لماذا تأييد ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية؟
20 ديسمبر 2024
06:37
Article Content
يحتاج لبنان لورشة سياسية وأمنية كبيرة لترميم التصدعات التي أحدثتها السنوات الماضية في بُنيته الأساسية، وهناك مهام واسعة مُلقاة على عاتق رئيس الجمهورية العتيد، إذا ما نجحت المساعي والاتصالات في إجراء عملية الانتخاب المقررة في 9 كانون الثاني القادم، والأجواء الواعدة بدأت تتعمَّم في الأوساط الشعبية، ولدى الهيئات الاقتصادية، وعند غالبية القوى السياسية ورجال الدين، وكلها تستبشر خيراً مع مطلع العام الجديد.
أهم ركائز الورشة المنتظرة من الرئيس الجديد؛ تعتمد على قدرته على نقل البلاد المُنهكة، من وضعية الساحة المُستباحة الى وضعية الدولة ذات السيادة، بعد أن عاشت سنوات عجاف في الفترة الماضية من جراء العدوان الإسرائيلي، وبسبب التدخلات الخارجية في شؤون الدولة والاستقواء على مؤسساتها، وأهم من كل ذلك بسبب الفراغ الدستوري الذي أصاب موقع الرئاسة الأولى، وحوَّل الحكومة الى فريق مبتور لتصريف الإعمال، بينما تركيبة وزرائها لا تتلاءم مع ما أفرزته الانتخابات النيابية التي حصلت منذ ما يزيد عن العامين ونصف العام. وقبل ذلك؛ كانت الدولة تعيش أسوأ ايامها من جراء الفشل الذريع في إدارتها المالية والأمنية والسياسية والقضائية، ولعلَّى بعض الانفلات الأمني وانفجار المرفأ وتبعاته، كما الانهيار المالي الرهيب الذي حصل منذ مطلع العام 2020، خير دليل على الوضعية المأساوية التي تمَّت الإشارة اليها.
والتحديات التي تواجه الدولة، لا سيما بعد العدوان الإسرائيلي الواسع على لبنان، كما بعد الغُربة التي عاشتها البلاد بسبب عزلها عن أشقائها وأصدقائها القادرين على مساعدتها؛ تحتاج لترتيبات أمنية وعسكرية، ومنسوباً عالياً من الحيادية والانضباط، والى توفير ظروف مناسبة لتنفيذ مُندرجات الاتفاق الذي أدى الى وقف اطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي، ووافقت عليه حكومة تصريف الإعمال بالإجماع، وليس سراً القول: أن هذه الحكومة محسوبة بغالبيتها على قوى مُساندة "للمقاومة" او أنها ليست معادية لها على أقل تقدير. والفراغ القائم في سدَّة الرئاسة الأولى، كما الوضعية الهشَّة للحكومة؛ تعطي فرصة للعدو الإسرائيلي لتوسيع خروقاته للاتفاق، ولارتكاب مزيد من الانتهاكات التي تخفي عربدة واضحة المعالم.
أثبت قائد الجيش العماد جوزيف عون حيادية كبيرة خلال فترة تولِّيه مهامه، وهذه الحيادية أغضبت بعض البيئة التي دعمت وصوله للموقع، خصوصاً عندما رفض التعامل ببوليصية مع الاعتراضات الشعبية التي حصلت بعد 17 تشرين الأول 2019. وكان واضحاً منسوب المهنية التي تعامل بها الجيش مع الفرقاء السياسيين على اختلافهم، بما في ذلك مع البيئة التي حضنت أعمال المقاومة، وتحمَّل انتقادات بسببها، وكان القائد يرفض زجّ الجيش في صراعات لها طابع طائفي مهما كان نوعها. وهو نجح في حشد تأييد عربي ودولي للمؤسسة، في ظل الظروف المالية القاسية التي مرَّت فيها الدولة، بحيث توقفت خدمات الاستشفاء عن أفراد الجيش، كما تدنَّت قيمة رواتبهم الى حدودٍ وضيعة، وهو سعى للحصول على مساعدات خارجية خاصة، مكَّنت الجيش من الصمود في الأيام الصعبة الماضية.
اللقاء الديمقراطي النيابي برئاسة تيمور جنبلاط أيَّد علناً ترشيح العماد جوزيف عون لتولِّي رئاسة الجمهورية، وهو مرشح طبيعي منذ البدايات، وبذلك يكون الحزب التقدمي الاشتراكي هو الأول بين الأحزاب والتيارات السياسية الذي يعلن مثل هذا الموقف، برغم أن المؤيدين لعون كُثر، وقد يحصل على ما يُشبه الإجماع، إذا سارت الأمور وفقاً للصورة التي رسمت المشهد، وعندها لا حاجة لتعديل دستوري كما حصل سابقاً مع العماد ميشال سليمان. ووراء هذا الترشيح مقاصد وطنية واضحة، ولأن قائد الجيش حصل على ثقة داخلية وخارجية عارمة، والجميع ينتظرون ولوج مرحلة انتقالية تواكب التغييرات الهائلة التي حصلت في لبنان والمنطقة، وهو ما يتجاوز بأهميته صدقية الشعارات التي تنادي بوقف وثيرة تولِّي عسكريين لمنصب الرئاسة الأولى، لا سيما بعد الفشل الشنيع الذي حصل في عهود قادة سابقين، لا سيما العهد المنصرم، وفي العهد الذي مدَّدت له الوصاية السورية السابقة، وحصلت في ظلِّه أبشع الجرائم والاغتيالات.
وإذا كانت السياسة هي فنّ الممكن، وهدفها خدمة الناس والوطن؛ فمن الأولى التعامل بواقعية في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ لبنان، خصوصاً لأن أي من المرشحين المطروحين لتولي المنصب، لم يحصل على أي اجماع او توافق، يمكن معه أن تكون أصوات ناخبيه من النواب مؤلفة من غالبية المكونات المجتمعية اللبنانية، احتراماً للميثاقية التي نصَّت عليها مقدمة الدستور.