دور الجيش مُحدّد بالقانون وهو لا ينافس أي جهة سياسية
19 نوفمبر 2024
18:40
آخر تحديث:20 نوفمبر 202404:51
Article Content
يوضِّح قانون الدفاع الوطني اللبناني رقم 102/1983 مهام الجيش وصلاحياته، وهو عماد القوى المسلحة اللبنانية الخاضعة لسلطة مجلس الوزراء، وفقاً لما ورد في المادة 65 من الدستور. ومن البديهي أن يكون الجيش في لبنان، كما غالبية جيوش الدول في العالم، حامٍ للدولة وأراضيها، وسلامة أبنائها، ومسؤول مع الأجهزة الأمنية الأخرى عن الاستقرار. وقد خالف بعضهم هذه القاعدة، وحوَّل الجيش الى حامٍ للنظام، أو الى جزء من عدة "القائد" او الرئيس في بعض الدول التي اعتمدت على الأوتوقراطية المستبدَّة، حيث جنحت القوات المسلحة فيها الى مسارات مُهلكة، وأصبحت خاضعة لإرادة الأحزاب او الحكام او المرجعيات، وتدافع عنهم أكثر مما تقوم بوظيفتها الأساسية بالدفاع عن الشعب.
بعض الذين ينتقدون الجيش في لبنان اليوم، او الذين يطرحون الأسئلة عليه عبر وسائل الإعلام، ينتمون الى مدارس عقائدية تعتبر الجيش جزءا من عدة الدفاع عن "الثورة" وأن مهامه الأساسية حماية النظام. وولاء هؤلاء منقطع النظير الى الرؤى القديمة - الجديدة التي أُطلقت بعد هزيمة العام 1967 شعار "خسرنا بعض الأرض ولكننا ربحنا النظام" وقد جاوبهم المعلم الشهيد كمال جنبلاط في حينها بشعار معاكس، قائلاً لهم: "ليتنا خسرنا بعض الأنظمة وبقيت الأرض". وتنامى الحقد من هؤلاء على كمال جنبلاط، وتآمروا عليه حتى لحظة استشهاده في 16 آذار عام 1977.
المطالبة بتوسيع نشر الجيش في الجنوب، ليست عملية كيدية موجهة ضد أي من القوى اللبنانية – لا سيما المقاومة منها – فالجيش موجود في الجنوب قبل العدوان الإسرائيلي الحالي، لكن البعض كان يُحاصر دوره، ويأخذ من صلاحياته التي ينصّ عليها قانون الدفاع، وليس العكس. والجيش راعىَ الاستقرار الداخلي الى الحدود القصوى، وليس في أجندته الاصطدام بقوى او شرائح او طوائف من المكونات اللبنانية على الإطلاق، كما أن الغطاء السياسي الذي يتحرك بكنفهِ الجيش، لم يكُن متوافراً في غالبية الأزمنة الماضية، لا سيما في السنوات الثمانية الأخيرة. وحصل ما حصل من تجاوزات، تضرَّر منها لبنان، وأدت الى تهميش مؤسساته الوطنية والدستورية.
ويمكن التذكير في واقعة واحدة كردّ على بعض الذين يعتبرون أن الجيش غير قادر على حماية حدود الوطن، وبالتالي لا غنى عن وجود المقاومة، وهو ما صرَّح به الرئيس السابق ميشال عون خلال زيارته للمملكة العربية السعودية في 9/5/2017، وكان هذا التصريح سبباً رئيسياً لإلغاء الدعم الذي رصدته الرياض للجيش بقيمة 3 مليار دولار، ومن دون أن تضع أي شروط، لا من حيث نوعية الأسلحة التي كان قد طلبها الجيش من فرنسا، ولا من حيث المقيدات السياسية، وهي غالباً ما تشترطها الدول المانحة للمساعدات العسكرية.
أكدت الحرب العدوانية التي تشنها إسرائيل على لبنان منذ 17 أيلول الماضي، فشل مقاربة حماية لبنان بالوسائل التي كانت معتمدة، وأكدت الوقائع أن شعار "جيش وشعب ومقاومة" كان غطاءً لتوليفات لا تتطابق مع مفهوم السيادة، ولا مع ميكانيكية العمل العسكري الذي يجب أن يحصل لحماية الجنوب وأبنائه، بحيث أن أعمال المقاومة المشروعة للاحتلال التي نصَّ عليها ميثاق الأمم المتحدة، لا يمكن أن تحصل من خلال إقامة جبهات تقليدية مع العدو المحتل، بما في ذلك التحصينات، او استخدام بعض أنواع الأسلحة، فأعمال المقاومة تكون أكثر نجاعةً عندما تعتمد على العلميات الفدائية والمتخفية، وهو ما ثبت في عمليات حزب الله في جنوب لبنان ضد العدو قبل التحرير في أيار من العام 2000.
أما المصدر الأساسي لقوة المقاومة او لمجهودات الدفاع، فهي المشروعية والإحتضان الوطني، وهو ما خسرت الجزء اليسير منه المقاومة في جنوب لبنان بعد العام 2000، نظراً للإشكالية القائمة حول موضوع مزارع شبعا، حيث هي حتى اليوم تعتبر اراضٍ سورية محتلة وليست اراضٍ لبنانية، لأن ما تمً الاتفاق عليه على طاولة الحوار عند الرئيس نبيه بري قبل عدوان العام 2006 بالطلب من السلطات السورية التوقيع على خارطة الترسيم الجديد، لم يحصل، والتوافق اللبناني الجامع - وبحضور الشهيد السيد حسن نصرالله في حينها – كان مُدعماً بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1680. اما الإحتضان الوطني للمقاومة، فقد اهتزَّ على شاكلة واسعة بعد العام 2008، ولا مجال لذكر كامل الأسباب في هذه العجالة.
عندما يأخذ الجيش اللبناني دوره الوطني المُناط به وفق القوانيين اللبنانية، وبموجب القرارات الدولية ذات الصلة؛ لا يفعل ذلك لمواجهة أحد، فتلك هي واجباته الوطنية، وهو ضمانة للمقاومين ولأهل الجنوب على وجه التحديد، والمشروعية التي يتمتع بها الجيش؛ تشكل عنصراً أساسياً في عوامل القوة التي يمتلكها، أما الوسائل اللوجستية والتسليحية والتقنية، فيمكن تحصيلها وفقاً لمتطلبات الدفاع، لأن الإجراءات والتحصينات التي اعتمدتها المقاومة في هذا السياق، هي من صلب أعمال الجيوش النظامية. ومواجهة العدوان الإسرائيلي الذي ظهر بأخطر وجه، واستخدم أبشع الأسلحة، ومنها محرّم دولياً، لا يمكن أن تحصل من خلال المقاربة التي اعتمدتها المقاومة، والتي أدت الى ما أدت اليه من دمارٍ وخراب وضحايا لا يمكن تعويض خسارتها. كما أنه لا يجوز لأي مقاومة ومهما كانت شريفة المقاصد، أن تبدو على ارتباط بقوىً خارجية، وملتزمة بتوجهاتها، كما بدى عليه الحال في لبنان.
الدولة هي الضامن للجميع، وهي التي تكفل إعادة الأعمار وحفظ كرامة الشهداء وحقوق عوائلهم المنكوبة، والجيش هو الذراع الوطني الأساس المُناط به حماية الدولة، وتنفيذ قرارات الحكومة الشرعية.