النبي والسـفّاح
16 ديسمبر 2024
10:21
آخر تحديث:16 ديسمبر 202410:32
Article Content
تحضرني، في مناسبة سقوط بشّار الأسد، صبيحة الثامن من كانون الأول 2024، قوّلة أحد المفكرين، في محاضرة له بذكرى استشهاد المعلم كمال جنبلاط، بقوله: "... زارنا نبيّ". فإذا كانت السماء قد اصطفت هذا الشرق ليكون أرض النبوّة، فإنّ الشرّ بدوره كان حاضراً بكل شراسته على هذه الأرض المقدسة. وإذا كان لا مفر، في تبليغ رسالة النبوّة إظهاراً للحق، فلم يكن للأنبياء بدٌّ من مواجهة دعاة الشر وسادته، ولو أدّى بهم ذلك الى الشهادة. فكما واجه يسوع، عليه السلام، الأشرار شهيداً على الصليب دفاعاً عن الحق، كذلك واجه المعلم كمال جنبلاط عصابة الشيطان-"الأسد" شهيداً غير آبه بالموت دفاعاً عن حق الشعوب العربية، وبالأخص الشعبين اللبناني والسوري، بالحياة الحرة الكريمة. أبى كمال جنبلاط أن يدخل السجن العربي الكبير، الذي أُدخل اليه اللبنانيون والسوريون، وكان حافظ الأسد وابنه بشار من بعده وزمرتهما المجرمة سجّانيهم وجزّاريهم.
وكما قُدر للحق أنبياءَ بهم ينتصر، فقد قُدر للحرية - قدس أقداس الشعوب - أحراراً ومناضلين يقارعون سطوة الطغاة السفّاحين وجبروتهم، غير هيّابين لطغيان هؤلاء، فينتصرون عليهم وتستعيد الشعوب حريتها وكرامتها. فالبطولة التي أظهرها الشعب السوري في إسقاط نظام الأسد بعد نصف قرن من المعاناة جاءت ساطعة ومدهشة. إذ أنّ هذا النظام الدكتاتوري الفاشي قد قمع حريات الشعبين السوري واللبناني بشتى أنواع القتل والتنكيل، على نحوٍّ لم يعرف نظيرها نظام آخر وطغاة آخرون على وجه المعمورة. ورغم ذلك، لم يرضَ السوريون الأحرار السكوت على القمع والظلم والفساد، فانفجرت ثورتهم في الثامن عشر من آذار 2011، لتحقق نصرها المبين في الثامن كانون الأول 2024.
لم تكن صدفة عابرة، أن يتطابق تاريخ سقوط طاغية الشام وولادة حرية الشعب السوري مع ذكرى ولادة المعلم الشهيد كمال جنبلاط في السادس من كانون الأول. إنها إرادة رب الكون في تحقيق عدالته على الأرض. فالبشرية، شعوب وأفراد، هم وديعة الخالق على الأرض.. خلقهم أحراراً لا يعبدون سواه.. وهم على قولة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب: كيف تستعبدون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً. إنّ سقوط بشّار الأسد ونظام البعث على الشكل المريع الي انتهى اليه هو درس للطغاة أي منقلب ينقلبون، كما هو مثال ساطع للشعوب الطامحة لاستعادة حريتها وكرامتها.
إنّ التضحيات الجسام التي بذلها الشعب السوري الشقيق للتخلص من نظام الأسد واستعادة حريته بلغت حدود المعجزة. فمئات آلاف الشهداء الذين روت دماؤهم أرض سوريا العروبة جعلت شمس الحرية تشرق عليها وعلى الشرق، كما كانت دماء المعلم كمال جنبلاط في السادس عشر من آذار 1977 وقوداً وذخراً للحرية في لبنان والشرق العربي علّها تتمكن الخروج من السجن الكبير الذي قُيدت به.
نورد هذا الكلام والفرح يغمر قلوب السوريين واللبنانيين والعرب قاطبة بما تحقق. والى فرحنا، ننظر الى المستقبل بأملٍ ورجاء دون ما ينتابنا من خوف وقلق على ألاّ يضيع هذا الإنجاز في غياهب التعسف والتعصب والجهل لا سمح الله. فالأمل والرجاء بمستقبل ينعم فيه السوريون بالحرية، ضمانته هي الديمقراطية وحقوق الانسان. فعلى الثوار الذين بذلوا دماءهم ليمنحوا سوريا حريتها، عليهم التمسك بالوحدة الوطنية، التي لا تستمر وتقوى إلاّ بولاء جميع السوريين لوطنهم قبل أي ولاء آخر. فلا يجب أن يبتلوا بما ابتلي به اللبنانيون من تغليب ولائهم الطائفي على ولائهم الوطني.
مبارك لسوريا وللبنان، ولكل أحرار العالم، سقوط الطاغية بشّار الأسد ونظامه. ومبارك للحرية تستعيد شمسها وألقها بعد نصف قرنٍ وأكثر من الظلمة والظلم.
حمى الله سوريا ولبنان، ووهب شعبيهما نعمة الحرية والاستقرار.