كمال جنبلاط والأديان: "الإيمان هو الطريق"
06 ديسمبر 2024
17:44
آخر تحديث:06 ديسمبر 202417:57
Article Content
لو رغب المعلم كمال جنبلاط نَعيَ تعاليم الكتب "القديمة"، لم يكن أسهل عنده من التماهي مع فلسفة الإتحاد السوفياتي التي تجاهلت البعد الديني، وعَمِلت الى حد كبير على نقضِهِ، سيما وأن المعلم عايش ردحة الزمن الذي بلغ فيها السوفيات أوجّ تفوّقهم على أكثر من صعيد بما فيهم القوّة العسكرية التدميرية، وريادة الفضاء؛ لكنّه لم يفعل، بل على العكس فقد عمِل على إنعاش تلك التعاليم، من خلال تسليط الضوء على أهمية محتواها من المثل والقيم الأخلاقيّة، والمعارف المشرقيّة التي دأب على تنقيتها وترصيعها، ليضيف بعضاً من طيبها على نظريّته التقدمية، حيثما وجد ضرورة لذلك، فغدت تقدميّته ثوريّة متمرّدة في ظاهرها، ليّنة أصيلة في باطنها، تلتزم جملة المبادئ الفكرية والقيم الإنسانية، ذات الأصول المتعدّدة، وأهمها الأصول الدينية، وفضائل ما اختبر من النظريات الفلسفية والعلمية وبجميع أبعادها الثقافية والأدبية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والفنيّة، ليجعل من كل هذه الأخاديد السماوية والدنيوية وحدة متكاملة لا تتجزأ تستبطن تعدّدية مثلى، هي أحد الركائز التي تتمحور حولها عدالة واشتراكية كمال جنبلاط، وفق أحد مبادئه الشهيرة: "التنوع ضمن الوحدة إنسانياً وفكرياً".
هذا بالإضافة إلى التزامه المنهجين النظري والتطبيقي أو العملاني، وانتهاج الأساليب العملية أو الشعبيّة، بتفاعله العفوي مع مجريات الاحداث وانحيازه للعمل المباشر في مختلف الميادين والمجالات في تسلسل موضوعي بدءً من ضرورة تأمين الخبز ودعمه المباشر للزراعة، وصولاً إلى أهميّة نيل الشعوب الحريّة –التي تؤخذ ولا تعطى– مروراً في كيفيّة الحصول على كل الضروريات، بحدود الرفاهيّة غير المبالغ فيها، تتركّز من خلال نظام تعاوني يضمن حقوق المزارع والصناعي والمستهلك في آن معاً، إضافة لتأمين العدالة والمساواة العضوية والموضوعيّة لا العددية، وتأمين كل مستلزمات الحياة على هذه البسيطة، وتلبية متطلّبات الحضارة والحداثة من خلال قضاء مستقل، وأخلاق رفيعة تسود المجتمع؛ تلتزم تطبيق شرعة حقوق الإنسان، وتضمن حق التعبير والتعليم والعمل والتنقل، وما تضمّنته من حمايات لحقوق الأطفال والأحداث والنساء والكهول، والتزام قوانين السلام والأمان، وقوانين الحرب وحقوق الأسرى والجرحى وغيرها، وصولاً الى حقه بالمعرفة، والتمسّك بكل ما اختبر منها وأثبت صحّته وجدواه، وحقه بالوصول الى أكبر قدر من المعلومات والحقائق التي تؤثر في حياته، وحياة الأجيال القادمة بعده، وتساهم في تطوّر الأفراد وتحصين المجتمعات، الصغيرة منها كالعائلة والقرية أو الحي، والكبيرة منها كالمدينة، أو الدولة –الوطن، وحتى المجتمع الأكبر كاتحاد البشرية جمعاء وفق إطار التكوّر البشري، التي يتقاطع مع العولمة، ولكنه لا يتطابق معها ... بل يختلف عنها تماماً.
أما خصوصيّة كمال جنبلاط وطبيعة انتقائيّته لمستوى الأفكار والمبادئ على المستوى الأيديولوجي، لا سيما الاقتصادي والاجتماعي منها، فهي التي ترفع شأن وقيمة نظريّته التقدّمية، فيبلغ من خلالها الحد الأقصى من مبتغاه و"يمسك المجد من جميع أطرافه"، وستكون الخطوات وفق هذه النظرية التقدّمية موفّقة أو متعثّرة على قدر استيعاب تلك المبادئ من عدمه، وعلى قدرالتجرّد في تطبيقها لا الغرق في مستنقعات التحيّز؛ ويقف نجاحها من جهة ثانية، عند مدى القدرة على تجاوز الصنميّات، وعلى التحرّر من الأساطير والمرويات ومن الجنوح للمبالغات. ليقف كل منّا في نهاية المطاف عند مستوى فهمه لدور وأبعاد الإيمان، وقدرته على تجاوز عبادة الطريق – وهي طرقات متعدّدة على عدد الأديان والمذاهب – والعبور أو النفاذ إلى الحقيقة المطلقة إلى التوحيد، لا شرق ولا غرب فلسفياً، لا شمال ولا جنوب طبقيّاً، لا ماركسية ولا ليبرالية أيديولوجياً، لا تزمّت ديني ولا كفر بالله إيمانياً، لا استسلام ولا استكبار إنسانياً، بل توازنٍ واتزان، مساواة واعتدال، تجرّد ونزاهة في كل مكان، وعلى مدار الأزمان، وكل عيد ولادة– ميلاد –وأنتم بخير.