في الايام الحوالك، هنالك قادة ينزعون دائماً الى التهدئة، ورأب الصدع، مستندين في ذلك الى قيم انسانية، واجتماعية، لاسيما في ظل اجواء داكنة، ومكفهرة، اعادة لوصل ما انقطع، ومدّ يد العون في كل مفصل ومنعطف، خصوصاً اذا كانت الاوضاع على قاب قوسين او ادنى من الانهيار، وعلى شفيرهارٍ من السقوط، والاندثار في هذه الحالة، يستفيق اللبنانيون على خطاب سياسي مضى لرجالات حفظ التاريخ اسماءهم، امثال المعلم الشهيد كمال جنبلاط، الذي كان دوماً، الساعي الى عدم كسر لبنان والحاقه بمشاريع جهنمية، مشاريع لو كتب لها النجاح، لطار لبنان كل مطير، ولذهب ادراج الرياح بكل مكوناته ومقوماته. وفي هذا الزمن العصيب هنالك كذلك قادة على طراز ما سبق يهتدون بهديه، ويقتدون برأيه، ايماناً منهم، بنضالاته، وقيمه ، وافكاره التي اضحت ضرورة، علمية، ووطنية، وعربية، وانسانية.. استباقاً لزمن لم يأتِ بعد.
ومن ثمَّ قيَّض لنا الله، رجالات، عملوا على تحصين هذا البلد الأمين، فكانوا امتداداً لجبابرة وعمالقة مضوا، ضاربين في الارض اوتاد الحرية، والعدالة، والديمقراطية والمساواة.. متعالين على الحساسيات، والعصبيات، وكل ما هو سلطوي واستكبار، فباتوا أعلاماً وطنية، ورموزاً قلّ نظيرهم، يوم تنادوا الى حمل شعار الوحدة الوطنية، وتثبيت فكرة الاستقلال، بعيداً عن الاملاءات، والتدخلات، وعن كل تشتّت، وضياع، وارتهان. واليوم، في ظل هذا التفاهم، وفي ظل هذا المدى الرحب من التواصل، وشد الازر، ثبُت ان المساكنة والعيش الواحد قدر الجميع، بالرغم مما واجهنا من ازمات وعثرات حيث ذللّ قادة كبار كل ما كان يعترض الوطن من شوائب، ومكائد، كادت تودي بالوطن الى انقسام عامودي، لو لم يتدارك المعنيون والمخلصون وفي مقدمهم الرئيس وليد جنبلاط، سر الامر قبل وقوعه، لكان الجميع في حيرة من امرهم، ولكان البلد عاد الى الوراء سنين طوالا. الا انه بحكمة وحنكة هؤلاء القادة، رُحنا نتفيأ تحت ظلال وطن، نحتنا صخوره معاً، مانحين إياه لون الدّماء، والرخيص والغالي، مبعدين عنه شبح التقسيم والتفتّت.
ان ما حلّ بهذا البلد من نكسات، ومآسي، وخلافات في الماضي القريب، كاد ان يقذف بالجميع الى ما لا تحمد عقباه. فرحمة ورأفة بأولادنا واجيالنا الطالعة، نقول: كفى تجافياً، وتناحراً، لأن ذلك سيبقي كلاً في مكانه، بعيداً عن التلاقي، وجمع الشمل واللّم، علماً ان المواطن حلمه الاكبر توفير الأمن، اجتماعياً، وسياسياً، تأميناً للقمة العيش الكريمة. وهنا، لا نعفي بعض القوى من مساعدة الدولة في تثبيت الامن الاجتماعي والاقتصادي.. باختصار، ان لبنان مجموعة قيم انسانية وثقافية، وحضارية، لا يليق به الا هذه الديمقراطية التوافقية وهذه المصالحة التي وَقَت لبنان من شر جحيم حروب مستقبلية، لا يعلم الا الله ما اواخرها.
واخيراً، لا عيش مشتركاً دون بسط الدولة سيادتها، ولا عيش رغيداً بدون الدولة، دولة حديثة، من نسيج ومن صنيع ابنائها تحضن وترعى الجميع.
يبقى ان نشير الى ان الحل لدى أهل البيت، ومن ادرى به الا أهله، فلنختصر الزمن، قبل ان يداهمنا الوقت؛ فلنتفق.