هل من تأثير لأحداث سوريا على الوضع في لبنان؟
04 ديسمبر 2024
06:13
آخر تحديث:04 ديسمبر 202408:41
Article Content
تطورات الوضع في سوريا منذ مطلع الشهر الجاري؛ لها تأثيرات على مجمل المنطقة المُحيطة، ولاسيما على لبنان، ومهما كانت المسارات التي ستسلكها هذه الأحداث، وهي قد تتوقف عند هذا الحد بموجب تدخلات أُممية، او أنها يمكن أن تتفاقم لتصل ربما الى دمشق او محيطها إذا ما تابعت قوات المعارضة هجومها المفاجئ، وقد يحصل ما هو عكس ذلك؛ إذا نجح الجيش السوري بالقيام بهجوم معاكس مدعوم من حلفائه.
مهما يكُن من أمر، وبعيداً عن التحليلات والتوصيفات الغريبة العجيبة، والتي عادةً تنقل رغبة أصحابها وخلفياتهم؛ لا يمكن اعتبار هجوم المعارضة السورية الكاسح على مدينة حلب الاستراتيجية ومحيطها وصولاً الى مشارف مدينة حماه؛ بأنه أجراء عادي قام به مواطنون سوريون بهدف العودة الى منازلهم التي هُجروا منها تباعاً منذ العام 2016، خصوصاً لكون قوات المعارضة التي انطلقت من معقلها في محافظة ادلب؛ كانت متماسكة وتضمَّ كافة الفصائل المناهضة للنظام، فلا بد من وجود قطبة تواصلات خارجية مخفية تحيط بالحدث.
فالعملية لم تكُن انتصاراً بالمعيار العسكري الميداني، حيث لم تجري معارك شرسة مع قوات الحكومة، كما أن وضعية الجيش السوري لم يكن بحالة هزيمة ميدانية، لأنه لم يطلق رصاصة واحدة في كامل مدينة حلب قبل أن ينسحب منها كأنه سلمها تسليماً، بينما المعارك في القرى المحيطة كانت أقرب الى المناوشات، والأمر غير مفهوم على الإطلاق لدى البعيدين عن مسرح الأحداث. وبدء الهجوم في لحظة سياسية بالغة الأهمية في المنطقة رافقت التوافق على وقف الأعمال الحربية بين المقاومة وإسرائيل في لبنان، لا يمكن تفسيره تلاقٍ مع ما أطلق عليه مسؤولون ايرانيون "المشروع الصهيوني" لأن المعارضة السورية تقول عكس ذلك، وهي انتظرت انتهاء القتال مع إسرائيل في لبنان للبدء بالهجوم المُعد منذ فترة طويلة، وهم مستعدون للمشاركة بقتال إسرائيل بعد تحرير بلادهم والعودة الى منازلهم، وهو ما ينفي تصنيف هؤلاء بأنهم مجموعات "إرهابية" تحركها قوىً خارجية.
اما على ضفة قوى النظام في سوريا وحلفائه الإيرانيين، وعلى درجة أقل روسيا التي تتواجد في المناطق التي تحيط بالجغرافيا السورية التي تحيط بمناطق القتال؛ فلا يمكن انكار الإشكاليات التي رافقت الحدث الكبير، لناحية وجود الرئيس بشار الأسد في روسيا إبان انطلاق الأحداث، كما لناحية الطريقة التي تفاعلت فيها القيادة الإيرانية مع العملية، مروراً بردود الفعل العربية والدولية على العمليات القتالية، بعد انهيار قوى النظام وحلفائه من الميليشيات الموالية لإيران على مساحة تقارب ربع الجغرافيا السورية، وهي مناطق لها مكانتها الاستراتيجية الهامة في البلاد.
