المنطقة تستبق ترامب: خريطة جديدة من إيران إلى غزة
06 ديسمبر 2024
05:45
Article Content
أنتج انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية تحديات كثيرة أمام قوى عديدة. ركز ترامب في مواقفه على إنهاء الحروب، وخصوصاً الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان قبل دخوله إلى البيت الأبيض. ويكاد يكون أحد أهم الأسباب وراء ذلك هو محض داخلي يتصل برفض ترامب مواصلة تقديم الأموال والذخائر الحربية، بالإضافة إلى إعادة إطلاق مسار سياسي مختلف في المنطقة، يستند على الضغط الأقصى سياسياً واقتصادياً بغية تمرير مشروعه. انتخاب ترامب أعطى قوة دفع لمبادرات وقف إطلاق النار في لبنان. وأعاد تحريك ملف التفاوض للوصول إلى اتفاق في غزة. وذلك وضع كل طرف أمام استحقاق السعي إلى تحسين موقعه وظروفه ومكتسباته، وعدم التمركز في موقع صدامي مع الإدارة الأميركية الجديدة.
مبادرات وانقلابات
إسرائيلياً، بدا نتنياهو أكثر تفهماً لشروط وقف إطلاق النار في لبنان، علماً أنه كان يرفضها سابقاً، ويستند على غطاء أميركي لمرحلة ما بعد تطبيق آليات الاتفاق. كذلك أبدى الاستعداد لإبرام صفقة في قطاع غزة، وهو ما أعاد إحياء المفاوضات.
فلسطينياً، تحركت إيجاباً آليات التفاوض بين حركتي فتح وحماس، للوصول إلى تفاهم حول إدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب.
لبنانياً، وافق لبنان على وقف إطلاق النار، وقدّم التنازلات المطلوبة لعدم استمرار الحرب، وكي لا تُستدرج أميركا إليها في عهد ترامب.
سورياً، تحركت المعارضة السورية في توقيت حاسم لتحسين ظروفها الواقعية على الأرض وتوسيع نفوذها وتوجيه ضربات قاسية للنظام السوري.
دمشق، تجد نفسها في موقف حرج بسبب ضغط المعارضة الكبير، وعدم قدرة النظام على صد الهجوم، والوقوف ما بين منزلتين إما العودة إلى الرهان على الإيرانيين، وإما التخلي عنهم بشكل كامل مع تقديم تنازلات جوهرية واستراتيجية من قبل النظام، بالاستناد إلى مفاوضات سابقة حصلت معه من قبل دول عربية، وجهات أميركية، وتركيا.
تركيا، تحركت بفعالية سريعة في شمال سوريا لتوسيع نفوذها وتثبيته، وتريد الاستفادة من تطويق الأكراد وضربهم أكثر، كما عبرّت في مواقفها الرسمية عن استعدادها للدخول إلى شرق الفرات، في حال قرر ترامب سحب الجنود الأميركيين من هناك.
إيران، وجدت نفسها أمام تحديات كثيرة، هدفها إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة وخصوصاً في لبنان وسوريا، فاضطرت إلى تقديم مقاربات واقعية، سواء بوقف إطلاق النار في لبنان والالتزام به، وإقران مسألة التدخل بسوريا بطلب من قبل النظام، وهي تعلم أن دمشق ستكون محرجة جداً في ذلك. كما أن إيران قدمت مواقف أبدت فيها استعدادها للتفاوض مع الأميركيين ومع إدارة ترامب بالتحديد، للوصول إلى تفاهمات. فهي لا تريد أن تكون على صدام معه، لكنها في المقابل لا تزال تسعى للحفاظ على مكتسباتها أو مصالحها في دول المنطقة.
روسيا، تعتبر أن وصول ترامب يمكن أن يشكل فرصة لها لإيجاد حلّ للحرب على أوكرانيا، وهي تجد نفسها أيضاً مضطرة لغض النظر عن بعض التطورات في سوريا، على طريق تقويض النفوذ الإيراني الذي تريده واشنطن.
سباق مع الزمن
كل هذه التطورات، أو الواقع التنافسي بين القوى الإقليمية والدولية، يأتي في سباق مع الزمن قبيل دخول ترامب إلى البيت الأبيض وتشكيل فريق عمله. كما أن كل طرف يحاول تكريس أمر واقع يتمكن من فرضه على الإدارة الأميركية، وفق ما تقتضيه مصلحته. يأتي ذلك في مرحلة انتقالية في الولايات المتحدة الأميركية بين إدارة يعتبرها البعض أنها امتداد لإدارة أوباما، وكانت تسعى إلى إمكانية التفاهم مع إيران، وبين إدارة مارست أقصى أنواع الضغوط على إيران، وبعد الإكثار من الكلام عن تقويض النفوذ الإيراني، والذي ستسعى دول كثيرة إلى الاستفادة منه، مثل بعض الدول العربية التي لديها الكثير من الانشغالات في ملفاتها الداخلية أو في محيطها المجاور القريب أو اللصيق. وتركيا التي تريد أن تستفيد وتراكم مكتسباتها على الساحتين السورية والعراقية، وروسيا التي تريد أن تخفف من وقائع النفوذ الإيراني في سوريا والوصول إلى وقف الدعم الغربي المطلق لأوكرانيا، وإسرائيل التي تريد تحقيق أمنها واستقرارها بالاستناد إلى ضغوط ترامب بعد كل الذي أقدم عليه عسكرياً.
ثمة من ينظر إلى كل هذه التطورات بوصفها محطّة معاكسة لما نجحت إيران في تحقيقه منذ الاجتياح الأميركي للعراق في العام 2003. إذ حينها تمكنت إيران من تعزيز نفوذها وتوسيعه إلى بغداد فدمشق فبيروت، وصولاً إلى ادعاء السيطرة على 4 عواصم عربية. لكن هذه المعادلة هي التي يتم العمل على تغييرها، ولا سيما إثر الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وتصريحات ومواقف الإسرائيليين والأميركيين حول تقويض أو إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة.
تستشعر إيران خطراً على مشروعها الاستراتيجي والذي يُنظر إليه دولياً بأنه يبدأ من الحدود الإيرانية الأفغانية إلى رأس الناقورة.