بدأ رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطوات إعادة التموضع للمرحلة القادمة، لإحكام قبضته أكثر وأكثر على القرارين السياسي والحربي، وذلك بإقالة وزير الدفاع يوآف غالانت وتعيين يسرائيل كاتس خلفاً له، وكذلك تعيين جدعون ساعر وزيراً للخارجية. وعلل نتنياهو قراره بـ"أزمة الثقة" بينه وبين غالانت التي "لم تجعل من الممكن إستمرار إدارة الحرب بهذه الطريقة".
توقيت قرار نتنياهو ليس بريئاً ويحمل رسائل مزدوجة، إلى الداخل والخارج، إذ يشير الخبير العسكري والإستراتيجي العميد حسن جوني إلى أن إقالة غالانت أتت بلحظة مؤاتية عشية الإنتخابات الأميركية، وذهاب الديمقراطيين، وأعلن عنها حتى قبيل الإنتخابات، ودون معرفة من سيكون الرئيس"، مضيفاً: "مع فوز دونالد ترامب في الرئاسة، يعتبر أن إقالته كانت في مكانها".
ويلفت جوني إلى أن "غالانت يُعرف برجل أميركا الأول في الحكومة والوحيد إلى حد ما". هذا وبرز موقف أميركي غير مرّحب بإقالة غالانت، نقله أمس موقع "أكسيوس" عن مسؤول في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، قائلاً: "قلقون بشأن إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت لأنه شريك موثوق في حربي غزة ولبنان والتوتر مع إيران".
وعبّر المسؤول عن قلقه من أن يصبح الأمر أكثر صعوبة، لافتاً إلى أن "لا علاقات لنا بيسرائيل كاتس الذي عُيّن خلفاً لغالانت، ولدينا الكثير من الأشياء التي يتعين علينا القيام بها في الشهرين المقبلين". وكشف الموقع عن مسؤولين أن نتنياهو أبلغ إدارة بايدن أنه لا يخطط لتغييرات أوسع نطاقاً لقادة الجيش والأمن والاستخبارات.
ويقرأ جوني التغيرات الوزارية في حكومة العدو بتوجه نتنياهو إلى إمتلاك سلطة إدارة الحرب والدبلوماسية، "فمن خلال تعيينه لكاتس وكأنه يريد الإحتفاظ لنفسه بوزارة الدفاع، ويتحدث الإعلام الإسرائيلي أن وزير الدفاع الجديد لن يكون سوى مدير معيّن"، مشيراً إلى أن كاتس ينتمي إلى فريق نتنياهو ويفرض سطوته عليه، ولا يناقشه أو يجادله.
والجدير بالذكر، أن كاتس إلتحق بصفوف جيش العدو عام 1973 وخدم في صفوف قوات المظلات قبل أن يترك الخدمة عام 1977. ولم يشغل أي منصب قيادي كبير في الجيش، خلافاً لغالانت الذي كان جنرالاً قبل أن يصبح وزيراً للدفاع في العام 2022. وهذا يدل وفق جوني على أن تعينه أتى كـ"صورة".
ويشرح جوني أن بتعيين نتنياهو وزير خارجية جديد، سيمسك بوزارتي الخارجية والدفاع سوياً، أي الدبلوماسية والحرب.
إلى ذلك، تعيين كاتس، بحسب جوني، يقوي موقف نتنياهو في الحكومة، التي أضحت إلى حد ما مركزية أوتوقراطية، وإلى حد بعيد تمثّل جهة واحدة، حكومة يمين متطرف، قومية، دينية، يمينية، متناغمة منسجمة في منطقة التطرف.
تصعيد يقابله تصعيد
لا شك أن المتغيرات في تركيبة حكومة العدو لها تأثيرها على العمليات العسكرية، وتحديداً بتواجد كاتس في وزارة الدفاع، وذلك بـ"إطلاق يد نتنياهو في الحرب أكثر فأكثر، وبعدم وجود أصوات مزعجة حوله في الحكومة"، كما يلفت جوني، أي "مزيداً من التصعيد، والتصعيد الآن باللهجة العسكرية الإسرائيلية يعني التدمير والقتل، فلم يعد هناك من أهداف تنطبق عليها مواصفات الأهداف العسكرية، وسيتابع نتنياهو محاولة تحقيق أهدافه بالقوة، خصوصاً في ظل وجود وزير دفاع متماهي معه تماماً"، على حد تعبيره.
