لم تقتصر تداعيات الحرب الإسرائيلية المفتوحة على لبنان منذ عام وشهر تقريباً على استهداف المدنيين والمقاتلين وتدمير القرى والبلدات وإجبار سكانها على النزوح وسط ظروف معيشية خانقة، بل طالت أيضاً المواقع الأثرية والتاريخية، حيث استُهدف بعضها عن قصد وبعضها الآخر بشكل غير مباشر، ما شكّل جريمة حرب تُضاف إلى سجلّ العدو.
في الجنوب، تعرّض العديد من المواقع الأثرية والتاريخية المدرجة على قائمة مواقع التراث العالمي لمنظمة "اليونسكو" للإعتداءات الإسرائيلية، ومنها قلاع وجوامع ومقامات دينية ووطنية، رغم كل الجهود الرسمية لحمايتها، بما في ذلك وضع ما يُسمّى "الدرع الأزرق" لحمايتها في زمن الحرب. كما طالب وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد مرتضى، اليونسكو بالتدخل بشكل عاجل للحفاظ على إرث لبنان التاريخي.
وقد نال الجنوب حصة كبيرة من هذه الإعتداءات، حيث تمكّنت المديرية العامة للآثار من الكشف على بعضها. واتخذت الإعتداءات على المواقع الأثرية والتاريخية شكلين: الاستهداف المباشر، وغير المباشر من خلال القصف على مقربة منها، ما يعرّضها لخطر التصدّع أو الإنهيار نتيجة الإرتجاجات العنيفة الناجمة عن الغارات الجوية واستخدام صواريخ ثقيلة الوزن، أو من خلال خرق جدار الصوت بشكل متكرّر.
المعالم المتضررة
يعدد مسؤول أثري لـ "نداء الوطن" المواقع الأثرية والتاريخية في الجنوب التي تضرّرت جراء القصف، وأبرزها: "قلعة تبنين"، "قلعة ميس" في أنصار، "جامع بليدا التاريخي"، "مقام النبي بنيامين" في محيبيب، "مقام النبي شمعون" في شمع، إضافة إلى مساجد "النبي شعيب" في بليدا، شبعا، يارون، الظهيرة، طيردبا، كفرتبنيت، مجدل سلم، وكنيسة دردغيا، فضلاً عن السوق التجاري التراثي في مدينة النبطية.
ويؤكد أن غالبية المواقع الأثرية التي لم تتعرّض للإستهداف المباشر مهدّدة بسبب جدار الصوت القوي والغارات والقصف القريب كما حصل في نقطة قريبة من "معبد جوبيتر".
وفي حصيلة أولية، تمّ استهداف ستة مراكز أثرية دينية، وبيوت تراثية مصنّفة دوليّاً، وسبعة مساجد وكنيسة وخمسة مبانٍ بلدية أثرية، مما دفع رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، إلى اعتبار استهداف المواقع الأثرية "جريمة إضافية ضدّ الإنسانية، ينبغي التصدي لها ووقفها".
خرق الاتفاقيات الدولية
يشير الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية – قسم الفنون والآثار، الدكتور محمد قبرصلي، لـ "نداء الوطن"، إلى أنّ إسرائيل "لا تبالي بالقوانين والاتفاقيات الدولية، لا سيما "اتفاقية لاهاي" لعام 1954 الخاصة بحماية الملكية الثقافية في الصراعات المسلحة، و "اتفاقية اليونسكو" التي أُقرّت عام 1972 لحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي".
وأوضح أن المعالم في صيدا، الممتدة من الأولي شمالاً إلى سينيق جنوباً، وأبرزها القلعة البحرية، والقلعة البرية، و "معبد أشمون"، و "مقام النبي يحيى"، لم تتعرّض لاستهداف مباشر، لكنها تأثّرت بالغارات الجوية بشكل غير مباشر. فالغارة على منطقة الشرحبيل أثرت على "معبد أشمون" القريب منها، والغارات على حارة صيدا أثرت على المخزون الأثري في "تلة مار الياس". كما أن الغارات أثرت على منطقة القياعة، حيث وُجدت المدافن الملكية التي نُقلت إلى متحف إسطنبول في تركيا، إضافة إلى أن الغارات على الغازية أثرت على الآثار في منطقة سينيق.
اجتماع وحماية
من المتوقّع، أن تعقد اللجنة المعنية بحماية الممتلكات الثقافية، في حالة النزاع المسلّح في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، جلسة استثنائية في باريس في 18 من تشرين الثاني الجاري، لطلب الحماية المعززة للمواقع التاريخية، ومن بينها "قلعة بعلبك". يأتي ذلك بعدما وجّه وزير الثقافة نداءً إلى مجلس الأمن الدولي لحماية تراث وآثار لبنان، وبعدما وجّه أكثر من 100 نائب لبناني نداءً عاجلًا إلى "اليونسكو" لحماية المواقع التاريخية.