إلى المعلّم
06 ديسمبر 2024
12:19
آخر تحديث:18 ديسمبر 202414:14
Article Content
تجري الأيّام بشؤونها وشجونها، ونعود لنلتقي في الذكرى المباركة لميلاد المعلّم الشهيد كمال جنبلاط.
مئة وسبعة أعوام نحتفي بها، والفكر لا يغادر تلك المسارات المنيرة التي عبّدها لنا المعلّم، وهو الشاهد على الزمن من مرقاب المشاهد العارف بالله، يفيض بألوان المعارف، ينصح، ويحذّر، يمثّل لنا الوقائع، ثمّ يحفر في صخر الحقيقة اختباراته التي حقّق فيه الاستنارة الروحيّة السامية.
لم يكن كمال جنبلاط رجل الجيل الذي انتمى إليه، بل تخطّى بتحرّر الوعي الصافي فيه كلّ الأجيال، وهو الذي وصف أولئك المتبحّرين في بحر الحقيقة ونور الوجود الرفيع، بأنّهم "ضيوف الزمان"، لا يخلو منهم زمان، ولا مكان؛ مهمّتهم واضحة المعالم، مجرّدة عن الأنا الظاهرة، وهدفهم النهوض بالوعي الجمعيّ وصولًا إلى تحقيق عدالة قوى الطبيعة الخالدة، وقيادة المجتمع نحو ذاك "الشعب السعيد".
وإذا تأمّلنا شعار الحزب التقدّميّ الاشتراكيّ جيّدًا "مواطن حرّ وشعب سعيد"، لوجدنا شرط السعادة مرهونًا بالحريّة والتحرّر. ولم يعنِ كمال جنبلاط هنا الحرّية الواهية، المبنيّة على الأنانية والاستئثار، على حساب الآخر وحرّيته ورفاهه، بل تخطّى ذلك بعقله المتخطّي، إلى الحرّية الكاملة من سلاسل الأنا والخوف والضعف. الحرّيّة هي حرّية التوحّد، أي الوحدة. فلا وجود لحريّة مجتزأة، كونها تمثيلًا لهذا المطلق الكلّيّ الاكتمال. وهل نحن سوى نفح من ذاك الاكتمال، كما يقول المعلّم؟!
لقد زرع كمال جنبلاط بذار هذه الوحدة، لأنّها مصدر كلّ وجود، ومصدر كلّ خلق وكيان. الإنسان امتاز عن غيره من المخلوقات بالوعي، والإدراك، والمعرفة، ولهذا شدّد المعلّم على أهمّية المعرفة الصافية، لا المجزوءة، كونها أشدّ خطورة من الجهل. ولهذا، ضجّت مؤلّفاته، وكلماته، ومسار النور في حديقة الشهداء في بقعاتا، بكلّ الوسائل التي تفضي بنا إلى تلك المعرفة السامية، والتي باشتمالنا عليها نكون قد حقّقنا الهدف من وجودنا كإنسان، وحصلنا بالقوّة ( بالمعنى الفلسفي للكلمة) على الحياة الراقية بالسلام والمحبّة والتكوّر الإنسانيّ.
نحن مجبولون بالمحبّة، هكذا قال المعلّم، وهكذا أنشد في كتاب "أدب الحياة" نشيد المحبّة التي تتنزّل علينا من قوارير النور، فلا تهاون في استنزاف معاني المحبّة والسلام، لأنّها من صفات العقل الأرفع، وما على الإنسان سوى السعي لتحقيق هذا المستوى، فيكون بذلك قد حُقّت له إنسانيّته الشاملة.
في ذكرى ميلاد المعلّم، هناك الكثير لنتفكّر فيه في مدرسته الممهورة بقيم الخير والحقّ والجمال، لكنّ الكلام الذي يمكن أن نقوله، يبقى قاصرًا أمام وهج الشمس المتمثّل في هذا الفكر المتحقّق العارف.
حسبنا أن نعطي الوقت الكافي من يوميّاتنا لنقرأ كمال جنبلاط، ولنفهم معاني الإنسانيّة لدى كمال جنبلاط،... علّنا يومًا ما، نعيش كمال جنبلاط.