Advertise here

هستيريا في ريف إدلب... فماذا يحدث بخان شيخون؟

20 آب 2019 08:50:00 - آخر تحديث: 20 آب 2019 23:13:08

يواصل الطيران الحربي السوري والروسي منذ حوالي أسبوع قصف مناطق ريف إدلب بالصواريخ شديدة الانفجار، وفي إطارٍ هستيري لم تشهده المنطقة من قبل، حيث رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان نحو 1200 ضربة جوية وبرية استهدفت أرياف حماة وإدلب واللّاذقية في الأيام الماضية.

وكانت جولة المعارك تلك قد بدأت منذ إعلان الاتفاق الأميركي – التركي حول المنطقة الآمنة، وهو الاتفاق الذي عارضته كل من روسيا وإيران، واعتبرته الدولتان بمثابة خطوة لتقسيم سوريا، فيما كانت روسيا قد وقعت مع تركيا في أيلول 2018 اتفاقاً خاصاً حول منطقة إدلب ومحيطها، وعُرف باتفاق سوتشي. نصّ الاتفاق على إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مناطق سيطرة قوات النظام وفصائل المعارضة. ويقضي الاتفاق بسحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة لفصائل المعارضة، وتراجع مقاتليها من المنطقة المعنيّة. لكن الاتفاق لم يتم تنفيذه حيث تتعرض مناطق في إدلب، وأجزاء من محافظات مجاورة تخضع لسيطرة المعارضة، وهيئة تحرير الشام، لقصفٍ شبه يومي من قِبَل النظام وحليفه الروسي.

وكانت المعارك قد تركزت خلال الأشهر الثلاثة الماضية في ريف حماة الشمالي حين بدأت قوات النظام في الثامن من الشهر الحالي عملية تصعيدٍ مفاجئة مصحوبة بقصفٍ هستيري بري وجوي، ومحاولات تقدّم ميدانية في ريف إدلب الجنوبي، أي حيث تتركز محاولات التقدم نحو مدينة خان شيخون الاستراتيجية التي تمر فيها طريق حلب - دمشق الدولية، والتي تشكّل شرياناً حيوياً يربط بين أبرز المدن التي تقع تحت سيطرة قوات النظام من حلب شمالاً، مروراً بحماة وحمص وسطاً، ثم دمشق وصولاً إلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن. وهذه الطريق تسيطر فصائل المعارضة على الجزء الحيوي منها والذي يمرّ من محافظة إدلب.

مصادر المعارضة السورية كشفت أن جبهات القتال تشهد معارك شرسة، وعمليات كرٍ وفر، وكمائن متبادلة، أوقعت للنظام السوري عشرات الدبابات الروسية الحديثة الصنع بيد مقاتلي المعارضة، إضافةً إلى إسقاط طائرة سوخوي 23 روسية الصنع. وفيما أفاد المرصد السوري بأن قوات النظام، "باتت على تخوم مدينة خان شيخون" أكّدت مصادر المعارضة أن، "معارك عنيفة بين الفصائل المقاتلة والجهادية من جهة، وقوات النظام من جهة ثانية، تدور على بعد كيلومتر واحد غرب مدينة خان شيخون، ولم تتمكّن [قوات النظام] حتى ساعات متقدمة من ليل الإثنين من السيطرة على مداخل خان شيخون، وأن الاشتباكات العنيفة لا تزال تدور في محيط الخان، وأن الفصائل الثورية تمكّنت من قتل وجرح العشرات من عصابات الأسد بكمائن محكمة وتدمير دبابة روسية من نوع T72 على أطراف المدينة، وذلك بعد محاولة عصابات الأسد وروسيا اقتحام المدينة وحصارها. وأكدت المصادر أن المعارك مازالت مستمرةً على أشدّها في "تلة النمر" التي تبعد عن خان شيخون  3 كيلومترات، وحيث تمكّن الثوار من تدمير دبابةٍ روسية فيها، وذلك بعد أن قالت مصادر النظام بأنها  سيطرت عليها منذ يوم الاحد.

وكشفت مصادر فصائل المعارضة السورية في اتصالٍ مع "الأنبــاء"، "أن مقاتليها استعادوا السيطرة على بلدة كفريدون الاستراتيجية الواقعة بالقرب من خان شيخون  في ريف إدلب الجنوبي، وذلك بعد قتل وجرح العشرات من قوات النظام المدعومة من القوات الروسية، ومن بين المصابين اللواء حسن محمد برهوم قائد الفيلق الثالث التابع للنظام، ورئيس اللجنة الأمنية في حمص الذي أصيب خلال المعارك".
في السياق عينه، تحدثت مواقع إعلامية سورية معارضة، عن اجتماعٍ موسع عُقد بين قادة فصائل الجيش الحر المدعوم من تركيا، وقالت إن، "أرتالاً من "الجيش الوطني" العامل في مناطق المعارضة بريف حلب، والمدعوم تركياً، توجهت إلى ريف حماة لمؤازرة الفصائل المقاتلة في إدلب بالتصدي للحملة العسكرية على المنطقة".

