سوريا والعلاقات الروسية – الإيرانية
15 نوفمبر 2024
06:19
Article Content
تعايشت المقاربتين الروسية والإيرانية في سوريا على مدة 10 أعوام مضت، بينما كانت التوقعات تشير الى حتمية الصدام بينهما، على اعتبار أن لكل منهما طموحات ومصالح تختلف عن الطرف الآخر على هذه الساحة البالغة الأهمية. والمُساكنة بينهما في البيت السوري الواحد؛ ليس تفصيلاً يمكن المرور عليه بعُجالة، بل هو عاملاً مهماً لا بد من التوقف عنده، من حيث الأسباب ومن حيث الأهداف، ولكون البلدان لديهما قوات عسكرية وحلفاء على الأراضي السورية، وبالعادة؛ فإن التعايش بين القوى العسكرية أصعب مراساً من تنظيم الخلافات السياسية.
الحرب الضروس الدائرة على أرض لبنان وفلسطين؛ فتحت الأبواب على مصراعيها في الساحة السورية، والعدوان الإسرائيلي المُتمادي؛ كشف الاختلالات الهائلة، لا سيما على مستوى إدارة التعاون او الاختلاف بين الحليفين اللدودين، وبيَّنت الوقائع أن ما يناسب روسيا من مواقف؛ لا يتطابق مع ما يناسب ايران. فالأولى لديها اعتبارات استراتيجية دولية، وحسابات إقليمية تفرضها علاقاتها التاريخية مع الدول العربية واتفاقياتها الحديثة مع إسرائيل، وهي تختلف عن الطموحات الإيرانية التي ترتكز على زيادة نفوذها الإقليمي في " الساحات" القريبة، وذلك يساعدها على فرض مكانتها بين الدول الكبيرة كلاعب لا يمكن تجاهلهُ، انطلاقاً من رؤى عقائدية او امبراطورية ليست جديدة على العقل الإيراني.
يتفق الطرفان اللدودان على ضرورة المحافظ على طبيعة النظام في سوريا، بتركيبته الشخصانية والدستورية، وهو بواقع الحال يخدم التطلعات الروسية من خلال تجذُّر العلاقات الموروثة من ايام الاتحاد السوفياتي السابق، ويحاول الروس الجُدُد تصديق كون طبيعة هذا النظام علمانية، وتعتمد في الشكل على القيم التي يحملها حزب البعث العربي الاشتراكي، ولا يمكن انكار طبيعة مبادئ الحزب العلمانية والاشتراكية والعروبية. اما الإيرانيون فيستفيدون من كون تركيبة النظام "ملِّية" الى حدٍ ما، ويتحكَّم فيها قادة من طائفة إسلامية محسوبة على المذهب الإثني عشري، وقادة الدولة في سوريا يمارسون ازدواجية براغماتية واضحة في هذا السياق منذ أيام الرئيس الأب حافظ الأسد الذي حكم البلاد ما يقارب 30 عاماً، وكان من الرؤساء القلائل الذين وقفوا مع ايران ضد العراق الشقيق في حربهما التي استمرَّت ما يناهز 8 سنوات في ثمانينات القرن الماضي.
يتبين من خلال نقاش واسع مع خبراء على اطلاع بتفاصيل الوضع في المنطقة؛ أن التباينات الروسية – الإيرانية في سوريا؛ لن تتطور الى خلاف، مهما كانت حاجة الإيرانيين الى مساعدة في هذا الوقت بالذات، خصوصاً لناحية حماية انتقال المعونات والأسلحة لحلفائهم في لبنان، ومهما كانت الضغوطات كبيرة على روسيا لاتخاذ إجراءات تكفل عدم السماح بإعادة تسليح حزب الله من خلال الطرق الشرعية عبر سوريا. سيتعايش الطرفان مع هذه الوضعية من دون أن يصل الأمر الى صدام. فقد نفى المسؤولون الروس استخدام مطار حميميم الذي يخضع لسيطرتهم في اللاذقية لنقل أسلحة لحزب الله من ايران، كما تجاهل الإيرانيون بعض المعلومات التي أكدت وجود تعاون بين روسيا وإسرائيل ابان الحرب القائمة، لاسيما بعد زيارة وفد عسكري روسي الى تل ابيب، وقيام وفد إسرائيلي برئاسة وزير التخطيط رون ديرمر بزيارة موسكو في الأسابيع الأخيرة. وهناك سوق اعلامي مفتوح حول تسريب معلومات سرية عن مواقع يستهدفها العدوان الإسرائيلي، لكن الطرفان لا يعيرون هذا الأمر اهتماماً.
وإذا كانت المواضيع الخلافية على الساحة السورية كبيرة ومتعددة بين الطرفين؛ فهذا لا يعني بأيِ حال من الأحول عدم وجود مصلحة مشتركة لهما تفرض التعاون والمساكنة، وتطغى على حجم التباينات. فللفريقان اللدودان فائدة واضحة من استمرار النظام في دمشق والحفاظ عليه. ورأس هذا النظام (الرئيس بشار الأسد) تلقى تهديدات سرية وعلنية بضربه إذا ما تدخل في الحرب الى جانب المقاومة، وإذا ما استمرَّ بتزويد هذه المقاومة بالسلاح من مستودعاته، او من خلال نقلها من ايران عبر الأراضي السورية. وقد بدا واضحاً أن الأسد استجاب لهذه الضغوطات، وتخلَّى عن مقاربة "وحدة الساحات" منذ بداية المعركة، رغم الضربات المُؤلمة التي تلقاها حلفاؤه في لبنان الذين ساهموا في الدفاع عن نظامه خلال الثورة التي اندلعت في وجهه منذ العام 2011، ورغم وصول الضربات العدوانية الإسرائيلية الى عمق الأراضي السورية، واستهداف مواقع حساسة.
ويُبيِّن النقاش المبني على معلومات موثوقة؛ أن بقاء النظام في سوريا فيه مصلحة إيرانية تتجاوز أهمية دعهم الحلفاء او "الأذرع" وفق التعبير المستخدم. والتضحية بحلفاء مهمين؛ أقل تأثيراً على ايران من خسارة النظام في سوريا، او توتير العلاقات مع روسيا. فهناك اعتبارات استراتيجية لا يمكن التضحية بها في سياق العلاقة بين روسيا وايران، وهي مهمة للبلدين، وتستفيد منها ايران بشاكلة أوسع. ولعلَّى قرب انجاز الممر البري والبحري الذي ينفذه البلدان، وهو يربط ميناء سان بطرسبورغ بميناء بندر عباس على الخليج العربي عبر بحر قزوين، ليصل لاحقاً الى ميناء بومباى في الهند؛ من أهم هذه الاعتبارات الاستراتيجية، إضافة الى التعاون العسكري القائم في مجال التسليح.
ومما يؤكد عدم تحويل التباين الى اختلاف بين البلدين؛ هو التطورات المنتظرة على الساحة الدولية بعد تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية في 20 كانون الثاني(يناير) القادم. فإيران تحتاج لروسيا، ولن تضحي بالعلاقة معها من أجل بعض الحلفاء.