زَيفُ هذا الزمنْ
06 ديسمبر 2024
15:50
آخر تحديث:18 ديسمبر 202414:14
Article Content
يتصدّر الشعب الفلسطيني المناضل، ومنذ عقود، شعوب العالم في كفاحه المسلح ضد العدو الإسرائيلي، مطالباً بحقّه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلّة وعاصمتها القدس. وأكاد أجزم دون مبالغة بانه لم يعانِ شعبٌ خلال الحقبات التاريخية المنصرمة كما عانى هذا الشعب، من قتل وظلم وتهجير. ومن جهة ثانية فقد استغلَّ الكثيرُ من الأشخاص والأنظمة العربية وغير العربية قضية فلسطين لمنافع خاصة، وتحديداً للحفاظ أو للبقاء في السلطة، ولكمّ الأفواه وقمع الحريات، تحت مُسمّى تحرير فلسطين "والصلاة في القدس". وقد أثبت الحاضر وبالدليل القاطع زَيف ادعاآتهم ونواياهم، "وكذّبت الأحداث نفاقهم"، وبان زيف تلك الأنظمة، وتحديداً بعد عملية "طوفان الأقصى".
فمنذ انشاء دولة اسرائيل وحتى اليوم يعاني الشعب الفلسطيني الويلات، وقد ظن ان المتشدقين والمتاجرين بقضيته صادقين بنواياهم وسعيهم مساعدته في استعادة أرضه وكرامته، بحيث قامت غالبية الأنظمة العربية بعد مرحلة الأستقلال على انتهاج استراتيجية دعم الشعب الفلسطيني لتحصيل حقِّه، وتحت هذا الشعار منعت كلَ رأيٍ حرّ وكل انتقادٍ لديكتاتورياتها، فخونتّ واتّهمت كلَّ معارضٍ بانه عميل للصهيونية وقمعته بأبشع الطرق والأساليب. ورأينا خلال كافّة المراحل والحروب والانتفاضات كيف ان الجميع كان يُعلن شيئاً ويفعل نقيضه، فتُرِك الشعب الفلسطيني منفرداً في نضاله ومعاناته، عرضةً للقتل والتنكيل. اما اليوم فنجد الصمت العربي يسود العواصم والاروقة والدواوين، وبان الحكام وكأنهم ينتظرون نهاية القضية واستسلام الفلسطينيين، إلا ما ندر من المواقف الخجولة والمتواضعة لبعض تلك الدول.
ومروراً على الجمهورية الاسلامية الايرانية والتي وضعت في صلب عقيدتها، ومنذ تأسيسها، نصرة القضية الفلسطينية، وقامت بإنشاء وتسليح ودعم ميليشيات في أربع دول عربية بذريعة تحرير فلسطين ورمي اليهود في البحر، فقد تكشّف رياؤها عندما نفت علمها بما قامت به حماس في السابع من ت1 2023، ومنعت بقية الميليشيات التابعة لها بمساندتها ودعمها ضد همجية وآلة القتل الإسرائيلية، باستثناء جزب الله الذي قيدتّه بالرد، فتركت غزّة وحيدة عرضة للدمار، وقد اصبحت أرضاً غير قابلة للحياة، وشعبها مهجّرٌ من شمالها الى جنوبها ومن بقاعٍ الى أخرى بلا مأوى ولا طعام، وبدون أدنى مقومات العيش الإنساني الكريم.
في حين تكشّفت نوايا ومقاصد حزب الله الحقيقية، وبان خطل استراتيجية الردع التي تغنّى بها عقوداً من الزمن، وسقطت سرديّته التي أوهم بها بيئته أولاً وأتباعه ثانياً بان تحرير فلسطين ومزارع شبعا اصبح قريباً، والصلاة في القدس قاب قوسين أو أدنى. واظهرت الحرب الأخيرة عمق السيطرة الإيرانية عليه وخضوعه التام لقراراتها وسياساتها، فحرب المساندة لم تمنع تدمير غزّة ولا التنكيل بالشعب الفلسطيني، وأتت بالويلات والهلاك على لبنان بشراً وحجراً، وحقيقةً فهذه الحرب خدمت اهداف ايران ومقاصدها ودعمت موقفها للمساومة مع الغرب على ملفها النووي وعلى بقاء نظامها.
اما دول الغرب وعلى رأسها اميركا فقد اسقطت هذه الحرب عنها مقولة الإعتدال ونشر الديموقراطية والحرية والدفاع عن حقوق الإنسان، بعد ان وقفت وبكل قواها لدعم اسرائيل وامدادها بالسلاح والقنابل الفتاكة، ضاربة بعرض الحائط المواثيق الدولية وشرعة حقوق الانسان وحق الشعوب في الدفاع عن نفسها وتقرير مصيرها، مساندةً بذلك المجرم على الضحية، والباطل على الحق، غير آبهة بعذابات الفلسطينيين أطفالاً، نساءً وكهولا.
وهنا نود ان نسأل، هل نحن أمام سيطرة تامة للصهيونية وأدواتها على النظام العالمي ومؤسساته الإنسانية والحقوقية والاقتصادية، ترهيباً وترغيبا؟ أم ان شعوب العالم قد تغيرت وهجعت على ضفاف الماديّة الزائفة، فاقدةً قيمها الأخلاقية والإنسانية، مشيحةً عينيها عن الظلم والظالمين وعن انتهاك حقوق الانسان؟ أم ان أنظمة الحكم الديكتاتورية في مشرقنا قد أزهقت بزيف أقوالها وأفعالها كلَ فرص الحل التي سنحت؟ وفي الواقع فان بعض هذه الأنظمة قد فاق باجرامه ضد شعبه قتلاً وتنكيلاً ما قامت به إسرائيل. وعلينا ان لا ننسَ جهل شعوبنا وتعلقها الأعمى باحداث الماضي وخرافاته، والذي أدى الى حرفنا عن جوهر أدياننا وعقائدنا وذهب بنا الى العصبيات الضيّقة القاتلة؟
أُزيلت الأقنعة وتكشّفت الوجوه، وعليه فعلى كل المتاجرين بالقضية ان يحنوا رؤوسهم ويستتروا في زوايا نفاقهم وريائهم، لقد أضحى الشعب الفلسطيني متروكاً وحيداً، لذا من واجبه قراءة المرحلة بواقعيّة وموضوعيّة، والإعتماد على نفسه، وبالتالي ضرورة ان يتوحّد ويُكمِل النضال، والنضال ليس فقط عسكرياً، بل سياسياً وثقافياً واقتصادياً، وهذا يتطلب صبراً وجهداً ووعياً وتضحيات.