يترقب العالم ومعه الشرق الأوسط ومن ضمنه لبنان لنتائج الانتخابات الأميركية وتداعياتها. مسار الحرب الإسرائيلية على المنطقة سيتأثر بنتائج هذه الانتخابات، وسط تضارب في الآراء والتقييمات حول هوية الرئيس، بين مؤيدين للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، والمرشح الجمهوري دونالد ترامب. مفارقات عديدة تسجّل بين الحلفاء وتفضيلاتهم، فمثلاً روسيا والنظام السوري يفضلان انتخاب ترامب، أما إيران فتفضل استمرار الإدارة الديمقراطية. لبنان أيضاً ينقسم في آرائه وتقييماته، على الرغم من قراءة لبنانية تعتبر أن كلا الفريقين ينتهج نفس الاستراتيجية ولن تكون هناك متغيرات كبيرة.
بين ترامب وهاريس
يسود اعتقاد وفق ما تشير مصادر أميركية بأن هاريس قد تعهّدت في حال فوزها أن تمارس ضغوطاً قاسية جداً على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف الحرب، وهو ما يدفع الكثيرين إلى تأييدها. أما معارضيها في المنطقة على مستوى دول تفضّل خيار ترامب، فهؤلاء يعتبرون أن الرجل سيعمل على الدخول السريع في مسار سياسي لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك الحرب الإسرائيلية في فلسطين ولبنان. من يراهن على ترامب يعتبر أنه بإمكانه، من خلال التقارب مع روسيا ووقف الحرب مع أوكرنيا، أن يسعى إلى الحصول على مقابل وهو عدم استمرار روسيا في دعم إيران إلى حدود بعيدة سياسياً وعسكرياً. كما يعتبرون أن رؤية ترامب مع بوتين مع بعض الدول العربية ستكون منسجمة حيال الوضع في سوريا ومسار الانفتاح على بشار الأسد، بخلاف الآلية التي يعمل وفقها الديمقراطيون.
من تداعيات انتخاب ترامب هي الضغوط التي ستتعرض لها الدول الأوروبية، أولاً بما يتعلق بالملف الأوكراني، وثانياً مصير حلف الناتو، وانعكاس ذلك سلباً على اوكرانيا، كما انعكاسه على الوضع في سوريا من خلال تطويق المساعي الأوروبية التي لا تزال ترفض الانفتاح على دمشق. معارضو هاريس يعتبرون أنها لا تمتلك استراتيجية واضحة لإنهاء الحروب، بل هدفها التهدئة أو خفض التصعيد من دون إيجاد مسارات حاسمة لوقف الحرب، ومن دون تقديم حلول، بل ترك الأمور على حالها وإن تدهورت، وهو ما يحاول مؤيدو ترامب الإرتكاز عليه عربياً على قاعدة مهاجمة الديمقراطيين في سعيهم إلى التقارب والتفاهم مع إيران والتعايش معها.
تغيير للمعادلات؟
بالنسبة إلى المراهنين على الانتخابات الأميركية والانقسام ما بين الفريقين الديمقراطي والجمهوري، فهم يعتبرون أنه لا يمكن للمعادلات أن تتغير في المنطقة من دون استراتيجية أميركية واضحة، لأن إنهاء حالات مكرسة منذ سنوات لا يمكن أن يتحقق إلا بحروب تمتد لسنوات لا أحد سيكون قادراً على تحمّلها. أما القناعة الأبرز فهي أنه لن يكون بإمكان هاريس أو ترامب معالجة الأزمات العالقة بناء على القوة العسكرية فقط، أو على تعزيز مفهوم أمن إسرائيل على حساب الدول والشعوب الأخرى، فمهما امتد أفق الحرب العسكرية يمكن لإسرائيل أن تخفف مصادر الخطر الأمني أو العسكري عليها، ولكن ذلك لن يسهم في إحداث تغيير كبير في المعادلة كما تطمح إسرائيل بما يتعلق بإنشاء نظام إقليمي يرتبط بها. والمشروع الذي تراهن عليه تل أبيب مع ترامب حول ضم أراضٍ جديدة لإسرائيل في سبيل توسيع مساحتها، أو الاعتراف بضم الضفة الغربية فلا يمكن أن يتحقق وسيكون له تداعيات ومخاطر استراتيجية على الأردن ومصر ودول أخرى، وهو ما لا يمكن لأي دولة عربية أن تتحمله.
لبنان بانتظار الحسم
لبنانياً، تتضارب المقاربات أيضاً بين المؤيدين للديمقراطيين والمؤيدين للجمهوريين. فبعض اللبنانيين المعارضين للديمقراطيين يعتبرون أن هؤلاء لا يمتلكون استراتيجيات حاسمة، بل يعتمدون سياسة بطيئة، ومنذ بداية الحرب على غزّة لم يضعوا مهلة زمنية لوقف هذه الحرب بل طالت لسنة وقابلة لأن تطول أكثر، بخلاف ما كان الوضع عليه أيام الجمهوريين في حرب تموز، إذ كان جورج بوش الإبن ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس قد وضعوا مهلة زمنية واضحة بدأت مع منح إسرائيل أسبوعين ومن ثم منحت تل أبيب أسبوعين آخرين لإنهاء الحرب وتحقيق أهدافها، وعندما لم تنجح بذلك تم الضغط عليها لوقف الحرب، سواء تحققت الأهداف أم لم تتحقق وهذا ما حصل بخلاف الأمر الواقع اليوم بين إدارة بايدن والحرب على غزة أو لبنان، ولا وجود لأي سقف زمني ولا لوضوح في تدخل أميركي جدي.
على الرغم من الانقسام والتضارب في الرؤى، يبقى انتظار نتائج الانتخابات مسألة أساسية بالنسبة إلى دول المنطقة، التي تراهن على فتح مسارات جديدة لتفكيك مراكز التأزم، خصوصاً في ظل الحرب الإسرائيلية الكبرى على المنطقة وعلى إيران ونفوذها بالتحديد، مع رهانات دول عربية على إيجاد مقاربة جديدة لسوريا، والعراق ولبنان الذين لا يمكنهم أن يبقوا بهذه الحال، وكذلك بالنسبة إلى فلسطين التي لا يمكن لشعبها أن يهدأ، كما أنه لا يمكن للعرب أن يتراجعوا أو يتخلوا عن القضية الفلسطينية ولا يمكنهم التسليم بأي مسار يحرم الفلسطينيين من بناء دولتهم المكتملة الأركان.