حينما يتكلم التاريخ لكل زمن رجال
07 نوفمبر 2024
19:18
آخر تحديث:07 نوفمبر 202419:35
Article Content
كتب الشيخ مكرم المصري:
في أروقة الوطن، حيث تتداخل قصص الشغف بالأرض مع أوجاع الفراق، يضيء نجمٌ في سماء لبنان، ألا وهو سماحة شيخ العقل، الشيخ الدكتور سامي أبي المنى. في كل خطوة يخطوها، ينسج خيوط الأمل بحكمة، راسمًا لوحةً بهية من التضامن الوطني الذي يتجاوز الحدود الطائفية والمناطقية.
فمشيخة العقل عنده ليست مجرد مؤسسة، بل هي قلب نابض بحب الوطن. تحت ظلالها، تلتقي الأرواح على أرض واحدة، وتتجمع الأيادي لتصنع من التعدد وحدة، ومن التنوع اكتمالاً يُغني التجربة الوطنية والإنسانية.
في لحظة تاريخية تجلت فيها روح التعاون، انطلقت القمة الروحية كنسيم صيف ينعش النفوس. هناك كان صوت سماحته هادراً كما البحر، يهمس موجه في آذان الجميع: "وحدة الصف هي درب النجاة."
ومع كل صلحٍ راح يسعى إليه، كان سماحته يزرع شجرة الأمل في قلوب أبناء الطائفة التوحيدية؛ صلح كفرسلوان في اعالي المتن، كان كأنغام عتيقة استعادتها الذاكرة بعد سنين من الشجن، تعيد توحيد الروابط الأسرية التي كادت أن تُنسى.
وفي الطريق نحو الوحدة، لا يمكن أن نغفل عن محطتين تاريخيتين ساهمتا في بناء هذا المسار من التضامن والتلاحم بين أبناء الطائفة التوحيدية: صلحة قبيع وصلحة حمانا. ففي قبيع، حيث نشأت الفكرة النبيلة للتعاون والتفاهم، تجسّدت رسالة سماحته بقدرته على لمّ شمل أفراد الطائفة الذين تفرّقوا جراء الخلافات. وبتوجيهاته الحكيمة، تكللت الجهود بالنجاح، ليتحوّل هذا الصلح إلى علامة فارقة في تاريخ المصالحة الوطنية.
أما صلحة حمانا، فقد كانت حدثًا مُفصليًا في مسيرة الوحدة، حيث انصهرت القوى السياسية والدينية على حب الوطن وصون كرامته. في حمانا، كانت الكلمة الطيبة والأيدي المتآلفة هي ما سمح بتجاوز الخلافات وتنقية النفوس، فتحولت المنطقة إلى رمز آخر للصفاء والوحدة التي لا تهزها الرياح.
ومن أفق الهلالية في قضاء عاليه، ترددت أصداء المصالحة كألحان هتاف الحرية في زوايا الوطن، وصولاً إلى مصالحة بيصور الكبرى التي ارادتها القيادة المعروفية فجمعت تحت شمسها أقمار العشيرة العطرة وازهار بستانها الرائعة الجمال .
وفي مشهدٍ يُسطر بماء الذهب، تضافرت جهود الزعمين الرئيس وليد بك جنبلاط والأمير طلال أرسلان والمشايخ الخيّرين لتجاوز أحداث قبرشمون، ليظهر وجه الوحدة في أبهى حُللها، ويعلو صوت العقل على صدى الخلافات. إنما الرسالة الأعمق التي يحملها سماحته ليست مجرد كلمات، بل هي دعوة للنفوس المتعبة لتجديد العهد على المحبة والأخوة.
في خلوة القطالب الزاهرة، حيث يتعانق الماضي مع الحاضر، برزت أسمى معاني تلك الوحدة المرجوّة وتجلّى التضامن الأخويّ بين القيادات الدينية والسياسية لطائفة الموحدين الدروز، وحول مشيخة العقل اجتمعت القلوب والعقول، كما كانت دائماً في زمن الأزمات، لتتدفق من علٍ مشاعر الإخاء والوحدة كجداول مياه تنبع من قلب الجبال.
ألقى سماحة الشيخ كلمته بحكمة وعمق، مُشددًا على أهمية التماسك الداخلي والإيمان والتعلق بالأرض التي انغرست فيها جذور هويتنا، فقال: "إن قرارنا توحيدي بامتياز، وعلينا مواجهة التحديات بروح التعاضد والأخوّة، فالوطن موئلنا وملاذنا، وللشراكة فيه قيمة سامية". كلماته كانت بمثابة شعلة تُضيء درب التعاون، تلك التي دعت الجميع للالتفاف حول القيم التي تجمعهم، كما تتعانق الأشجار في أحضان الجبل.
كان اللقاء رمزًا لإرادة الحياة وتآلف القلوب، وكأنه يُعيد الروح إلى الجبل ويؤكد على قوة المجتمع في مواجهة التحديات. لقد تنامى الحوار كزهرة تتفتح في بستان الإخاء، مجسدًا روح التعاون والتضحية معبّراً عن عزم أبناء الطائفة على بناء مستقبل مشترك، يتجاوز حواجز الكراهية والباطل ليُعلي صوت الحق والمحبة.
في تلك الأجواء، ارتسمت على الوجوه علامات الأمل، واستمد الجميع من تلك الروح الجماعية طاقة جديدة، لتبقى خلوة القطالب ملتقى للتقوى والصلح والإنسانية، ويبقى اجتماعها صرخة مدوية في وجه كل أنواع الفتن والانقسامات. هنا، في قلب الجبل، تنبض الحياة بالوحدة، ويزهر الأمل من بين التحديات.
وفي الختام يطيب القول أن كل زمن يحتاج إلى رجال يزرعون في الأرض بذور الأمل، ويجعلون من الوحدة شعلة لا تنطفئ، وسماحة شيخ العقل الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، بشجاعته وحنكته، هو ذلك الرجل الذي نحتاجه، رمزًا للمحبة والسماحة، في رحلة الوطن نحو غدٍ مشرق. لنبقى جميعًا حاملين شعلة التضامن، سائرين تحت مظلة هذه الرسالة، نستمد منها القوة لمواجهة تحديات الزمن.