى أن "الجولان هي من ضمن الحلول للدولة الفلسطينية وحلول للمنطقة والقضية الفلسطينية – الإسرائيلية".
ويستطرد بالقول: "نحن واقعيون، هذه الأجيال غير قادرة على التحرير وغير قادرة على إستعادة فلسطين وغير قادرة على بناء أحلام جديدة، سندفن هذه الأحلام وننتقل إلى الواقع ونتعايش معه".
ويضيف أبو حمدان بأنه "إذا كان نتنياهو يرغب بدخول الشعب الإسرائيلي، ولا أتكلم عن القيادة اليمينة المتطرفة، عليه أن يغيّر سلوكه ويقبل بحل الدولتين وأن يتعايش مع الشعوب بسلام على مبدأ سلام عادل وإعادة الحقوق إلى أصحابها، غير ذلك سيستمر الصراع ولا نرغب بأن يستمر، الشعوب ملت من الحروب ومن التضحيات بلا مقابل".
رفض تسييس التواصل الأهلي!
من أبرز التحديات الداخلية التي ينزع إليها أعداء وحدة سورية اللعب على وتر حماية الأقليات وتحديداً الدروز، وذلك على محورين الأول متعلق بالإحتلال، فيما يتمثل المحور الثاني بالإندماج والإنفتاح على النسيج الوطني.
على الرغم من الدور الوطني الكبير لدروز سورية، حاول النظام السابق إشاعة أنهم يسعون إلى الانفصال او لطلب الحماية من قبل الإسرائيليين حتى أن بعض الشخصيات الدرزية إتهمت طول التاريخ الماضي بتهم الخيانة من عهد حافظ الاسد إلى اليوم، كما يوضح الشوفي. ويضع ذلك في إطار "محاولة عزل هذه الطائفة وتهميشها سياسياً عن دورها في الحياة السياسية واستفراد هذا النظام في الحكم".
ومع إنطلاق شرارة الانتفاضة السلمية في السويداء منذ آب العام الفائت وحتى سقوط النظام، لم يتوان النظام عن إلصاق تهم الخيانة والتعامل مع الخارج والتواصل مع اسرائيل لأبناء السويداء و"ليس عبر إتهامهم بالإرهاب كما اتهم الشارع السوري، السني بشكل عام، بغية فك الحاضنة الشعبية عنهم وفك التلاحم السوري حول منهم"، على حد تعبيره.
ويشير إلى أنه "كان واضحاً تماما انه يعتمد في روايته هذه على التواصل الاهلي القائم تاريخياً ما بين دروز فلسطين ودروز لبنان ودروز السويداء ودروز الأردن وهذا التواصل الاهلي يلصقه بتهم سياسية تسعى إلى الانفصال". ويشدد الشوفي على أن "هذا الكلام عار عن الصحة بشكل مطلق، وما كان يحاول إشاعته النظام او بعض رموز الدولة الإسرائيلية على انه تواصل سياسي".
أبناء السويداء والإنفتاح على الداخل!
كان ابناء السويداء على تواصل دائم ومنفتحين بشكل دائم مع السوريين من كافة الطوائف، كما يفيد الشوفي، خصوصاً السوريين الذين هجروا إلى مناطق شمال غرب سورية الى شمال شرق سورية وهذا التواصل كان عنوانه الإنفتاح والوصول إلى تغيير سياسي قبل أن نحلم فعليا بكيفية اسقاط النظام.
ويلفت الشوفي إلى أن هذا فرض نفسه في الأونة الأخيرة، وتعمّق وتكثف في شكل كبير جداً خصوصاً على المستوى السياسي، لكن على مستوى التواصل العسكري بقي التنسيق إلى اللحظات الاخيرة ما بين غرفة ردع العدوان مع غرفة درعا، وغرفة العمليات المشتركة التي تشكلت في السويداء، وكان عبارة عن تنسيق أولي، كلٌ في منطقته لحين سقوط النظام.
الدروز.. وصناعة غد سورية!
التنسيق قائم على قدم وساق.. ويفيد الشوفي إلى أنه "بدأ مجدداً ما بين ابناء السويداء والقيادة المركزية في دمشق ويتم حالياً خطوةً خطوة بإتجاه ترتيب الاوضاع وأهم النقاط التي يتم التنسيق حولها حالياً كيفية ضبط الامن والامان وإستعادة جهاز الشرطة لضبط الامن المحلي وتيسير الخدمات الحكومية والخدمات العامة للمواطنين التي تتعلق بمؤسسات الدولة التي لا زالت قائمة وأهمها خدمات الكهرباء وتوفير المحروقات، الاتصالات، المياه والافران بشكل رئيسي، بالإضافة إلى قطاع التعليم والجامعات والخدمات الادارية الاخرى، التي ابتدأت تستعيد الحياة رويدا رويدا".
وفي هذا الإطار، زار وفد من الحكومة المؤقتة السويداء وجال على القطاعات الحكومية الموجودة في السويداء لرصد امكانياتها وخدماتها وما تحتاجه المنطقة.
وفي هذه المرحلة الإنتقالية والمرحلة التي ستليها، سيكون للسويداء بما تمثل يداً فاعلة في تشكيل الحكم الانتقالي على المستوى السوري، وفق الشوفي، كما سيكون لها مشاركة في صناعة الحكومة الإنتقالية وايضاً صناعة الهيئة التأسيسية للدستور القادم.
أصوات النشاز!
بعد مطالبة بعض الاشخاص الموجودين في قرية حضر الدرزية بالانضمام إلى إسرائيل، الذي جوبه برفض شديد من القيادة الروحية الاجتماعية سواء كان في القرى الدرزية في جبل الشيخ في جوار الجولان او بالتواصل مع القوى المحلية في السويداء، واعتباره موقفا شخصيا يمثل أصحابه، يلفت الشوفي إلى أنه قد تأتي بعض الاصوات المغرضة هنا وهناك تطالب بهذا التواصل مع اسرائيل وهي تبقى اصوات فردية لا تمثل الا نفسها ومغرر بها وهي غالبا تكون هي ذاتها التي عملت طول الفترة الماضية اثناء وجود النظام على وصم الدروز بهذا الوصم ضمن مشاريع ضيقة انتفاعية ليس أكثر تتابع هذا الموضوع في الوقت الحالي لكن لا رصيد لها في مجتمع السويداء.
لا شك أن سورية اليوم تحاول أن تبدأ من جديد، معتمدة على إرادة شعبها وتلاقيهم على رؤية مستقبلية للغد.. رؤية جامعة في ظل التنوع الغني، القادر على المواجهة والتصدي لأي رياح تقسيمية أو مشاريع توسعية، إقتصادية أو سياسية.