كأنما المفاجأة السورية الكبيرة حصلت على التوقيت اللبناني، وانطلقت المعارك مباشرةً في الوقت الذي توقف فيه العدوان الإسرائيلي الشامل على لبنان (من دون تجاهل الخروقات الإسرائيلية المستمرة) بموجب تفاهُم بدأ تطبيقه صباح 27 تشرين الثاني واستند الى تنفيذ مبادئ اتفاقية الهدنة للعام 1949 وتطبيق شامل للقرار الدولي 1701 للعام 2006 بكل مندرجاته التي تتناول القرارات الدولية ذات الصلة واتفاقية الطائف للعام 1989، وحصل التفاهم على غطاء من حكومة تصريف الأعمال؛ هروباً من توقيع معاهدة جديدة لا يوجد سلطة دستورية لبنانية تفاوض عليها وتقرّها بغياب رئيس للجمهورية، ولكون الحكومة الحالية مستقيلة وتُصرِّف الأعمال الضرورية وفقاً للدستور. وهدف ذكر ذلك بمجمله هو الوصول الى واقعة أن التفاهم الذي حصل، ينص على نزع السلاح من كل الأطراف في لبنان – بما فيهم المقاومة – وحصر حمله وتصنيعه واستقدامه بالجيش والقوى الأمنية الرسمية، وليس خافياً على أحد؛ أن الحدود مع سوريا هي المصدر الأساسي الذي تنفُذ منه الأسلحة الى لبنان، خصوصاً سلاح المقاومة، كما لا يُخفى كون مصدر هذه الأسلحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهذه الأخيرة لا تتوانى عن إشهار دعمها للقوى الحليفة لها في لبنان، وهي متواجدة مباشرةً، او من خلال بعض المنظمات الرديفة لها على الأراضي السورية، والقرار الدولي اليوم – لا سيما الأميركي – واضح لناحية سحب التفويض من ايران، وانهاء "قبة الباط" التي سمحت لها بالإنفلاش على مساحة كبيرة في المنطقة العربية، وهو مُنح لها خصوصاً في اعقاب توقيع الاتفاق حول ملفها النووي في العام 2015، بينما ايران لا تريد التسليم بهذه الوقائع، او أنها تُكابر "على عينين" حلفائها كي لا تبدو أنها تآمرت عليهم، او تخلت عنهم على أقل تقدير، او أنها لا تعترف بالهزيمة التي حصلت، وهذه الهزيمة كانت سياسية قبل أن تحصل عسكرياً، لأنها خاضت المواجهات منفردة، من دون حلفاء، لا من قريب ولا من بعيد، حتى أن روسيا الشريك الاستراتيجي ببعض القضايا لإيران، كانت بعيدة كل البُعد عن مقاربة ايران للتطورات الحاصلة، وقد يكون لهذا الأمر الأثر الأكبر في اندلاع أحداث سوريا، ذلك أن المعارضة السورية التقطت اللحظة، وسارت بمغامرة خلطت فيها الأوراق الراكدة في الملف السوري المُجمَّد.
لا يمكن تناول كل جوانب انعكاسات الحدث السوري على لبنان، وعلى المنطقة، ونعتقد أنه سيكون لهذه الانعكاسات تأثيرات واسعة داخل سوريا وخارجها؛ لكن الساحة اللبنانية ستكون حُكماً في قلب الحدث السوري من وجهات مختلفة، أهمها:
قد تتوسع مساحة التفاؤل اللبناني من جراء المؤشرات عن ضبط الحدود بين لبنان وسوريا، والتي كانت مصدر أساسي لتهريب السلاح والممنوعات ولنزوح غير منظَّم، او غير ضروري.
وقد تستغل بعض القوى اللبنانية، خصوصاً ما يسمى ب "محور الممانعة" الحدث السوري لإستعادة شعارات قديمة تُبرر فيها استمرار امتلاكها للسلاح خارج الأطُر الشرعية، بحجة وجود خطر من منظمات "إرهابية" على لبنان، وهي تقاوم هذا الخطر كما حصل في العام 2017 في جرود عرسال، وبذلك تكون قد تجاوزت شروط التفاهُم على وقف إطلاق النار مع العدو الاسرائيلي الذي حصل في 27 تشرين الثاني برعاية دولية مُحكمة.
وتطور الأحداث في سوريا - خصوصاً إذا ما حصل تغيير في طبيعة النظام وفي اشخاصه – سيُساعد على الاستقرار في لبنان. بينما إذا سارت الأوضاع بإتجاه معاكس لهذا المسار؛ فقد تستمرّ الحرب في سوريا، وهذا مصدر قلق وتوتر للبنان، وربما تؤدي التدخلات الدولية وغير الدولية الى تثبيت الحكم الحالي وإعادة تفويضه بالساحة اللبنانية إذا ما تخلَّى عن تعاونه مع محور الممانعة.
تناول الأحداث الكبيرة التي تجري في سوريا بعُجالة؛ خطأٌ كبير.