ويتوقع جوني أن التصعيد سيقابله تصعيداً من قبل حزب الله، "بالرد الناري في الميدان"، مشيراً إلى أن "حزب الله اليوم يصعّد الموقف ويطوّر المواجهة، وخياراته هي عدم الخضوع، وعدم القبول بشروط نتنياهو، عبر مواجهة النار بالنار، والإيلام بالإيلام، وبالتالي الإحتكام إلى الميدان".
وفي سياق متصل، يشير جوني إلى أن رئيس أركان جيش العدو هرتسي هاليفي سيكون في موقع صعب ومحرج، وإلى حد ما خاضع كلياً إلى هيمنة نتنياهو كرئيس أركان للجيش، ولا يعتقد أنه يستطيع فعل شيء سوى التنفيذ والإ سيتم تعيين رئيس أركان جديد مكانه.
ويلفت إلى أن غالانت كان صلة وصل بين هاليفي ونتنياهو، ويشكل حلقة الوصل بين الجيش والسياسة، الجيش المنهك المتعب الذي لديه مطالب ويريد أن تنتهي هذه الحرب ولم يعد يملك ما يقوم به، ودوماً كان يصرّح رئيس الأركان أننا نفذنا كل المطلوب منا والأهداف إنتهت، وبإقالة غالانت فُقدت هذه الحلقة".
صراع الأجنحة
إختلافات جمة بين نتنياهو وغالانت بدأت منذ شهر آذار 2023 خلال أحداث التعديلات القضائية، بالإضافة إلى تباين حول الرؤية الإستراتيجية للعمليات العسكرية في الحرب وأهداف الحرب. كما برز إختلاف بينهما بمسألة تجنيد اليهود المتدينين "الحرديم".
الإختلاف بالرؤية الأساسية تجاه الحرب بشكل عام وأهدافها بدا واضحاً بين نتنياهو وغالانت. وحول الحرب في غزة، ويذّكر جوني بأن نتنياهو كان يختلف مع وزير دفاعه، وكان رئيس وزراء العدو يريد أن يذهب بعيداً في الأهداف، ويريد القضاء على حماس، ولا يريد الهدنة أو التفاوض أو التسويات، لاسيما أن كل ما يقوم به في هذا الإطار هو تمرير للوقت ومناورات".
ويشير جوني إلى تصريح غالانت خلال مشاركته في إحياء الذّكرى السّنويّة وفق التقويم العبري لـ 7 أكتوبر 2023، حين قال "لا يمكن تحقيق جميع أهداف الحرب من خلال العمليّات العسكريّة وحدها ... للقيام بواجبنا الأخلاقي بإعادة أسرانا إلى منازلهم، سيتعيّن علينا تقديم تنازلات مؤلمة"، "بما معناه يجب أن يتبع الهدف العسكري والإنجاز العسكري عمل دبلوماسي أو سياسي معيّن، ما يدل على أن غالانت كان مع إنجاز الصفقة".
ويقول محلل الشؤون العسكرية إيال عليمة لـ "بي بي سي"، إن إقالة غالانت في خضم الحرب وإستمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة دون الوصول لصفقة لإعادة الرهائن سيؤدي إلى "تفجر الأوضاع الداخلية الإسرائيلية".
وبالمقابل، كان غالانت إلى حد ما يتوافق مع نتنياهو بالعملية العسكرية على لبنان، بحسب جوني، ولا يعتقد وجود إختلاف كبير بالموقف بينهما، إنطلاقاً مما عبّر عنه غالانت. ويضيف أن غالانت كان يريد إنهاء الحرب بعدما تم القضاء برأيه على قيادة حزب الله وقتل قائد حزب الله، ويعتبر أن اللحظة باتت مؤاتية لإستثمار هذه الإنجازات بالسياسة، بحيث يتوافق بذلك مع زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد الذي يقول أن الوقت حان لوقف القتال في لبنان، وترجمة هذا العمل العسكري بإتفاق سياسي.
وكما يبدو سنكون أمام أيام حامية في الميدان خلال المرحلة القادمة.. الإنتخابات الأميركية إنتهت بفوز ترامب، وبادين يكمل ولايته الدستورية منزوع أو محدود التأثير على القرار الإسرائيلي، معطوفاً على جنون نتنياهو في قيادة أمر عمليات العدوان على لبنان والمناورة بحلول سياسية لشراء الوقت، ما قد يصعّب وقف إطلاق النار في المدى المنظور.