وفي تطورٍ لافت يضع اتفاق الآستانة والعلاقة الروسية – التركية – الإيرانية على محك الصدام، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأييده للعمليات التي يقوم بها جيش الأسد في إدلب.
وقال الرئيس الروسي خلال مؤتمرٍ صحفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون: "نرصد هجمات الإرهابيين من المنطقة منزوعة السلاح بسوريا، وانتقالهم إلى مناطق أخرى"، وأعرب بوتين عن دعم روسيا الاتحادية لجيش الأسد في السيطرة على إدلب، و"القضاء على الإرهابيين فيها". وتحدّث الرئيس الروسي عن وجود محاولاتٍ لشن عمليات ضد القاعدة العسكرية الجوية الروسية في "حميميم" المتمركزة في اللاذقية بالقرب من إدلب، مضيفاً :” ندعم جهود الجيش السوري في العمليات التي ينفذها".

وتعتبر تصريحات الرئيس الروسي بمثابة انقلاب على مسارَي آستانة وسوشي مع تركيا، حيث تواكب وسائل إعلام روسية هذه التصريحات بالتحريض على نقاط المراقبة التركية المنتشرة في الشمال السوري، والمتواجدة بموجب الاتفاقيات مع روسيا. وقالت وكالة سبوتنيك الروسية، "إن نقطة المراقبة التركية التاسعة المتمركزة في مدينة مورك، بالريف الشمالي لمحافظة حماة، قامت بفتح أبوابها أمام الفصائل المعارضة لإخفاء دباباتٍ لها، وحمايتها من قصف طائرات حربية روسية - أسدية للمنطقة". وهو اتهامٌ يشكّل تطوراً مفاجئاً للعلاقات بين أنقرة وموسكو. يُذكر أن الجيش التركي بدأ في تشرين الأول من عام 2017 بإنشاء 12 نقطة مراقبة لتنفيذ اتفاق خفض التصعيد الذي أُقّر في آستانة بين الدول الضامنة.
تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير جاءت بعد ساعات قليلة من استهداف قوات نظام الأسد لرتلٍ عسكري تركي بريف معرة النعمان أثناء توجّهه لدعم نقطة المراقبة التركية  في ريف حماة الشمالي.

وزارة الدفاع التركية أدانت بشدة في بيانٍ لها القصف الذي تعرّض له الرتل العسكري التركي، وأكّدت بأنه، "يتعارض مع الاتفاقيات السارية، والتعاون والحوار مع روسيا". واعتبر الخبير العسكري، العميد الركن أحمد رحال أن، "ما تعرّض له الرتل العسكري التركي يشير إلى أن المفاوضات التركية – الروسية وصلت إلى حائط مسدود، وأن قصف الرتل التركي تمّ بأوامر روسية، ويُعتبر تحدياً للأتراك". وأضاف رحال أن ردود الأفعال خلال الساعات الـ 12 القادمة قد ترسم خارطة نفوذٍ جديدة، وإلّا دخلنا في المجهول، وقد يتطور الأمر لصدامٍ بين الجيش التركي وميليشيات الأسد.
وسبق أن توقع ضابط تركي يتواجد في نقطة المراقبة قرب معرّة النعمان أن بلاده لن تغادر أي نقطة مراقبة مهما كانت الظروف، وهي عازمةٌ على إنشاء نقطتَي مراقبة جديدتين في محيط خان شيخون لمنع حصار خان شيخون، وبلدات ريف حماة الشمالي، "بما في ذلك النقطة التركية في مورك". وهذا ما تؤكّده التعزيزات العسكرية التركية المتتالية التي تصل إلى المنطقة. وحذّر الضابط التركي من أن، "جيش بلاده قد ينفذ عملاً عسكرياً لحماية المدنيين في إدلب" إذا ما لم يتم التوصل لحلٍ سياسي يضمن حماية المدنيين، مؤكداً أن، "نقاط المراقبة التركية انتشرت من أجل ضمان حماية المدنيين".

مصادر متابعة لتطورات إدلب أوضحت بأن شراسة المعارك تدل على حماوة السباق الروسي – التركي إزاء الاتفاق الأميركي- التركي بشأن المنطقة الآمنة في شرقيّ الفرات، والضغط الروسي لعدم تسهيل الاتفاق، ومحاولة روسيا وقوات الأسد السيطرة على الطريق الدولي السريع الاستراتيجي (حلب - دمشق) الذي تسيطر عليه المعارضة السورية في مناطق عديدة، ومنها خان شيخون التي تعمل تركيا على تعزيز نقاط المراقبة فيها لمنع حصارها من قبل قوات النظام. وسباق الوقت الروسي - التركي للتقدم باتجاه خان شيخون يشكّل نقطة تحوّل في الشمال السوري، وقد يعيد خلط الأوراق من جديد، وهذا ما ستُظهره التطورات الكبيرة المتسارعة في الميدان، والساعات القليلة القادمة ستحدّد الكثير من الأمور، سيّما وأن تلك التطورات تأتي قبل اللقاء المحتمل انعقاده في إسطنبول بين زعماء الدول الضامنة لمسار آستانة، التركي والروسي والإيراني.